اعترف الجيش الأمريكي رسميا أمس بأنه يخسر ضحايا في صفوفه خلال اجتياحه لمدينة الفلوجة الذي بدأ نهار الاثنين، في الوقت الذي يؤكد فيه المقاتلون أن نيرانهم أسقطت عشرات القتلى من الغزاة ودمرت العديد من الدبابات والمدرعات والمروحيات بل وأكثر من ذلك أسر جنود أمريكيين وعراقيين. واعلن ضابط امريكي كبير بعد الظهر ان القوات الامريكية باتت تسيطر على ثلث المدينة، فيما يشير المقاتلون الى أن تقدم الغزاة يعطي الفرصة أكبر لقتلهم.فقد أعلن الجنرال توماس ميتس في واشنطن ان حوالي عشرة جنود امريكيين قتلوا منذ بدء الهجوم على الفلوجة.ونقلت وكالة القدس للأنباء عن ما وصفته (الناطق باسم القيادة العامة للقوات الإسلامية المسلحة في الفلوجة) ان المقاومة على أشدها في المدينة المحاصرة وأن القوات الأمريكية تكبدت خسائر كبيرة في الأرواح والمعدات، مشيرا إلى تدمير 16 دبابة أمريكية، وإسقاط طائرة مروحية من نوع بلاك هوك.وعن الأسرى الأمريكيين والعراقيين في الفلوجة أكد الناطق أن المقاتلين سيقومون بعرض شريط مصور يحوي اعترافات هؤلاء الجنود وأسماءهم، والمهام التي كلفوا بها في الفلوجة، مشيرا الى أن الشريط سيعرض على أية قناة فضائية متاحة. ونفى وزير الدولة لشؤون الأمن القومي العراقي قاسم داود في تصريحات صحفية وجود أسرى في صفوف القوات الأمريكية أو العراقية لدى المقاومة. وأعلن الكولونيل في مشاة البحرية (المارينز) مايكل شوب ان وحدات من الجيش الامريكي ومن المارينز وصلت مساء امس الثلاثاء الى الشارع الرئيسي وسط الفلوجة والذي يخترق المدينة من الشرق الى الغرب وأن دبابات تقوم بدورية في جادة وسط المدينة أطلق عليها اسم (ميشيغن 1). وقال مراسل لوكالة الأنباء الفرنسية يرافق القوات الامريكية: إن وتيرة المعارك هدأت في الساعة الثالثة عصرا. وردا على سؤال حول وجود ابو مصعب الزرقاوي وجماعته قال: أشك في ان يكونوا غادروا. وقال اللفتنانت كولونيل باتريك مالاي ان اجتياح الفلوجة الذي يطلق عليه الجيش الأمريكي (الشبح الغاضب) بينما تطلق عليه حكومة إياد علاوي المؤقتة (الفجر) يسير حسبما كان مخططا له. واضاف: نتقدم على البرنامج المحدد. وأضاف ان 20 مسلحا قتلوا في منطقة عملياته، نصفهم على يد قناصة من المارينز اثناء تقدمهم باتجاه وسط المدينة من الشمال موضحا ان اثنين من المصريين اعتقلا. وقد أقر وزير الدفاع الأمريكي المتشدد دونالد رامسفيلد ان الهجوم الكاسح للمدينة لا يعني أنه سيستغرق وقتا قصيرا فربما يطول وقت العمليات. ودعا علاوي أمس الثلاثاء المسلحين في الفلوجة الى القاء اسلحتهم والسماح للقوات العراقية بدخول المدينة سلميا، ووصفهم بالارهابيين وفقا للمتحدث باسمه ثائر النقيب. واضاف ان علاوي على اتصال مستمر مع زعماء عشائر الدليم في جميع مدن محافظة الانبار مشيرا الى انهم اعلنوا دعمهم للحكومة. وقال ان الحل السياسي ما زال ممكنا رغم استمرار القتال. وعينت السلطات العراقية العميد عبد القادر محمد جاسم موحان، قائد العملية العسكرية في الفلوجة، حاكما عسكريا على الانبار. ومنذ مساء الاثنين أسقطت أكثر من 500 قذيفة من عيار 155 ملم على مدينة الفلوجة، كما أعلن الرقيب في المارينز مايكل هامبي. وقال: كل قذيفة تنطلق باتجاه مواقع المسلحين عبر استخدام جهاز توجيه في حين تدقق طائرات استطلاع في اصابة الهدف. وفي المكان، صرخ جنود امريكيون قائلين: اشلاء بشرية في كل مكان اثر سقوط قذيفة على مجموعة من المقاتلين في الفلوجة حيث تساقطت القذائف بشكل عنيف. وتشير تقديرات