لم يكن بوسع اي حكومة في الشرق الاوسط او في العالم اطلاقاً ان ترجح او تجزم باي درجة معقولة من اليقين ان رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون قصد من خطته ل"فك الارتباط"مع الفلسطينيين، اي انسحاب اسرائيل من قطاع غزة وبضع مستوطنات صغيرة معزولة في شمال الضفة الغربية، ان تكون مرحلة اولى من مراحل تطبيق خطة"خريطة الطريق"للسلام. والواقع انه اعلن هو نفسه ان خطة"فك الارتباط"من جانب واحد هي وحدها السارية المفعول. ولم يعد موقف شارون ذاك مستغرباً بعدما صار الرئيس الاميركي جورج بوش مؤيداً قوياً لخطته عندما اعلن قبل شهور ان ادارته ترى ان"الحقائق الجديدة على الارض"، المتمثلة في وجود"مراكز سكانية اسرائيلية كبرى"في الضفة الغربية الكتل الاستيطانية الضخمة تملي اخذ تلك الحقائق في الاعتبار. كان الهدف من الخطة الشارونية واضحاً وقد قرأها الفلسطينيون قراءة واقعية صحيحة: شارون يريد ان يكون الانسحاب من غزة الانسحاب الاخير من الاراضي الفلسطينية المحتلة منذ 1967 واكمال بناء الجدار الفاصل ومصادرة مساحات واسعة من أراضي الضفة الغربية تشمل الكتل الاستيطانية ومحيطها وكل اراضي منطقة غور وادي الاردن غرب النهر ومساحات واسعة من الاراضي في محيط القدس، اضافة الى ما تقضمه الطرق الالتفافية الخاصة بالمستوطنين اليهود من مساحات اخرى. وبعبارة اخرى، فانه يريد فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية التي سيمزقها اشلاءً ومعازل، مفصول بعضها عن بعض ليصبح من المستحيل اقامة دولة فلسطينية"قابلة للبقاء". ولكن شارون كان يريد ايضاً ان يفقر اهالي قطاع غزة ويهدم ما لديهم من بنى تحتية متواضعة للعيش الكريم ويمعن في قتلهم وقطع ارزاقهم ومنعهم من العمل داخل اسرائيل ليحملهم على النزوح تدريجاً الى الخارج. وهو يفعل ذلك الآن مدركاً ان القذائف التي تسمى مجازاً"صواريخ القسام"لا تقدم ولا تؤخر ولن تشكل هزيمة للاسرائيليين او نصراً للفلسطينيين. هذا كله معروف ومتوقع. لكن ما لم يكن متوقعاً هو ان يعترف اكبر مساعدي شارون ومستشاريه دوف فايسغلاس، الآن وبينما يجري تنفيذ الخطة - المؤامرة الاسرائيلية - الاميركية، وليس بعد انقضاء ربع قرن مثلاً على تنفيذها، بأن الهدف الحقيقي من وراء خطة"فك الارتباط"هو:"تجميد عملية السلام ومنع اقامة دولة فلسطينية، ومنع البحث في عودة اللاجئين، والحدود والقدس". وقد اعتبر فايسغلاس، وهو ينطق طبعاً باسم رئيس وزرائه، ان"عملية السلام تعني اقامة دولة فلسطينية مع كل ما يعنيه هذا من مخاطر امنية. وعملية السلام هي اخلاء المستوطنات، وعودة اللاجئين وتقسيم القدس. وكل هذا جمد الآن... ان ما اتفقت عليه عملياً مع الاميركيين هو ان جزءاً من المستوطنات لن يجري التعامل معه البتة، والباقي لن يجري التعامل معه الى ان يتحول الفلسطينيون فنلنديين". ان تمادي الاسرائيليين والاميركيين الى هذا الحد في الاعتداء على العرب والمسلمين وأراضيهم وحقوقهم لا يمكن ان يتجاوز في حدوده مدى عجز العرب وتقاعسهم عن التضامن والتصدي للمعتدين. وهكذا لم يجد فايسغلاس حرجاً في ان يشهر هدف منع قيام الدولة الفلسطينية بمباركة من الرئيس الاميركي ومجلسي الكونغرس، على حد قوله.