محمد الدوري أجرى الحوار وقدم له جورج فرشخ. اللعبة انتهت: من الأممالمتحدة إلى العراق محتلاً. المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء. 2004. 286 صفحة. كان محمد الدوري رئيسا لبعثة العراق في الأممالمتحدة في نيويورك عندما سقطت بغداد بأيدي قوات التحالف، وعلق باختصار عندما انهال عليه مندوبو وسائل الإعلام: اللعبة انتهت، وكانت عبارة مكثفة وبليغة، ومصحوبة بمشهد مؤثر للدموع في عيني الرجل. بعد ذاك انتقل الدوري ليعيش في دبي، وهناك التقى الإعلامي جورج فرشخ الذي أعد معه حوارا مطولا احتواه كتاب صدر مؤخراً، معنوناً بعبارة الدوري "اللعبة انتهت". يؤكد الكتاب على لسان المسؤول العراقي السابق ما كان معظم المتابعين للشأن العراقي يتوقعونه من ان العراق يسير نحو الهاوية. وهو لم يلاحظ أن ثمة خطوة ما باتجاه وقف الانهيار. فالمسؤولون في وزارة الخارجية العراقية كانوا يدركون هذا الوضع تماما، وكان يدركه أيضا طارق عزيز ومجموعته، لكن أحدا لم يكن يملك القرار أو التأثير فيه. فاللعبة بدت كما لو أنها مناسبة وجذابة للطرفين. فالولاياتالمتحدة وحلفاؤها يكذبون ويبالغون بقدرات العراق العسكرية منذ 1990، والطرف الآخر، أي حكم صدام، أعجبته المبالغة، وظهرت كأنها تقدير له وثناء عليه، فظهر هكذا أمام شعبه وجماهير عربية بعيدة عن لهيب الظلم والديكتاتورية تتسلى، هي أيضاً، باللعبة غير المكلفة عليها، وترضي في الوقت نفسه أحلامها ورغباتها التي تعرف أنها على درجة من صعوبة التحقيق تقترب من المستحيل. يقول كريس باتن آخر حاكم بريطاني لجزيرة هونغ كونغ في كتابه "شرق وغرب" إن غياب عدو حقيقي للولايات المتحدة والغرب بعد انهيار جدار برلين، ثم انهيار الاتحاد السوفياتي، جعل الوضع صعبا لأنه لا لعبة من غير لاعبين متنافسين. وغياب اللاعب الآخر يفقد اللاعب المتأهب مبرر وجوده وتنهار اللعبة أيضاً. وهو يستعيد قصيدة "في انتظار البرابرة" للشاعر سي بي كفافي التي كتبها عام 1898، يصف فيها الحالة التي أصابت الناس في مدينة قديمة عندما تحركوا بقيادة الإمبراطور مستعدين لوصول البرابرة الغزاة، غير أنهم لم يظهروا، فماذا يمكن أن يحدث حينها؟ وما الذي يمكن القيام به؟ أصاب الناس ذهول مفاجئ وارتباك، وتساءلوا: ماذا سيحدث لنا من دون برابرة، لقد كان أولئك الناس نوعا من الحل! والحال ان الإعلام كان لاعبا أساسيا، ولعله قائد هذه الحرب التي تُعد بامتياز حربا إعلامية. فقد كان الأمر أشبه بطوفان يبدو اعتراضه نوعا من الانتحار والجنون. وبدا خلق وسائل الإعلام التي كانت هذه الحرب فرصتها الأولى لتظهر قدراتها الجديدة مما لم يكن موجودا في الحروب السابقة، كالفضائيات والإنترنت، حالةً تستحق أن تدرس في كليات الإعلام. كذلك بدا كما لو أن قادة الولاياتالمتحدة وبريطانيا وحلفائهما والطرف الآخر في اللعبة بالمناسبة من هو الطرف الآخر؟ ومن كانت تحارب الولاياتالمتحدة؟ مشغولين بمتابعة وسائل الإعلام أكثر من مجريات المعركة نفسها، أو كأن مجريات المعركة تطبق لأغراض التصوير والإعلام. لقد كانت حربا أشبه بالألعاب الالكترونية والتلفزيونية، تشد اللاعبين وتسليهم في فضاء افتراضي يحاكي الواقع لكنه ليس واقعيا أبدا. وقد يكون الجمهور الأميركي كما يتبدى في المصارعة الأميركية الحرة والقناة الفضائية الأميركية حرة أيضا معجباً باللعبة غير المتكافئة الأطراف، يستمتع بمشاهدة المصارع القوي وهو يسحق خصمه الضعيف الذي لا حول له ولا قوة، وبخاصة عندما يكون منتميا إلى لون أو عرق "آخر". هل سيكون العراق "بؤرة إشعاع" أيديولوجي جديد في المنطقة؟ الدوري يعتقد أن هذا هدف أميركي، وإن كان ليس متأكدا من فرص تحقيقه. فالعراق مهيأ اجتماعيا كدولة ونظام اجتماعي علماني لذلك، والناس مستعدون لقبول القيم الأميركية، وهذه أحد مرتكزات الدعاية السياسية الأميركية التي صدقها مشروع "الشرق الأوسط الكبير" كما أعلن عنه بعد صدور الكتاب، وهو ما يتيح للولايات المتحدة، في رأي الدوري، حماية وتعزيز المصالح الأميركية من دون تكاليف وحروب وصراعات عسكرية. فهي تريد أن تجعل المنطقة سوقا لها، وسيكون لإسرائيل دور كبير في ذلك، وهو بالضبط مشروع شمعون بيريز ل"الشرق الأوسط الجديد". وقد أعلن بوش أنه يريد جعل منطقة الشرق الأوسط منطقة اقتصادية حرة في غضون عشر سنوات، لكن الأمر ليس سهلا كما يبدو للولايات المتحدة. فقد وضعت رهانها كله في سلة أنظمة سياسية مستبدة وغير ديموقراطية. أما البديل فهو أيضا يبدو عدوا للولايات المتحدة، أو طرفاً ليست هي متحمسة له، وإن كان ثمة مؤشرات كثيرة على حوار وتعاون يجري بينها وبين الحركة الإسلامية في المنطقة. وقد ظهر الدين عاملا مهما في صياغة مستقبل العراق، فهل يؤشر ذلك إلى قيام أحزاب إسلامية تؤسس بالمشاركة مع الولاياتالمتحدة شرقاً أوسط جديداً لا تستبعد الديموقراطية فيه الإسلاميين ولا تجعلهم أيضا خطرين على المصالح الأميركية، بل تقدمهم شركاء معقولين وديموقراطيين للولايات المتحدة؟