الكرنفال ليس ظاهرة برازيلية كما هو معروف. إنه عيد يسبق الصيام الديني الذي كان يفترض أن يدوم 40 يوماً وينتهي بعيد الفصح. حوالى نصف البرازيليين أو أكثر بقليل لا يهتمون بالكرنفال بحد ذاته، بل هو الذي يهتم بهم، ف"السنة البرازيلية الفعلية تنطلق بعد الكرنفال". تحمل هذه العبارة الرائجة في البرازيل شيئاً من التضخيم لكنه صحيح. الطلاب، خصوصاً الجامعيين، لا يعودون قبل إنتهاء الكرنفال، والمؤسسات التجارية جعلت من الفترة مناسبة مميزة للتنزيلات، وأخيراً ليس آخراً، بين المؤسسات التي تقفل أبوابها والفرصة التي تمتد، هناك أسبوع يطاول الجميع تستغله الأكثرية للراحة مع أو من دون الكرنفال على التلفزيون... والأقلية الكبيرة للكرنفال! هنا الأقلية تحكم لأن لديها شيئاً محدداً تفعله، وعندها مفاتيح العولمة التي تجعل من الكرنفال في البرازيل قيمة مضافة. وأخذ الكرنفال البرازيلي أشكالاً متنوعة من الإحتفال تشكل ربما منطقة ريسيف في شمال شريقي البرازيل متحفاً مميّزاً لها: فهي ملتقى التقاليد الفولكلورية والرقصات الشعبية، بعضها ريفية وقد تجمعت فيها أعياد الخصوبة، وأخرى آتية من حياة الزنوج أيام العبودية، وأخرى تتمحور حول لعبة الأقنعة. ويذكر "غينيس" أن في ريسيف أكبر فرقة كرنفالية في العالم، وهي مؤلفة من 30 عربة. وحفظت منطقة باهيا أكثر من غيرها التقاليد الدينية الزنجية التي مزجت الفودو بالكاثوليكية الحاكمة. وقد صدّرت باهيا الى كل أرجاء البرازيل فرقة "أمّهات باهيا" المؤلفة من نساء مسنّات تدور على نفسها وتحمل الإطمئنان والأصالة الى جميع أنواع الفرق. وفي بداية السبعينات، شاعت في باهيا أيضاً ظاهرة "شاحنات الصوت" التي تتنقل في الشوارع ويلحقها الناس راقصين، ما جعل باهيا تكتسب شهرة تنظيم أهم كرنفال يصل الليل بالنهار. مدارس السامبا، أحياء تعيد توحيد ما تفككه الحياة اليومية عندما تسلمّ السلطات الرسمية مفاتيح المدن خلال أربعة أيام ل"الملك مومو" الذي هو عادة زنجي ضخم يحسن رقص السامبا، لا يهم أين وكيف "سقطت" في الكرنفال كما يقولون. المهم أنك "وقعت" فيه. أيّاً يكن، يمثل عرض "مدارس السامبا" في ريو دي جانيرو المقياس والقيمة المعولمة للحدث الذي نقل هذه السنة عبر الأقمار الاصطناعية . سنة كاملة للحظة عابرة إنه جهد يمتد العمل فيه طوال السنة بأكملها كي يصبّ في عرض واحد يجري ليلة الكرنفال حيث تأتي "مدرسة السامبا" في الموعد المحدد لها وتستعرض موضوعها برقصها وغنائها ولبسها وعرباتها. ويبدأ العمل في آذار حيث تختار "مدرسة السامبا" الموضوع الذي ستقدمه بعد سنة. والموضوع هو عادة تكريم لشخصية أو منطقة أو مدينة، أو بحث في تطور قطاع إقتصادي أو مناقشة موضوع ساخن. في حزيران يونيو، يقدم مؤلفو المدرسة أغنية السامبا التي وضعوها على قاعدة الموضوع المقترح. في تموز يوليو، يتم إختيار السامبا ويبدأ تصميم العربات السبع أو الثماني التي ترتفع 6 أمتار عن الأرض وتحمل أكثر من 50 راقصاً، وتدفع بالأيدي لأنها خالية من أي محرك. في أيلول سبتمبر، يبدأ عمل الخياطين والفنانين الذين ينفذون الألبسة والأغراض المحمولة. ثم يتسارع العمل وبدءاً من كانون الاول ديسمبر، يجتمع الأعضاء للتدريب في مركز المدرسة مرتين أسبوعياً وتزداد الوتيرة كلما إقترب الموعد، كما يزداد التعتيم على المفاجآت التي ستكشفها "مدرسة السامبا" لحظة العرض. حان وقت العرض. من الصعب وصف متعة الإستعراض، إن كنت في المدارج ولكن خصوصاً على الزفت. من مارس طقس الكرنفال خصوصاً الإستعراض في "مدرسة سامبا" يصعب عليه أن يتكلم عنه، والذي لم يمارسه يصعب عليه فهم ما الذي يحرك كل هذه المشاعر عند الآخر. إنها متعة فيها كثير من الحماسة. الإستعراض، وكثيراً ما يجري تحت المطر، هو كناية عن مسابقة تقر بنهايتها لجنة تحكيم المدرسة الفائزة والصاعدين والهابطين بعد التدقيق بعشرة مقاييس تحكم على الفكرة وتنفيذها. تستعرض كل "مدرسة سامبا" خلال 80 دقيقة، وعليها أن تجتاز المدرسة مسافة ال700 متر، وبعد مرور الوقت يجب ألا يبقى أثر لها على الزفت. يتألف العرض من عناصر عدة يشكل مجموعها "مدرسة السامبا"، ويدشّن دائماً بما يسمى "لجنة الواجهةش التي كانت تؤلف عادة من قدامى أعضاء الفرقة والتي صارت الآن مشهداً مميزاً، فيما صار قدامى المدرسة يقفلون العرض. وتلي لجنة الواجهة العربة الأولى التي تحمل عنوان المدرسة وألوانها، وتليها حاملة العلم التي يواكبها "معلم الرقص"، ثم بين عربة وعربة، تمر الأجنحة التي يرتدي أعضاؤها الألبسة نفسها والتي تعبّر عن مشهد مرتبط بالموضوع وكثيراً ما ستلفت الأغنية المنشودة إليه الذي يعيدها من دون ملل المغني المحاط بكورس من الآلاف، إن على الزفت أم في المدرجات. فرقة "أمهات باهيا" التي تمثل نوعاً من السلطة المعنوية لا تخضع لعملية توزيع النقاط، لكنها حاجة ضرورية بإمتياز تثير أكثر من غيرها حنان المدرجات وحماستها. وتماماً كما تشكل السامبا المغناة العمود الفقري للعرض. يطلع الفجر وينتهي الكرنفال، وتعود الحياة الى نمطها، وتعود الناس الى أشغالها ووظائفها، والى أدوارها الإجتماعية. صحيح أن الحفل إنتهى وصدرت النتائج النهائية. لا ريب، دخل عام جديد وانتهى عام قديم، ويبدأ الناس بتكديس العواطف الفائضة حتى لحظة عودة الكرنفال. ومن يدري، ربما السنة بأكملها ليست إلا فاصلاً زمنياً بين كرنفال هذه السنة والكرنفال المقبل.