غير مؤكدة الى بقاء حوالى 100 الف نسمة في المدينة من اصل سكانها البالغ عددهم 300 الف نسمة. وقال الضابط في قوات المارينز تود ديغروسييه: إن الطيران شن 20 غارة على الاقل على حي الجولان الذي يعتبر معقلا للمسلحين في شمال غرب المدينة. واضاف: شن الطيران بين 20 و30 غارة على حي الجولان وثلاثة اضعاف ذلك من قصف مدفعي. وتحلق مروحيات فوق المدينة ملقية قنابل ضوئية على مبان تنطلق منها قاذفات صواريخ. واكد مراسل (الفرنسية) ان 10% من مباني حي الجولان دمرت وقد القيت اربع قنابل زنة 900 كلغ على الحي امس الثلاثاء. ويقول مراسل آخر: إن المسلحين يطلقون النار من أسلحتهم الرشاشة والقاذفات المضادة للدروع من منزل يتمركزون فيه قبل ان ينتقلوا على الفور الى مبنى آخر هربا من القصف الجوي او المدفعي على الفلوجة الغارقة تحت وابل من نيران القوات الامريكية والعراقية. وفي مواجهة قوة نارية شديدة التفوق، يبقى عنصر التحرك اساسيا، فعندما تنهمر القذائف يختبئون في مكامنهم، ولكن ما ان تهدأ الامور لفترة وجيزة، حتى يتقدموا في مجموعات صغيرة ويتخذوا مواقع قتالية ويفتحوا النار. ويتمركز قناصة على أسطح المنازل لمنع تقدم المشاة الامريكيين واطلاق النار على المروحيات التي تحلق على ارتفاع منخفض. وامام عجزهم عن وقف تقدم الدبابات، يتركها المقاتلون تتقدم قبل مهاجمتها. وفي شارع السابع من نيسان، المتفرع من الشارع الرئيسي شمال المدينة، فتح قناصة النار على رتل من المدرعات بعيد الظهر، كما روى شهود. ووقع هجوم مماثل في حي الشهداء جنوب شرق المدينة. وأضاف المراسل: لا يعرف المقاتلون الراحة مع استمرار المعارك. وهم يعتمدون في مأكلهم على ما يجدونه في المنازل التي هجرها اهلها او يحصلون على بعض المعلبات من مقاتلين آخرين في الصفوف الخلفية. ويشكل السير في الشارع مجازفة كبيرة والمقاتلون وحدهم يجسرون على ذلك. اما الاهالي فيلزمون منازلهم بلا ماء ولا كهرباء. ولا يعرف من بقي في المدينة من سكانها الثلاثمائة الف بعد هرب الكثير منهم خلال الاسابيع الماضية بسبب المعارك. واكدت القوات الامريكية انه لم يبق في المدينة سوى ثلاثين الف شخص لكن مسؤولين عراقيين قدروا العدد باكثر من مائة الف شخص. وعندما يصاب منزل بقذيفة دبابة او طائرة، يعمل المقاتلون على نقل الاحياء الى اماكن اكثر امانا. ومن المساجد التي تملك مولدات كهرباء ترتفع الدعوات الى المقاومة عبر مكبرات الصوت. وتلقى مراسل ل (الفرنسية) اتصالا من عبد الحميد فرحان امام مسجد عبد العزيز وسط الفلوجة اكد فيه انه محاصر مع مدنيين بين مسجد ابو عبيدة ومسجد الفرقان. واضاف: لا يمكننا رفع رؤوسنا بسبب كثافة النيران. وبات الوضع الصحي في المدينة غاية في الصعوبة. وحولت احدى العيادات الطبية قاعة سينما قديمة الى غرفة عمليات .. ووجه مدير العيادة الطبيب هاشم العيساوي نداء الى المساعدة. وقال الطبيب: لدينا اكثر من ثلاثين جريحا ونحن مضطرون لاجراء عمليات جراحية وبتر للاطراف .. لكن ليس لدينا جراحون .. تنقصنا الادوية وليس لدينا لا كهرباء ولا ماء ولا وقود والعيادة غارقة معظم الوقت في الظلام. نوجه نداء الى المنظمات الدولية للتدخل وإلا ستحل كارثة. وقال الطبيب: إن معظم الادوية مخزنة في مستشفى الفلوجة العام في القسم الغربي للمدينة الذي سيطرت عليه القوات الامريكية والعراقية ليل الاحد الى الاثنين. أما مستوصف جمعية الحضرة المحمدية القائم في مسجد في وسط المدينة فوضعه افضل بقليل حيث يملك سيارة اسعاف لنقل الجرحى. ويوجد في