كان التلفزيون العراقي في فترة الثمانينات موجهاً نحو تغطية احداث الحرب العراقية - الايرانية ولم يكن المشاهد العراقي يفهم من تلفزيونه "الوطني" سوى ما تدفع به الحرب من جثث ومدافع ممزوجة بخطابات صدام والاغاني الحماسية. وفي مطلع التسعينات وبعد انتهاء حرب السنوات الثماني، كان المشاهد العراقي يمنّي النفس بتلفزيون جديد له علاقة بالحياة الآدمية طالما ان الحرب انتهت وثمة آفاق لحياة طبيعية. غير ان امله خاب مع اصرار صدام على الظهور بمعدل ثلاث ساعات يومياً في بث يمتد الى 8 ساعات. فسادت نكتة ظل العراقيون يتداولونها عن مصلح تلفزيونات سلم مواطناً جهازه العاطل، بأن اكتفى بلصق صورة ملونة لصدام على الشاشة، وأخبره: "لن تشاهد غيره، فلا موجب لتصليح تلفزيونك". مع كل تلك الأوقات الثقيلة الظل لمشاهدة العائلة العراقية، امتلكت برامج ومسلسلات اهتمام المشاهد، وظلت الدراما العربية انيسة النساء والمراهقين، فيما الرجال كانوا يختارون نقيض التلفزيون: الراديو لما فيه من حرية اختيار، وبخاصة توفيره اخباراً وتعليقات لا تتعاطاها وسائل الإعلام الرسمية. في عام 1993 افتتحت قناة تلفزيونية جديدة هي "الشباب تي في" التي غابت عنها البرامج الثقافية والاجتماعية والعلمية وكان كل ما تقدمه هو الاغاني والبرامج الخاصة بنظام صدام. وفيما كانت بقاع الأرض تنفتح امام البث الفضائي، كانت قرارات النظام في العراق تضيّق الخناق على كل مواطن "يتجرأ" على وضع طبق لاقط، ففضلاً عن تغريم المواطن، كان السجن ستة اشهر ينتظر كل من لم يحترم "رؤية القيادة الحكيمة في إبعاد خطر الساتلايت عن عقل الشعب". متعة... وفائدة غاب "نظام المليون ممنوع" فانفتحت امام المشاهد العراقي آفاق رحبة بمشاهدة مئات القنوات الفضائية العربية والعالمية، اذ توافرت الفرصة للحصول على اجهزة التقاط البث التي توفر الفائدة والمتعة للمشاهدين الذين صار في امكانهم اختيار القناة الافضل بكل حرية ومن دون خوف او رقيب، فيما بهتت قناة تلفزيونية محلية اطلق عليها بادئ الامر "شبكة الاعلام العراقي" وبعد اشهر اصبحت "العراقية" التي تبث يومياً برامج وتقارير اخبارية ومسلسلات عربية واغاني عراقية لمن لم تمكنه ظروفه الاقتصادية من شراء صحن لاقط. العوائل العراقية باتت ترى بعد نحو عام من معاشرة "الضيف اللذيذ" ان اجهزة الستلايت اتاحت لها فرصة الاطلاع على اخبار العالم اولاً بأول، الا ان المواطن العراقي يبقى اسير سياسة القنوات الفضائية العربية وبخاصة عند نقل الاحداث المتعلقة بالعراق. ومن هنا تأتي رغبة عراقيين اكدوا ضرورة وجود قناة عراقية فضائية لتنقل الحدث في شكله الصحيح بعيداً من غايات القنوات الفضائية العربية واهدافها التي "تتعمد احياناً تشويه الحقائق وتعمل على تصوير الاعمال الارهابية ضد المواطنين العراقيين الابرياء على انها اعمال مقاومة" على حد وصف الصحافية العراقية المتابعة لبرامج التلفزة والفضائيات ابتسام سويدان التي تقول: "كل افراد العائلة العراقية يبحثون عن الخبر المحلي من القنوات الفضائية العربية التي غالباً ما تشوه الحدث العراقي، لذا لا بد من ايجاد قناة عراقية فضائية". ويشير آخرون الى ان "وجود قناة فضائية عراقية سيحقق هدفين... الاول نقل الحدث الحقيقي والثاني ايصال الحقائق عن العراق الى العالم ليتعرف الى طبيعة الحياة الديموقراطية التي يعيشها العراقيون". غالبية العراقيين على اتفاق في ان "الستالايت اتاح لنا الاطلاع على احدث الازياء والاغاني والمسلسلات العربية". وعن تنوع الأذواق وتعددها، يقول نورس الموسوي: "في البيوت العراقية اليوم مشاهد "نزاعات" ودية، وأحياناً غير ودية إذ ثمة شجار حول القنوات بسبب تعدد الأذواق. فمحبو نانسي عجرم غير محبي كاظم الساهر، والمتعطشون للرأي والرأي الآخر غير عشاق الأفلام الأجنبية كما تبثها "ام بي سي 2" ومهما اختلفت آراء افراد العائلة العراقية عن اجهزة الستالايت، فإن الجميع متفقون على ان ذلك الجهاز الصغير وضع العالم بين ايديهم بكل نشاطاته وهناك من يقول: "ان اجهزة الستالايت اتاحت لهم الاطلاع على آخر الاخبار، ووضعتهم بين عوالم حرة ما كان لعراقي ان يجرؤ على الوصول اليها قبل عام، فبدأ ينفتح على العالم ويطّلع على جميع ما يحدث في خارج البلاد، فضلاً عن متابعة البرامج السياسية التي تخص العراق بسبب حرمانه لسنوات طويلة من فهم حقيقة اوضاع بلاده التي كان نظام صدام يشدد على كتمانها ضمن نهج البلاد المسيجة بالقسوة".