تحولت ندوة اقتصادية عن الشراكة السورية - الاوروبية في دمشق أمس الى نقاش سياسي سيطرت عليه قضايا المجتمع المدني والديموقراطية وحقوق الانسان. لكن ممثل الحكومة رئيس هيئة تخطيط الدولة عبدالله الدردري نزل فتيل الغام "الاسئلة المعارضة" بالذهاب الى يسار مطالبها عندما قدم "رؤية اصلاحية" تتضمن "تعميق الديموقراطية والاصلاح السياسي واعطاء المجتمع المدني دورا طليعيا"... و"الحكم العادل الذي من دونه لا يمكن تحقيق الاصلاح". وكان السفير الاوروبي فرانك هيسكه دعا الى ندوة لمناسبة مرور ربع قرن على التعاون السوري - الاوروبي، شارك فيها الى الدردري الخبير سمير سعيفان ورئيس وحدة الشرق الاوسط في مجلس العلاقات الخارجية آلان سيتر، في حضور معظم السفراء الاوروبين وعدد من الخبراء والاعلاميين السوريين. وما اعطى الندوة اهمية انها جاءت بعد اسابيع على التوقيع بالاحرف الاولى الى اتفاق الشراكة السورية - الاوروبية، وقبل ايام من دخول الاتفاق بعملية فنية لتوقيع الدول الاعضاء ال25 في الاتحاد الاوروبي، الامر الذي يستغرق بضعة اشهر قبل عرضها على البرلمانات الاوروبية والسوري، في حال وافقت جميع الدول على النص المنجز من قبل المفوضية والحكومة السورية. وتستهدف الشراكة اقامة حوار سياسي سوري - اوروبي واقامة منطقة تجارة حرة مشتركة بين الطرفين باعتبار ان 60 في المئة من الصادرات السورية تتجه الى اوروبا في مقابل 30 في المئة من وارداتها. وقال السفير هيسكه امس: "نريد التعامل مع دولة قوية ومستقرة ومزدهرة" اضافة الى العمل مع دمشق ل"محاربة الهجرة غير الشرعية ونزع جميع اسلحة الدمار الشامل ومحاربة الارهاب ومنع تهريب المخدرات". وباعتبار ان الجانب السوري يعول كثيرا على الدور الذي ستلعبه الاتفاقية في دعم عملية الاصلاح الاقتصادي، قال السفير الاوروبي ان التزامات الشراكة "ستؤثر سلبا في بعضهم، لكنها ستؤثر ايجابا في الغالبية" قبل ان يشير الى انها يجب ان لا تكون "الاداة الوحيدة للاصلاح"، في مقابل دعوة سورية صريحة جاءت على لسان الخبير سعيفان بضرورة حصول "انخراط اوروبي اكبر في مساعدة سورية" التي يتوجب عليها تقديم "خطة شاملة لاقتصاد السوق" لقطف ثمار اتفاق الشراكة مع اوروبا في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية... وتقديم "صورة ايجابية" لسورية. غير ان الدردري كان اكثر وضوحا في تقديم رؤية رسمية من العلاقة مع اوروبا التي تعود الى 2500 سنة "تضمنت توقيع الكثير من الاتفاقات حتى في الايام السوداء"، وصولا الى التأشير على اتفاق الشراكة، قبل ان يشير الى ان سورية باتت "جاهزة للمضي قدما نحو شراكة استراتيجية" تقوم على اساس "توازن المصالح وليس توازن القوة". وبعدما اشار رئيس هيئة تخطيط الدولة الى ثلاثة اهداف استراتيجية تسعى الحكومة السورية الى تحقيقها تتمثل ب"خلق سلام شامل وعادل في الشرق الاوسط، وتعميق وتقوية مبادىء الديموقراطية والمواطنة في سورية، وتحقيق تقدم اقتصادي واجتماعي لنقل سورية الى اقتصاد حر ومنافس"، قال الدردري الذي تسلم منصبه في ربيع العام