يتميز قانون الأحوال الشخصية لسنة 1959 المطبق في العراق بصفات ايجابية في العموم، بوصفه قانوناً لتنظيم وحماية حقوق الفرد في الأسرة، وقد راعى على الأخص حقوق المرأة، وهو امر يصب في مصلحة الأسرة وبالنتيجة المجتمع، فمصلحة هذا الأخير ممثلة في التقدم والتطور هي محصلة للمصالح المتقدمة. والقانون لم ينظر الى المرأة في معزل عن الأسرة والمجتمع، ذلك ان مصالحها تدور وجوداً وعدماً مع مصالح هذين الاثنين. إن قواعد القانون تستند الى الشريعة الإسلامية جملة وتفصيلاً، ويظهر هذا في امرين، الأول: إقرار احكام الشريعة من حيث اجراءات الزواج، الطلاق، النفقة، الإرث... ومحاولة تحقيق هدف الشريعة الإسلامية في تطبيق العدالة ورفع الظلم، والأمر الثاني تمثل في امور عدة: 1- على رغم وجود مذهبين فقهيين رئيسيين في العراق هما المذهب الجعفري، ويتبعه الشيعة، والمذهب الحنفي ويتبعه السنّة. فإن المشرع لم يقتصر عليهما في وضع قواعد القانون، بل نظر في جميع المذاهب الأخرى واختار القاعدة الفقهية الأكثر ملاءمة لظروف العصر والتي تحقق الفائدة المطلوبة، مثال: تستطيع الزوجة - بموجب المادة 43 الفقرة 1- التقدم الى القاضي بطلب التفريق عن الزوج المحكوم بعقوبة مقيدة للحرية مدة ثلاث سنوات أو أكثر. وهذا ما قال به الإمامان مالك وابن حنبل باعتبار الضرر الواقع على الزوجة. 2- المشرع العراقي نفسه توسع في استعمال فكرة الضرر، وهو مذهب الإمام مالك استناداً الى الحديث النبوي "لا ضرر ولا ضرار"، وقد أثمرت عملية الاجتهاد التي قام بها في رفع الحيف عن المرأة في امور عدة، مثال: في حالة الطلاق التعسفي وهو الذي يقع لغاية سيئة او من دون سبب معقول، فقد نصت المادة 39 الفقرة 3 على ان المحكمة تحكم للزوجة المتضررة بتعويض مالي يتناسب وحال الزوج المالية ودرجة تعسفه، ومثال آخر: اعتبر القانون عقم الزوج السابق او اللاحق على العقد إضراراً بالزوجة، ومن ثم لها الحق في التقدم بطلب الطلاق المادة 43 الفقرة 5. 3- نص القانون على حكم واحد في المسألة الواحدة، وفي هذا تيسير عظيم لأمور الناس ودفع الضرر عنهم، فقد تقع فتاوى مختلفة من فقهاء المذهب الواحد في المسألة نفسها، فلكل فقيه اجتهاده الذي هو حصيلة قناعات خاصة به، وربما تتفق فتوى الفقيه ابو يوسف مع فتوى استاذه الإمام ابو حنيفة، في حين يخالفهما الإمام محمد الشيباني بوضع فتوى تنص على حل آخر. ان على المحكمة في حال تعدد الفتاوى وعدم وجود قانون موحد ان تختار واحدة لكي تطبق كحلّ، وفي هذا إرباك لها من ناحية، ومن ناحية اخرى قد يؤدي الى انعدام المساواة، فقد تنتفع امرأة وتتضرر اخرى. 4- عالج القانون امراً مهماً هو الأعراف السائدة في المجتمع العراقي، الريف والمدينة، فمنع بعضها لأن تطبيقها مجحف بالمرأة الى اقصى حد، فنصت المادة 9 من القانون على عدم الحق في إكراه او منع شخص من الزواج، وحددت عقوبات لفاعله. إن الإكراه مبطل للعقود سواء في الشريعة الإسلامية او في القانون المدني، ولكن النص عليه مرة اخرى في قانون الأحوال الشخصية استهدف منع عرف منتشر في الريف اكثر منه في المدينة ويعرف ب"النهوة"، ويتلخص في ان ابن العم احق بالزواج من ابنة عمه، وهو بهذه الصفة ينهاها عن الزواج بغيره، وينهى الآخرين عن التقدم لخطبتها، وفي هذا ضرر بالغ بالمرأة، فقد يفعل ابن العم هذا بدافع احقاد معينة او لأسباب نفسية غير سوية. وإذا افترضنا ان الدافع لسلوكه هو حبه فقد تكون هي نفسها غير راغبة به لأسباب مختلفة. إن عدم التزام المرأة او أهلها بأوامر ابن العم ومن ثم حصول الزواج بآخر عاقبته القتل في احيان كثيرة، قتل الزوج وأيضاً الزوجة - بنت العم - باعتبارها شريكة في الجرم. وفي المادة 10 من القانون تعديل سنة 1978 نص المشرع على وجوب تسجيل الزواج في المحكمة المختصة ونص على عقوبات في حال المخالفة، هناك حالات يتم بها عقد الزواج خارج المحكمة ولا يجري تسجيله، خصوصاً إن حدث في قرى بعيدة عن مراكز المدن. وشدد المشرع العقوبة في حال عقد الزواج خارج المحكمة وأن يكون الرجل متزوجاً بامرأة اخرى. إن غرض المشرع واضح في الحالين: حماية حقوق الزوجة وحقوق اطفالها لاحقاً، من الضياع بسبب نكران محتمل من الرجل لعقد الزواج. 5- يجرى التعديل والإضافة الى القانون كلما اقتضى الأمر، فالمجتمع في حركة وتغير مستمرين فيجرى العلم بذلك ورصده بطرق مختلفة: الإحصائيات والدراسات الاجتماعية وغيرها، مثال: في تعديل صدر عام 1986 اصبح لكل من الزوجين الحق في طلب الطلاق في حال ادمان الزوج الآخر المسكرات او المخدرات، كذلك ممارسة القمار في بيت الزوجية. ان القانون العراقي يجب ان يتخذ قدوة ومثالاً من الدول العربية والإسلامية عموماً في امور، من اهمها: احترام رأي المرأة وإرادتها، مثال: "ليس للولي اي سلطة على الإطلاق فيما يتعلق بزواج المرأة البالغة، الرشيدة، فلها حق اختيار الزوج وأن تكون طرفاً مباشراً في عقد الزواج، اي ان تعقد زواجها بنفسها". ان المشرع العراقي تبنى حرفياً ما قررته المدرستان الجعفرية والحنفية في هذا الخصوص، فاجتهاد الإمامين جعفر الصادق وأبو حنيفة هو الآتي: ان المرأة من حين بلوغها عاقلة لها حق مباشرة جميع العقود: بيع، شراء، هبة. ولا يجوز إكراهها ولا منعها من اي تصرف، وعقد الزواج حكمه كحكم هذه العقود. وعلى رغم مما ذكرناه من الإيجابيات فإن لقانون الأحوال الشخصية العراقي سلبياته من تناقض ونقص وانعدام وضوح، وللمرأة بالذات محاباة وإجحافاً بها في آن معاً. إن القانون الحالي يجب ان يكون اساس ونقطة عمل يهدف الى إزالة هذه الأمور ومحاولة تحقيق العدالة لكل فرد في إطار الأسرة والمجتمع، على ان تتوافر في البدء الأرضية الصالحة له من نبذ التعصب والوعي والعلم. * كاتبة عراقية.