الفلوجة مستشفيان آخران. ولا يمكن الوصول الى مستشفى طالب الجنابي لوجوده قرب موقع امريكي عند مدخل المدينة، اما المستشفى الثاني الذي بني بمنحة بحرينية فما زال غير مجهز. نزوح جماعي وشهدت مدينتا الرمادي والفلوجة نزوحا جماعيا لآلاف العائلات العراقية في أوسع حركة تنقل بعد أن بدأت القوات الأمريكية باقتحام أطراف الفلوجة وقصفها بشكل مستمر جوا وبرا مستخدمة مروحيات الاباتشي ومقاتلات سي 130 ، فضلا عن المدفعية الثقيلة ومدفعية الدبابات فيما تم قطع الماء والكهرباء عن المدينة تماما منذ يوم الأحد. وتوجهت اكثر من 2000 عائلة إلى خارج المدينة في العراء والمناطق الصحراوية بعد أن حاولت الآليات الأمريكية التقرب على المحور الغربي من المدينة وواجهت مقاومة عنيفة بينما تواصلت الاشتباكات التي وصفت بأنها الأعنف منذ محاصرة الفلوجة ما اجبر الآلاف على سلوك طرق ترابية من جنوبالمدينة وشرقها للهروب إلى خارجها ، حيث تحاول الدبابات التقرب لحي الجولان شمال غرب الفلوجة. وكانت القوات الأمريكية قد استمرت في قصفها الفلوجة بكل الوسائل بينما تحركت كتيبة دبابات مدعومة بوحدة مشاة من المارينز باتجاه الأحياء الغربية وقامت باقتحام مستشفى الفلوجة العام الواقع خارج المدينة ومارست هذه القوات اعمال كسر الأبواب في المستشفى واعتقلت عددا من المتواجدين بالمستشفى وقسما من المرضى والعاملين فيها . ومازالت تهديدات الاقتحام للمدينة مستمرة وسط تصاعد اعمال العنف في كل المناطق ورفض شعبي واقليمي ودولي للعمليات العسكرية العنيفة . وفيما قصفت القوات الأمريكية صباح امس الاول الاثنين محيط مستشفى الفلوجة الذي يعاني اصلا قلة المواد الطبية ونقص الكادر الموجود فيه بسبب مغادرة معظمهم الى خارج المدينة مما ينذر بكارثة انسانية ، اعلنت جمعية الهلال الاحمر العراقية عن نزوح اكثر من الف و 500 عائلة من مدينة الفلوجة الى الحبانية والمناطق الصحراوية القريبة من المدينة. واكدت فردوس العبادي مديرة الاعلام ان الجمعية شكلت غرفة عمليات طوارئ واستنفار جميع كوادرها الطبية والانسانية لنقل المساعدات في حالة تعرض المدينة للهجوم. وذكرت العبادي ان الجمعية لا تستطيع توفير المساعدات الكافية لاهالي المدينة في حالة حدوث هجوم عليها حيث تعاني مخازن الجمعية نقصا شديدا في المواد الصحية والغذائية والمنزلية وان المخيمات التي تقيمها الجمعية لا تكفي العوائل التي نزحت من المدينة والتي تقدر باكثر من الف و 500 عائلة. وقالت ان الجمعية لم تتسلم اية مساعدات سوى التي قدمها الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر وهي عبارة عن هدايا العيد للعوائل المتعففة ومساعدات أخرى من جمعية الهلال الأحمر الاماراتية. من جهة أخرى استمرت عملية نزوج الأهالي ممن يسكنون الأحياء الملتهبة في مدينة الرمادي كحي الملعب وحي المعلمين وشارع عشرين وشاهدت (اليوم) عشرات العوائل وهي تنقل احتياجاتها المهمة في سيارات اتجهت إلى القرى المجاورة للمدينة للعيش مع أقاربهم . وقد قامت القوات الأمريكية بمداهمة وتفتيش احياء عديدة في مدينة الرمادي وقام افراد مشاة البحرية الأمريكية المارينز بالاندفاع الى وسط احياء العزيزية والثيلة والملعب. وبدت الشوارع الداخلية للمدينة خالية من حركة المارة والسيارات وصاحب ذلك قيام سلاح الهندسة العسكرية الأمريكية باعادة تنظيم الشوارع بواسطة الكتل الكونكريتية في خطوة يعتقد إنها اجراء احترازي للسيطرة على حركة السيارات في حال حدوث مواجهات او اقتحام عسكري للمدينة.