تعد صناعة الدواء من اخطر واهم الصناعات في العالم، لانها من ناحية ترتبط بصحة الانسان وتعتبر من ناحية اخرى قطاعاً اقتصادياً مؤثراً في اقتصاديات الدول. وبنظرة مدققة الى خريطة صناعة الدواء في الوطن العربي نكتشف انه ما زال امامنا الكثير لاقامة صناعة دوائية عربية تستطيع الصمود والمنافسة امام الصناعات الغربية في ظل الاتجاه العالمي لتحرير الاقتصاد واخضاع كل الدول لنظام العولمة. يبلغ حجم مبيعات سوق الدواء في العالم حوالي 300 بليون دولار تستحوذ الشركات الاميركية على 30 في المئة منها والشركات الاوروبية على 30 في المئة واليابانية على 21 في المئة والنسبة المتبقية موزعة على باقي دول العالم. وهذه الشركات لم تعد تكتفي بما تملكه حالياً بل تسعى الى احتكار كل مقومات هذه الصناعة الحيوية. وهو ما يستوجب على الدول العربية الاستعداد لمواجهة هذه السياسة. وعند طرح قضية مستقبل الدواء العربي في ظل العولمة الاقتصادية على عدد من الخبراء والمختصين العرب اجابنا احد الخبراء في اتحاد الصيادلة العرب: "هذا الامر ليس سهلاً، واتحاد الصيادلة العرب لفت الانظار الى هذا الخطر منذ سنوات اذ يهمه مستقبل الدواء العربي. وقد طالب مراراً بوجود صناعة دوائية عربية تتبناها الدول الغنية وتوفر لها من الطاقات ما يمكنها من مجاراة السوق العالمية. وسعى الاتحاد الى اقامة اكثر من ندوة من اجل حماية الدواء العربي، كما انشأ الشركة العربية للصناعات الدوائية اكديما لتكون مسؤولة عن الصناعات الدوائية في الوطن العربي". واضاف: "لقد حذرنا من خطر الغات على الصناعة الدوائية في الوطن العربي ونبهنا الحكومات في مجلس وزارء الصحة العرب الى ان صناعة الدوائي العربي في الوقت الراهن مثل الانسان الواقف على قدم واحدة معرض للانهيار ما لم يتمكن من الوقوف بثبات، وهذا الثبات نلخصه في تقدم الصناعات الدوائية العربية. فما زال ينقصنا الكثير، اذ اننا نستورد آلات التصنيع والابحاث. وباختصار، ان الصناعة الدوائية في الوطن العربي قائمة على الاعتماد على الخارج بكل جوانبها ولا بد من تثبيتها حتى تجاري التدفق التجاري العالمي في ظل العولمة الاقتصادية". عوامل مؤثرة وحول العوامل التي تساعد الدواء العربي في تثبيت مواقعه، اكد الخبير في اتحاد الصيادلة العرب "على ضرورة وجود مصانع ومراكز للابحاث الدوائية تكون لها القدرة على الابتكار والبحث والتطور العلمي الذي يمكننا من صناعة الدواء بصورة تجاري الصناعة العالمية. ونحن لدينا العقل العلمي القادر على البحث والتطوير، كما ان لدينا الطاقة البشرية، وفوق كل ذلك نملك الثروات الطبيعية التي تدخل في صناعة الدواء ولكنها للاسف تصدر للخارج كمواد خام ثم تعود الينا دواء معبأ بأثمان عالية! هذه هي مشاكلنا في الصناعة الدوائية والتي نستشعر بالخطر نحوها كلما تحررت التجارة، وذلك لاننا - كما ذكرت - لسنا واقفين على ارض ثابتة تمكننا من المنافسة، والغات لها قوانينها وشروطها في حماية ملكية الاختراع، وهذا سيعود بالضرر على الادوية العربية لانه سيتم استيرادها وفق النظام الجديد وهذا ما سيعطل 80 في المئة من مصانعنا، ناهيك عن الشركات العملاقة التي سيكون همها الاساسي ضرب الصناعات في الدول النامية والشرق الاوسط وذلك بالمنافسة السعرية حتى تقضي على المصانع، وهي تملك الامكانات المالية التي تساعدها في تنفيذ ذلك. اذن الغات خطر قاتل سيعود بضرره على الصناعة الدوائية ما لم توضع هذه الصناعة موضع الاهتمام ويوفر لها من الامكانات ما يمكنها من الصمود واثبات الذات امام هذا الخطر". تشريع خاص يرى بعض الخبراء والعاملين في مجال الادوية انه من الضروري وضع تشريع خاص بالدواء العربي يوحد آلياته ويحميه من الغزو الخارجي الذي يتمتع بكل المقومات التي تمكنه من السيطرة الكاملة على مجريات السوق. كما انه لا بد من وضع قوانين محددة لتداول الدواء الاجنبي داخل البلاد العربية، فاغراق السوق العربية بالدواء الاجنبي يهدد بانهيار صناعة الدواء العربية لاننا نفتقد لمراكز ابحاث الدواء بالصورة التي تمكننا من مجاراة التقدم العالمي، كما ان رؤوس اموال شركات الادوية العربية ليست بالقوة الكافية ولذلك يجب معالجة هذه السلبيات بسرعة. ويضيف ممثل احدى شركات الادوية العربية: "اننا نفتقد الى وجود مراكز بحوث للادوية في الدول العربية