عندما سجل ماجد عبد الله في العام 1979 أهدافه الخمسة على ملعب الشعب في بغداد بالمرمى القطري بات فارس الهجوم السعودي بلا منازع. سبقه "الصاروخ" ورافقه صالح خليفة وحاول النفيسة وبرز محيسن، وتوافرت الفرصة لجازع واجتهد الهريفي ونال المهلل والثنيان والعويران والجابر والغشيان وإدريس من الحظ الكثير. وعندما ظننا أن ماجد عبد الله قد اعتزل عاد أقوى مما كان عندما انطلقت تصفيات كأس العالم في العام 1993. منذ أواخر السبعينات وحتى كأس العالم في أميركا 1994 لا مهاجم إلا ماجد . كان المهاجم الوحيد - إلى جانب المدافع محمد عبد الجواد - الذي شارك في أول تمثيل أولمبي في لوس أنجليس 1984 وبعدها بعشرة أعوام كان حاضرا في أول تمثيل للمملكة على الملاعب الأميركية، حتى أن المراقبين من باب المبالغة أكدوا أنه باق في المنتخب ولو شارك على عكازين. هل كان اختيار مهاجم واحد أساسياً طوال كل هذه السنوات هو الثبات في التشكيلة؟ لكل زمن رجاله ولكل ظرف ضوابطه، وظاهرة ماجد عبد الله في اللعب أساسيا على مدى خمسة عشر عاما لن تتكرر، لأن ظروف اللعبة ومتطلباتها لم تعد كما كانت في زمانه ورفاقه الخليجيين أمثال مفتاح وشويعر ويعقوب وسعيد. الحرية الفكرية، وتقديم الاعتراضات ظاهرة صحية ، ففي بغداد مثلا يحرص أهلها على استخدام الإطلاق الناري بشكل فردي عندما يودعون "حبيبا" فارق الحياة. وعندما يأتي رجل الشرطة بطريقة حضارية ليشرح لهم عدم شرعية هذا التصرف يكون الجواب صرخة بملء الفم: "أليست هذه هي الحرية؟". نعم، ليست هذه الحرية، والاعتراض في حد ذاته له ضوابطه وحججه وألا يكون الفعل مضيعة للوقت ولفاً ودوراناً دون بلوغ استنتاج يمهد الطريق لتقويم الاعوجاج. حتى يومنا هذا يعتقد الكثير من المدربين العرب أن عدم إقامة معسكر تدريبي للاعبي المنتخب يعني باكراً ضياع الأمل في المنافسة على اللقب. هناك الكثير من اللاعبين العرب على يقين بأن الانخراط في معسكر خارجي هو الشرط الأساسي لتفاهم أفضل بينهم لتمثيل الوطن. الجمهور العربي ما زال ينتظر على أحر من الجمر ثلاث أو أربع مباريات تجريبية للاطمئنان على مستوى المنتخب قبل مشاركته في دورة اقليمية او عالمية. كل هذه المفاهيم قد انتهت وولى زمنها، فالمحترف في عالم الكرة لا يشرب الشيشة يوم السبت ويلتهم المندي يوم الأحد ويسهر حتى فجر الثلاثاء ويقضي الأربعاء صباحا في الفراش ليبدأ مساءً في التدريب وينام مبكرا يوم الخميس ليلعب مع ناديه مساء الجمعة. والأندية بدورها لا تملك فرصة الاستغناء عن أساسييها لمصلحة مدرب المنتخب الوطني ومعسكر خارجي، ناهيك عن أن أجندة المباريات الدولية ليست مثلما كانت في الستينات والسبعينات فلم يعد بوسع المنتخب الزائر أن يحل ضيفا لعشرة أيام يخوض خلالها مباراتين او حتى ثلاثاً. المحترف مسرحه الملعب ووظيفته الكرة ومسؤوليته تجاه نفسه وعائلته هي الوازع الأساسي نحو الالتزام من السبت حتى الجمعة ليكون جاهزاً لأداء تسعين دقيقة كاملة ولأكثر من مرة خلال الأسبوع، فيكون التدريب اليومي حاضراً، وما كان يمثل المعسكر الخارجي ماضيا. من حُسن حظ مدرب المنتخب السعودي فان ديرليم أن الأندية السعودية تعيش استقراراً أكثر من جاراتها، وروح المنافسة موجودة وضوابط الثواب والعقاب متوافرة إلى حد كبير فوُلدت بيئة قادرة بدرجة كبيرة على إنجاب لاعبي كرة. من أراد أن يُدرك كيف يعمل فان ديرليم فعليه أن يغير طريقة تفكيره وهذا الأمر يتطلب كثيراً من الاجتهاد والشجاعة والصبر. سيبقى فان ديرليم بعيداً عن أي ثبات لأن الأفضل في السعودية، كرسي لا يجلس عليه طويلاً لاعب واحد. لن يكون اليوم أو الغد كالأمس، ولن يبقى فان ديرليم طويلا مدربا للمنتخب، ولن يعود ماجد عبد الله - ولو كظاهرة - إلى الملاعب السعودية.