تعهد رئيس"هيئة تخطيط الدولة"السوري، عبدالله الدردري، تقديم"رؤية تفصيلية للاصلاح"، في نهاية السنة الجارية، تنطلق من"الرؤية العامة"للقيادة السياسية والقائمة على أساس أن"تكون آلية السوق"تحكم الاقتصاد السوري في سنة 2010. وبعدما أشار إلى ان الاصلاح في كل المجالات"يسير بما يساهم في تحقيق الاصلاح الاقتصادي"، أعطى الدردري الأولوية في الوقت الراهن ل"تحقيق استراتيجيات تنموية يشارك فيها الناس عبر المساءلة والشفافية والمحاسبة"، لأن"الاصلاح في حاجة إلى دعم شعبي وإلى ناس مستوعبين تماماً لما نعمله، ولهم نفس طويل". وقال الدردري، في حديث أجرته معه"الحياة"، ان"التغيير قادم وجذري"في"هيئة تخطيط الدولة"، التي تضم 500 شخص يعملون في جهاز يتبع مباشرة لرئيس الحكومة، المهندس محمد ناجي عطري، وأشار إلى احتمال حصول تراجع اقتصادي في حال لم تستغل"قوة ومتانة"الاقتصاد السوري حالياً لتحقيق"اصلاحات جذرية". وفي ما يأتي نص الحديث: من انت اقتصادياً؟ من دعاة التخصيص أم الدفاع عن القطاع العام؟ - اؤمن بتحقيق التوازن بين كفاءة توزيع الموارد الاقتصادية وهي موارد محدودة، وعدالة التوزيع لهذه الموارد، وبالتالي البعد الاجتماعي للتنمية .ان نجاح أي دولة وتحقيق تنمية مستدامة هو تحقيق هذا التوازن، لأن الاغراق في الكفاءة الاقتصادية على رغم أهميته يعني التركيز على موضوع الكفاءة الاقتصادية والتوازن في الموازنات وتحقيق الاصلاح الهيكلي .وكل هذا مهم وضروري لكنه ليس كافياً لتحقيق التنمية بمفهومها الواسع . في الوقت نفسه، ان التركيز فقط على البعد الاجتماعي والتضحية بالكفاءة الاقتصادية لصالح البعد الاجتماعي لا يمكن ان يستمرا طويلاً، لأن البعد الاجتماعي في حاجة إلى اقتصاد كفوء لتمويله .أستطيع أن أموّل كل نشاطات التعليم وكل نشاطات الصحة لفترة موقتة، لكن ليست هناك دولة في العالم تستطيع ان تموّل كل نشاطات التعليم والصحة وتحقّق شرطي الكم والنوع في هذين المجالين وإلى الأبد . إذن، لن يقتصر التخطيط على القطاع العام وحسب؟ - التخطيط ليس عملية محصورة باقتصادات القطاع العام .كان مفهومنا للتخطيط المركزي اعطاء أوامر إدارية للقطاع العام للانتاج بأسعار إدارية. والآن؟ - استراتيجيات تهدف إلى تحقيق أهداف تنموية واضحة على مستوى الاقتصاد الكلي والمؤشرات المتعلقة بالاقتصاد الكلي أولاً، وعلى المستوى القطاعي والمؤشرات القطاعية ثانياً .وثالثاً، وهذا عنصر جديد نوعاً ما، ما يُسمى مؤشرات التنمية البشرية التي تبدأ بالفقر ونسبة السكان التي تعيش عند خط الفقر إلى حصة الفرد من مياه الشرب النظيفة ومن الطاقة الكهربائية .الخطة والاقتصاد السوري هما في خدمة المواطن، وإذا لم تصل نتائج الاقتصاد والتنمية والتخطيط إلى المواطن على شكل تحسن في مستوى معيشته وانسانيته وكرامته ومواطنيته والخدمات التي تصله فعلاً وليس على الورق، واطمئنانه على مستقبله وعلى مستقبل أولاده، فلا داعي لهذه الخطة. أي خطة لا بد ان تبدأ من الأرقام. تحدثت صحيفة"تشرين"الرسمية عن غياب أرقام دقيقة تستند إليها في الخطة المنتظرة؟ - لو كنت أخطط على مستوى شركة لا بد من الرقم الدقيق .لكن عندما أخطط لقطاع صناعي أو قطاع سياحي، يكفي أن أكون قريبا جداً من الواقع .وإذا كانت الأرقام التي بين يدي ليست دقيقة مئة في المئة، استطيع الاعتماد على أدوات احصائية جديدة تسمح بتقريب الرقم إلى الرقم الواقعي . اذن، ليست هناك مشكلة في الحصول على الأرقام؟ - توجد مشكلة رقم لأخذ الصورة الدقيقة .لكن لا تنسى ان الكثير من الأمور لم ندرسها أصلاً وهناك قضايا لم تُدرس سابقاً .مثلاً قضية الفقر في سورية، نحن ليست لدينا احصاءات عن هذا الموضوع .وهدفي في الخطة الخمسية العاشرة مبني على تخفيف الفقر في عصر العولمة . أرى انه لم يعد بالإمكان تفادي هذا الموضوع .إذا أتينا نتكلم عن الفقر أو البطالة وهما موضوعان مرتبطان ببعضهما بعضاً لأن أهم المسببات للفقر في بلادنا البطالة التي يسمونها البطالة العنيدة . ما هي نسبة البطالة؟ - هناك نسبة كبيرة من العاطلين عن العمل في سورية وهم عاطلون عن العمل ويبحثون عن عمل منذ أكثر من عامين .الانطباع العام بأن معظم العاطلين عن العمل يحملون شهادات غير صحيح. تقدر مكاتب التشغيل عددهم بنحو 440 الفاً، وتقديرات اخرى تفيد انهم مليون شخص؟ - أرقام متباينة: المكتب المركزي للاحصاء الحكومي يعطيك شيئا، ومكاتب التشغيل تعطيك رقماً آخر، وهيئة مكافحة البطالة تعطيك أرقاما مختلفة .وفي هيئة تخطيط الدولة، نعطيك معطيات رابعة . ما هو الرقم الذي بحوزتكم ؟ - لا استطيع أن اعطيك أرقاماً .مشكلتي الآن هي كما قلت لك مشكلة رقم .نحن قبل أن نخطط نقوم بشيء اسمه تحليل الوضع الراهن .ومن أهم أهداف هذا التحليل ان نعرف ما هي الأرقام التي لدينا . المرحلة اللاحقة؟ - نطور ما يسمى بورقة منهجية للخطط .لا بد قبل أن ندخل في عمق الموضوع، أن نقول بشكل عام ما هي منهجية العمل التخطيطي في شكل علمي: ورقة مختصرة تعطينا منهجية العمل التخطيطي في مرحلة التحول نحو اقتصاد السوق، لأن هذا علم جديد .ولا بد أن نضع القواعد ونتفق عليها نحن كحكومة .هذه هي أسس العمل التخطيطي في مرحلة ليست اقتصاد السوق بعد .اننا لم نصل الى هذه المرحلة بعد، بل نحن في مرحلة التحول إلى اقتصاد السوق .والخطة الخمسية العاشرة هي خطة التحول نحو هذا الاقتصاد بكفاءة ومن دون تهديد الأمن الاجتماعي للمواطن. وهذا ما كنت قلته لك: التوازن بين كفاءة الاقتصاد وبين التنمية الاجتماعية والبعد الاجتماعي . هل يمكن القول ان هدف الخطة الخمسية العاشرة تحويل سورية الى اقتصاد سوق كامل ؟ - في سنة 2010 ستكون آلية السوق هي التي تحكم الاقتصاد السوري. وسيكون اقتصادنا منفتحاً على العالم ومندمجاً أو في طريقه إلى الاندماج في الاقتصاد العالمي . هذا التصور سيقر في المؤتمر نهاية السنة الجارية؟ - نعم .عقد مؤتمر عام للاقتصاد مقترح وموافق عليه .وستكون هناك آلية تشاور تضمن الأهداف الاستراتيجية للخطة الخمسية العاشرة .ما نريد أن نكون عليه في 2010 متفق عليه . التخصيص تردد مرات عدة من خبراء ومستثمرين ان المشكلة في سورية عدم وجود رؤية واضحة تحدّد المسار الذي يسير عليه الاقتصاد؟ هل تتجه سورية الى التخصيص أم الى القطاع المشترك؟ - لا بد من الفصل بين هذين الموضوعين .موضوع تفصيلي كموضوع التخصيص وبين الموضوع الإجمالي: الهدف الاستراتيجي والرؤية الاستراتيجية .نعم بحلول نهاية سنة 2004 ستكون لدينا رؤيا تفصيلية. لدينا الآن رؤية .من قال انه ليست لسورية رؤية .سورية لديها رؤية بانها تريد أن تكون اقتصاداً منفتحاً، اقتصاداً يكون للقطاع الخاص فيه دور أساسي، اقتصاداً مندمجاً في الاقتصاد العالمي، ويحقق أهداف الأمن القومي لسورية، وأهداف الاستقرار الاجتماعي والتنمية البشرية .استغرب ان الناس لا تعلم بهذا الشيء. هذا الشيء نحن نعمل عليه يومياً، ومن يقرأ الخطة الخمسية التاسعة يجد واضحاً فيها هذا الكلام. هل كنت ترى هذه"الرؤية"قبل تسلمك المنصب؟ - بصراحة، بعدما دخلت إلى الدولة، أرى هذا الشيء واضحاً .وربما نكون مقصرين في نقل الرؤية اعلامياً للناس .وهناك حالياً توجه اعلامي للتركيز على هذه الرؤية وتوضيحها وايصالها .نحن لدينا رؤية نعم، والقيادة السياسية لديها رؤية. اذن، بم تفسر التباطؤ أو التردد في تنفيذ عدد كبير من القرارات والمراسيم؟ - اعطيتك الرؤية الاجمالية .دورنا نحن في الخطة الخمسية العاشرة أن ننقلها إلى رؤية تفصيلية .دعنا نكن واقعيين، لدينا رؤية للمبادئ العامة، وهي نقلة كبيرة وتطور كبير في التفكير السياسي في سورية. لكن كيف تترجم الرؤية العامة إلى برنامج تفصيلي، هذه هي مهمة هيئة تخطيط الدولة في الخطة الخمسية العاشرة. هل يمكن القول ان اعلان الرؤية يستهدف انضواء الناس تحت لوائها ومنع عرقلتها؟ - انني رجل فني .أقدم سيناريوهات فنية تفصيلية: كيف أفصل هذه الرؤية إلى برامج على أرض الواقع والنتائج المتوقعة تنموياً من هذه البرامج لتصب في الرؤية .اننا سنعتمد المنهج التشاركي في وضع كل هذه الرؤية والتفاصيل والخطط .إذ ان عدد الذين سيشاركون في وضع الخطة لن يقل عن ثلاثة آلاف شخص من كل المجالات والقطاعات . دمج الكل في هذه الرؤية؟ - الهدف أن تكون رؤية أطياف المجتمع، لأن هذه رؤية اصلاح، والاصلاح في حاجة إلى دعم شعبي، وفي حاجة إلى ناس مستوعبين تماماً لما نعمله ولهم نفس طويل .اني واثق انه من خلال تنفيذ الخطة قد تبدو هناك أو قد تثار شكوك .بالتالي، لا بد من أن يكون هناك اجماع وطني على هذه الرؤية وعلى تفاصيلها. فهذا يخفّف تماماً من الاحتمال الذي ذكرته، بل بالعكس سيحقّق اجماعاً شعبياً .اعتقد انه كما لدينا اجماع شعبي في سورية على الموقف السياسي من السلام أو من قضية العراق، نحن نعمل على خلق اجماع شعبي بالمستوى نفسه من التوحد على قضية التطور الاقتصادي والاجتماعي. كخبير اقتصادي، هل تعتقد بامكان تحقيق الاصلاح أو التطوير أو التغيير الاقتصادي من دون أي اصلاح سياسي؟ - الاصلاح السياسي يسير بما يساهم في الاصلاح الاقتصادي .لكن تزامن أو عدم تزامن أو سرعة سير أي مسار ومدى ترابط كل مسار من هذه المسارات مع المسار الآخر، كله متروك للنقاش .أما أن يدعي أحدنا، وأنا اتحدث كفني، ولست مسؤولاً سياسياً، انه ممكن أن تعمل في فراغ، يعني أن تصلح اقتصادياً في فراغ من الاصلاح الاقتصادي والاداري والسياسي. الأولوية لمن؟ - في اعتقادي ان الأولوية لما نقوم به نحن. فالأولوية هي البدء بتنفيذ استراتيجية تنموية يشعر المواطن بنتائجها .عندما تؤسس نهجاً تشاركياً في وضع خطة، ثم تضع نهجاً تشاركياً في تنفيذها وتفعّل المجالس المحلية في الاشراف على التنفيذ واستخدام موارد الخطة، وتفعّل مجلس الشعب البرلمان أكثر من السابق في الاشراف على الخطة ومراقبة تنفيذها، تكون قطعت أشواطاً طويلة في الاصلاح السياسي . ما يهمنا هو المشاركة، يعني بغض النظر عن المسميات .ما يهمنا في الاصلاح السياسي مشاركة الناس .وفي هذه العملية التنموية، استطعنا أن نحقق جزءاً كبيراً من قضية المشاركة والتمثيل والمساءلة. كيف يمكن تحقيق المساءلة؟ - طبعاً كل مجلس محلي ساهم في وضع الخطة على مستوى المحافظة يراقب الموارد التي يتم استخدامها للتنمية، هل تنفق فعلاً على التنمية أم لا. اذن، الهدف ولوج الاصلاح السياسي من البوابة الاقتصادية؟ - انني رجل فني لا أدخل في متاهات السياسة .