تمكننا من الاعتماد على انفسنا في تخليق دواء جديد نفخر بأنه صناعة عربية مئة في المئة. كما نفتقر الى عنصر هام وهو وجود مصانع بالكفاءة التي تساعدنا على منافسة الدول الاجنبية لاننا اذا نظرنا الى الدول العربية نجد ان دولة او اثنتين على الاكثر هي التي تهتم باقامة صناعة دوائية محترمة، اما بقية الدول فتعتمد على الاستيراد. وهذا امر خطير يؤثر في قدرتنا على المنافسة. ان الدولة العربية تملك رؤوس اموال يمكن ان تساهم في النهوض بصناعة الدواء العربي وتعطيه القدرة على المنافسة مع اكبر الشركات الدولية وتمنحه الفرصة للانتشار في السوق الدولية". ان الصناعات الدوائية العربية تعاني من ضعف الانفاق على البحوث الخاصة بتطوير منتجاتها، فلا تزيد نسبة انفاقها على البحوث اكثر من 2 في المئة وهو ما أدى الى تدهور انشطة البحوث والتطوير في مصانع الادوية. واقتصرت هذه الانشطة على صياغة مستحضرات جديدة لأدوية معروفة وتحسين بعضها الآخر، ولهذا السبب انخفض عدد الخبراء المتخصصين في هذا المجال وانحصر وجودهم في رجال البحث العلمي في الجامعات، وهؤلاء لا تتم الاستفادة من ابحاثهم الا قليلاً وهو ما يجعلنا ننادي بالتركيز على زيادة القدرات البحثية وتطويرها حتى لا نقف عند نقطة معينة في حين ان العالم من حولنا يتطور. فإمكانات الدول العربية كبيرة ولكنها مشتتة لافتقادها عنصر التجميع والتعاون. يجب على الدول العربية ان تؤمن بتكامل الادوار في مجال الانتاج الدوائي والبحوث، مع توافر قاعدة راسخة من نباتات واعشاب تغطي مساحات شاسعة من الاراضي العربية لم تتم الاستفادة منها جيداً حتى الآن مع توافر رأس المال اللازم للبحوث والتطوير فابتكار دواء جديد يكلف في مجال البحث والتجريب ما بين 125 الى 250 مليون دولار وهو عبء على دولة واحدة بمفردها، اضافة الى تمتع بعض الدول العربية بكفاءات علمية وصلت الى المستوى العالمي ويمكنها ان تساهم في تطوير هذه الصناعة الاستراتيجية خصوصاً بعد اتفاقية الغات وما تمثله من تهديد لصناعتنا الوطنية. اسعار زهيدة... ولكن! ان الدواء العربي جيد لكنه يحتاج الى تدعيم لكي يقف صامداً امام تيار زحف الدواء الاجنبي في ظل العولمة الاقتصادية. وهناك حقيقة لا بد ان ندركها وهي انه في ظل اتفاقية الغات ستقوم الشركات الاجنبية بإغراق السوق العربية بالدواء بأسعار مخفضة وزهيدة من اجل المنافسة والقضاء على صناعة الدواء العربي. والسبب الذي يؤهلها لذلك هو رؤوس اموالها الضخمة. فهذه الشركات الاجنبية سوف تضع هامش ربح قليلاً بل ضعيفاً جداً حتى تقضي على الصناعة الدوائية العربية، ثم تعود بعد ان تتمكن من القضاء على هذه الصناعة عربياً لتضع السعر الذي يعوضها خسارتها السابقة. ولا بد ان نعي ان صناعة الدواء العربي مستهدفة ولا بد من حمايتها كما انه لا بد لشركات الادوية في الوطن العربي ان تتخذ موقفاً متحداً في صورة اندماج من اجل مضاعفة القوة وهذا ما يحدث حالياً في الدول الاجنبية. كذلك لا بد من الاهتمام بمراكز بحوث الدواء حتى تغنينا عن استيراد الدواء الاجنبي. وهذه النقطة هامة جداً ويجب التركيز عليها، فنحن حتى الآن ما زلنا نفتقر للمراكز البحثية الدوائية التي تمكن الشركات العربية من تخليق ادوية جديدة يكون مرجعها للعرب وحدهم دون الاعتماد على الآخرين. وقد دعا برنامج تمويل التجارة العربية الى ضرورة الاسراع في اقامة سوق دوائية عربية مشتركة للاستفادة من المواد الوسيطة والمشتقات النفطية والنباتات الطبيعة المتوافرة في الدولة العربية. ان اجمالي استهلاك الدواء في المنطقة العربية تجاوز 2.5 مليار دولار وان حجم الانتاج العربي من الدواء بلغ اكثر من 502 مليار دولار ويغطي نحو 46 في المئة من الاستهلاك. وقد تضاعف الانتاج الدوائي العربي مرات عدة من 345 مليون دولار العام 1975 الى 815 مليون دولار العام 1987 ثم 3.1 مليار دولار العام 1993 قبل ان يصل الى 5.2 مليار دولار العام الماضي. وتجاوزت الاستثمارات العربية في مجال صناعة الدواء 4 مليارات دولار موزعة على 195 مصنعاً منها 31 مصنعاً في منطقة مجلس التعاون الخليجي. والواقع ان الصناعات الدوائية العربية من اكثر الصناعات نمواً في هيكل الناتج الصناعي العربي، واكثرها التصاقاً بالتنمية البشرية من حيث توفير الدواء الضروري للمواطن العربي بالسعر المناسب.