الجاري ان تحقيق هذه الاهداف يتطلب "مناخا استثماريا جاذبا لتحقيق نسبة نمو قدرها سبعة في المئة ورفع الناتج المحلي من 20 بليون دولار الى 30 بليونا في نهاية العقد الجاري، والاستثمار في البحث والمعرفة، والحكم العادل لانه من دون هذا الامر لا يمكن تحقيق الاصلاح"، اضافة الى سياسة "كفاية وشفافة ومتوازنة وتطوير المجتمع المدني لعب الدور الطليعي". والى "الخطاب الاصلاحي" للدردري واعلان سيتر ان الشراكة السورية - الاوروبية تستهدف "تعميق الحوار السياسي على اساس احترام التقاليد وحقوق الانسان والديموقراطية"، تشجع عدد من الحاضرين لطرح "اسئلة جريئة" سواء ما يتعلق الشؤون السياسية او الاقتصادية. وعندما سأل المهندس سمير نشار القادم من مدينة حلب عن اصلاح القطاع العام ومحاربة الفساد وجمعيات حقوق الانسان و"محاكمة طالبين جامعيين اعتصما لمطالب مطلبية"، قال الدردري: "نحن ندرك الحاجة لاصلاح القطاع العام. نريد قطاعا عاما منتجا واقتصاديا ومتحررا اقتصاديا ومحررا من الفساد لذلك نطرح افكارا تتعلق بفصل الملكية عن الادارة والشراكات الاستراتيجية وجعل القطاع العام خاضعا للمساءلة" من دون ان يوافق على فكرة "الخصخصة التي لا نرى مبررا اقتصاديا لها". ثم ذهب الى الحديث عن المجتمع الاهلي ووجود مقترحات لتعديل القانون 1958 الخاص بالجمعيات الاهلية. وكان مسؤول سوري أبلغ "الحياة" ان الحكومة بدأت عملية تعديل قانون الجمعيات العائد الى العام 1958 بهدف تعديل دورها "من خيري الى تنموي" والسماح بقبول تمويل خارجي "شرط ان يكون تحت اشراف الدولة". ويبلغ عدد الجمعيات غير الحكومية في سورية 584 بينها 280 جمعية خيرية تقدم خدمات معيشية كاملة لنحو مليون شخص. ويرتفع هذا العدد الى مليوني شخص خلال شهر رمضان الكريم. وقال الدردري ل""الحياة" امس ان الجمعيات يجب ان تبقى "تحت سلطة القانون. اننا نريد تعزيز دورها. لانها ليست جزءا من السلطة التنفيذية تستطيع الوصول الى المجتمع الاهلي بعيدا من البيروقراطية". وسألته "الحياة" اذا كان ذلك يعني ان تكون مستقلة عن السلطة، فأجاب: "لا شيء خارج سلطة الدولة والقانون. القرار الاساسي بأن يدخل القطاع الاهلي للمساهمة في التنمية. هذا محسوم. اما كيف؟ وبأي آليات؟ فاننا نبحث في ذلك حاليا". كما لم ينج المسؤولون الاوروبيون من النقد لانهم وضعوا مواضيع حقوق الانسان والديموقراطية "عرضا وفي مكان هامشي". وعندما سأل السجين السابق اكرم البني عن ذلك، قال سيتر ان "موضوع حقوق الانسان ليس ثانويا قياسا الى الموضوع الاقتصادي. نريد من جيراننا فتح النوافذ لحوار حول قضايا حقوق الانسان والديموقراطية في اوروبا وسورية. ان الطرفين متفقان على ان هذا الموضوع اساسي وليس ثانويا". وكان لافتا ان احد المغتربين اقترح اعادة الممتلكات المصادرة في بداية الستينات بسبب سياسة "التأميم" الى اصحابها، الامر الذي قابله الدردري بمرونة. اذ بعدما اشار الى ان "التأميم كانت له ظروفه وأنت حر كيف تفكر"، حضه وجميع الحاضرين على "التطلع الى المستقبل. ولا تجعلوا المستقبل رهينة الماضي".