عام مضى على حرب 2003، وعام مضى من حياتنا. أين يذهب بنا هذا العالم غداً؟ نحيا في صخب التاريخ حتى ولو طلبنا حياة هادئة... بعيداً منه. لا يقدر أحدنا ان يعثر على عزلة في هذا الاضطراب الكبير" هل يقدر؟ كتب ج. م. كويتزي روايته "في انتظار البرابرة" 1980 بينما يبلغ الأربعين انظرْ ص 20. كتبها قبل ربع قرنٍ من حصوله على نوبل الآداب. بعد هذا الوقت كلّه تبدو الرواية جديدة، تبدو أحدث من رواياته الأخرى، روايات جاءت بعدها: لا "خُزي" 1999 ولا "عصر الحديد" 1990 ولا "حياة ما يكل ك. وأزمنته" 1983 تُضارعها في النظرة الخُرافية - الواقعية الى هذا العالم. كويتزي المولود في جنوب افريقيا سنة 1940 ابن بارٌ للقرن العشرين بكوارثه البشرية التي لا تُعد. ما يكتبه عن الحرب والاضطهاد يحضر الآن كما حضر في الأمس كما حضر في أزمنة بائدة. العنف الكامن في الطبيعة البشرية مرعب. وأساليب التعبير عنه أدبياً شديدة الاختلاف. "في انتظار البرابرة" تمزج كافكا ببورخيس. حاكم البلدة الذي يسجل تاريخها يكتب بأسلوب يكرر بورخيس في قصصه الأولى المقطع ما قبل الأخير من "مكتبة بابل" مثلاً. ويكتب عن حياة تجمع الجميل الساحر والقبيح المخيف معاً: ثراء الحياة لا يُحد. تتحول الرواية كابوساً، لكنه الكابوس المحكم المنطق الذي عرفه فرانز كافكا. لا تستسلم لهذيان، بل تبني صورة قاسية لبلدة مسورة عند تخوم امبراطورية تحارب أعداءها في كل لحظة، فإذا لم تعثر على عدوها البربري اخترعته اختراعاً، لتبقى. الامثولة السياسية ليست لبَّ الكتاب. لكنها تبدو الآن طاغية. أعمق من الأمثولة وصف البلدة ومحيطها وعادات الجماعات المقيمة فيها أو العابرة في البراري المجاورة. يستند كويتزي الى كتب رحالة، ويستند الى شغفٍ بالطبيعة وولع بتحولاتها. لكن قيمة الرواية تنبع أولاً من مناخ متماسك تصنعه، ومن علاقات انسانية تنسجها بيسرٍ ومقدرة. حاكم البلدة يسقط، يبلغ قعر البئر، يُكلل بالخُزي - كما يحدث لكل أبطال كويتزي - ثم يرتفع ويعلو من جديد. ثمة دورة تكتمل. وفي النهاية يبقى الرجل وحيداً، أمام نار المدفأة، ينظر الى أوراق صفر ويحلم بحياة ساكنة: يريد أن يكتب تاريخ هذه البلدة لكنه لا يدري كيف يفعل ذلك، فيكتب عن الثلج والواحات والمواسم والحصاد وهجرة الطيور المائية. يريد أن يعيش خارج التاريخ. خارج صخب الحياة وعنفها. هل يقدر؟