أفهم تماماً بأنه لنجاح الخطة من الناحية الاقتصادية البحتة، لا بد من النهج التشاركي، التشاركي بالشفافية والمساءلة .لم يعد بامكاني أن أهدر مواردي .ولكي أضمن انني لا أهدر موارد، أريد شفافية ومساءلة .وإذا ساهم ذلك في الاصلاح السياسي فأهلاً وسهلاً ومرحبا .هذه ليست مسؤوليتي .بصراحة أحد شروط الاصلاح السياسي ان يعرف كل فرد عمله ويركّز عليه .أن أتحدث في السياسة والاقتصاد والمجتمع، لا .انني الآن موظف واحترم ذلك. طُرحت مشاريع اقتصادية في السنوات الأخيرة، لكنها وضعت لاحقاً في الدروج .هل تتخوف من أن يكون مصير الخطة المنتظرة مماثلاً؟ - اعمل بتوجيهات وليس من فراغ .نعم، جئت بفكر وتمت الموافقة عليه .واكتشفت ان ما أتيت به من فكر شخصي ملاصق لرؤية التنمية التي تمتلكها القيادة السياسية .وفوجئت بمدى التلاصق وليس فقط التقارب بين ما جئت لطرحه وموقف القيادة. قلت قبل أيام في تصريحات صحافية ان"التغيير قادم وهو عنيف"ماذا تقصد؟ - التغيير قادم وهو عنيف في هيئة تخطيط الدولة .وهو تغيير جذري . لكن الهيئة مؤسسة حكومية؟ - لا علاقة لي بغيري .أتحدث عن الهيئة .إذا أردت تحقيق شيء، فانت في حاجة إلى مستلزماته، وتحقيق هذه الرؤية الجديدة بحاجة إلى مستلزمات، إلى كامل الهيئة. بما في ذلك تغييرات مؤلمة؟ - طبعا ًمؤلمة لأي شخص لا يجد نفسه في ذات الموقع ومؤلمة لمن لا يريد المساهمة فيها .يريد أو لا يقدر عليها. انا لا علاقة لي بالنوايا، ولا أحكم على الناس من خلال نواياهم .عندي مواصفات لهيكل الهيئة الذي يسمح لها بأن تقوم بهذا الدور، وللكوادر التي تستطيع ان تملأ هذا الهيكل بكفاءة .طبعاً ليس من الضروري أن يحدث هذا كله اليوم .هناك كوادر جيدة، لكنها في حاجة إلى التدريب والتأهيل . هل ما يحصل مؤشر لما يمكن أن يحصل في مؤسسات الدولة الاخرى؟ - لدينا في الهيئة 500 شخص من كل الكفاءات .في الهيئة نستطيع أن نكون نموذجاً للاصلاح الاداري في سورية، ويجب أن نكون، ونريد أن نكون .والحكومة ترغب في أن نكون . حاول آخرون تقديم نموذج للاصلاح والتطوير الاقتصادي أو الاداري. لكن مصير بعضهم كان الاحباط أو اشياء اخرى؟ - لنفترض اني لم أنجح بهذا الجهد .هذا يعني ان السبب تقصير مني وليس عدم قدرة البلد على التطوير .يجب أن لا نحمل البلد المسؤولية. هل تتخوف من"جزأرة اقتصادية"في سورية، أي أن يؤدي الانفتاح الاقتصادي إلى زيادة البطالة وضياع أو اندثار الطبقة الوسطى؟ - أقول إذا لم ندخل الاصلاحات الضرورية، لن نتمكن من المحافظة على اقتصادنا القوي الحالي .بالعكس، نحن مسيطرون على الوضع، وإذا نجحنا في برمجة تغيير دور الدولة في الاقتصاد وليس الغاءه أو تخفيفه فقط، مع تغيير الأدوات والآليات، وأن نبرمج في شكل مدروس دخول الاقتصاد في الاندماج العالمي، نستطيع أن نسيطر على عقبة البطالة ومعالجة الفقر . هل تعتقد ان الواقع الاقتصادي السوري من حيث الأرقام وعلاقات سورية الخارجية تسمح لها باتخاذ قرارات جريئة في الاصلاح؟ - السؤال الأهم: هل الواقع الاقتصادي يسمح لي بالاصلاح أم لا، وإذا اردت أن استخدمه كأساس للاصلاح وقادر على السيطرة على العملية؟ الجواب نعم. سيكون هناك توحيد لسعر الصرف في المستقبل قريب، ثم تحرير السعر؟ - المرحلة المنطقية بعد ذلك .ما يهمنا كاقتصاديين، ان سعرالصرف الموحّد الرسمي هو واحد أولاً، وثانياً هو مطابق إن لم يكن قريباً جداً من سعر الصرف في السوق السوداء.