تباينت ردود افعال مشاهدي فيلم "آلام المسيح" في العراق، كما هو حاصل في مناطق اخرى في العالم. ويتهافت العراقيون على محال الأقراص المدمجة في بغداد لاقتناء الفيلم الذي بات يشكل حالياً محوراً للتعليقات والنقاشات لدى الناس سيما ان ممثليه يتحدثون فيه باللاتينية والآرامية عن الساعات الأخيرة في حياة المسيح. والجديد في تهافت الكثيرين على مشاهدة هذا الفيلم انه يعكس حالاً جديدة خاصة في مثل هذه الظروف الصعبة التي يعيشها العراق، حيث يغيب الأمن وتضطرب الرؤى ويتحول الإقبال الذي درج عليه المواطنون في الوقت الحالي من الأقراص التي توفر الأفلام العادية الى الموضوعات الدينية والموضوعات التي تدعو الى الرجوع الى الله. ولا يخفي صاحب محل الأنوار للأقراص الليزرية ان "الضجيج الذي يشهده العالم حالياً حول هذا الفيلم والكتابة عنه في وسائل الإعلام وفي مواقع الإنترنت ساعد في الدعاية والترويج من دون اي مقابل، ويرى ان الفيلم "لا يستحق كل هذا الضجيج حوله". ويرى بعض العراقيين ان تمثيل شخصية السيد المسيح وتصويره مباشرة يعتبر تجاوزاً على الرموز الدينية وأن الواجب يتطلب منع الفيلم ودعوة المواطنين الى عدم مشاهدته بخاصة ان موضوعه لم يشتمل على عرض حياة المسيح ودعوته وإنما انصب على العنف وإراقة الدماء. ويقول الشيخ علي صادق احد ممثلي المرجعية الشيعية في بغداد، إن "العالم في حاجة الى افلام ترشد الناس الى طريق الهداية والرجوع الى الله، وضرورة استخدام الأموال والقدرات العلمية والإنتاجية في عمل افلام تعكس الظروف الاجتماعية التي عاشها الأنبياء والرسل وظروف دعوتهم بدلاً من الأفلام التي تعكس حالات الرعب والعنف وإراقة الدماء الذي حد فيلم آلام المسيح جوانب منها". وأضاف ان ميل غيبسون "اراد الشهرة لفيلمه من خلال تركيزه على الساعات الأخيرة لحياة المسيح فالنفس البشرية حريصة على ما منعت عنه". ويقول الشيخ الصادق ان مثل هذه الأفلام "يثير الصراع بين الأديان وغلق ابواب الخير والألفة من خلال طرح موضوع الأديان بطريقة متشنجة، فالعالم جميعه عبارة عن فتيلة ممكن ان تلتهب بالصراع الديني في مثل هكذا افلام وممكن ان تكون خطرة على العلاقات بين الأديان اليهودية - المسيحية"، مشدداً على انه "كان الأولى بالمخرج إظهار سيرة المسيح التي لا يعرفها الكثيرون في الدعوة الى الله". وعن تمثيل دور المسيح وإظهاره في شكل مباشر، يرى الشيخ الصادق انه "لا مانع من تمثيل شخصية الأنبياء اذا كان ذلك ينسجم مع ما جاء في مضامين القرآن الكريم وعدم وجود ما يخل بأخلاق الأنبياء". وكان السيد محمد الصدر الذي يعد من المراجع الدينية الشيعية المعروفة، قد ذكر في كتابه "ما وراء الفقه" جوانب من الخدع السينمائية وتمثيل الأنبياء والرموز الدينية وأوضح ما هو جائز منها وما هو غير جائز وأكد جواز حال الدعوة الى الله والهداية الى الطريق الصحيح وشدد على ان لا تكون الشخصية التي تقوم بتمثيل الأنبياء مخدوشة اخلاقياً بل يجب ان تكون محافظة وسمعتها جيدة وذات سيرة حسنة. ويبدو ان المخرج ميل غيبسون عندما أسند دور البطولة لممثل غير مشهور قد راعى هذا الأمر جيداً. من ناحية ثانية، رأى طلاب في جامعة بغداد ان تضمين الفيلم مشاهد عنف من شأنه "ان يعزز استشراء العنف خارج دور السينما". وترى د. شروق محمد استاذة علم النفس "ان مثل هذه المشاهد تشجّع المراهقين والأطفال على مشاهدته لارتباطه بالدم والرعب"، مشيرة الى ان "الأفلام الدينية يجب ان تكون مقبولة وتشاهدها الفئات العمرية كافة بهدف تحقيق الغاية السامية من انتاجها". ويرى شفيق المهدي الحاصل على الدكتوراه في المسرح والمدرس في كلية الفنون الجميلة قسم المسرح، ان تداول هذا الفيلم لدى المشاهد العراقي "هو بمثابة درس اولي لديموقراطية المشاهدة وليس لديموقراطية انتاج المادة الفنية. فالمشاهد العراقي حرم من المشاهدة المتعددة كما حرم من الأفكار والآراء المتعددة". ويؤكد المهدي ان الفيلم "لن يثير ضجة في العراق كما اثارها في اميركا فقياسات المجتمع الأميركي مختلفة عن قياسات المجتمع العراقي". ويضيف ان الشرق منبع للأديان السماوية وأن العراق "مجتمع متسامح مبني على اساس التسامح مع الديانات الأخرى، وعرض فيلم "آلام المسيح" لا يشكل حدثاً ثقافياً ومعلومة اضافية بل هو قضية عادية تفاصيلها مسلم بها في القرآن الكريم". ويشير الى ان تمثيل الرموز الدينية ظاهرة مسلم بها سنوياً في العراق من خلال تمثيل دور الحسين والعباس خلال شهر عاشوراء وتعرضهما للقتل بعد ان كان من الصعب تمثيل مثل هذه الأمور الدينية في العراق في عهد النظام السابق. ويدعو الى "عدم الممانعة في عرض هكذا افلام لاحتوائها على الكثير من الدم والرعب لأنها اللغة المفهومة في زمن الحروب وإراقة الدماء". وترى المواطنة شمس الأحمدي ان الفيلم "مرآة تعكس تعطش اليهود لسفك الدماء اذ انهم قتلوا انبياءهم ورسلهم وبذلك يؤكدون تهجمهم الإجرامي الذي لم يتغير حتى يومنا هذا".