الأخبار عن العراق ومنه مقلقة، حتى ان الزيارات الخاطفة لكبار المسؤولين تعطي مفعولاً عكسياً. وقد كانت مسألة وقت قبل ان يزور رئيس الوزراء توني بلير القوات البريطانية في البصرة، كما زار جورج بوش القوات الأميركية في مطار بغداد. الزيارات من هذا النوع تحسب بالساعات، لا الأيام، فالمسؤول الزائر يعرف ان الحرب لم تنته، وكل ما يريد هو بعض الدعاية لنفسه، من دون ان يعرضها للخطر. بوش زار الجنود الأميركيين في مناسبة عيد الشكر، واعتبر مقاومي الاحتلال قتلة وإرهابيين. اما بلير فقال ان العراق "مسألة اختبار" للحرب العالمية على الارهاب والقمع. بين هاتين الزيارتين، هبط على العراق رئيس وزراء اسبانيا خوسيه ماريا اثنار، وكبار المسؤولين الأميركيين. السناتور هيلاري كلينتون التي رافقها السناتور جاك ريد، كانت اشجع من الرئيس فزيارتها زادت كثيراً على الساعتين ونصف ساعة التي قضاها الرئيس. في المطار، ثم انها خرجت لمقابلة الناس، وتحدثت عن برنامج نقل السلطة الى العراقيين. ووجدت من أطرى شجاعتها وانتقد الزيارة الرئاسية، الا ان المجال يضيق فأكتفي بعنوان يعكس الشعور العام هو "ديك الحبش او الديك الرومي هبط"، والعنوان يحتاج الى شرح، فأصل العبارة "النسر هبط"، من عنوان كتاب مشهور وفيلم عن الحرب العالمية الثانية، غير ان "ديك الحبش" بالانكليزية تعني الشخص الغبي، او الفاشل، لذلك اختارت جريدتان لندنيتان ان تصفا بعنوان واحد زيارة بوش مطار بغداد، كديك حبش لا نسر. أكتب وأكثر الأشياء في العراق أو حوله تتراوح بين الخطأ والمأساة، والزيارة التي أثارت اكبر ضجة كانت لوزير الدفاع دونالد رامسفيلد، فقد تزامنت مع نشر وثائق سرية أميركية فضحت أسرار زيارة رامسفيلد بغداد في آذار مارس 1984 كمبعوث خاص للرئيس رونالد ريغان الى الشرق الأوسط. وكشفت الأوراق الرسمية الأميركية ان رامسفيلد أبلغ طارق عزيز ان الموقف الرسمي من الأسلحة الكيماوية يعكس المعارضة الأميركية الشديدة لهذه الأسلحة، الا ان الادارة مصممة على "تحسين العلاقات الثنائية بوتيرة يختارها العراق". ويبدو ان رامسفيلد زار العراق في كانون الأول ديسمبر 1983 للعمل من اجل استئناف العلاقات، ثم عاد بعد أشهر لطمأنة الحكومة العراقية بالنسبة الى الاسلحة الكيماوية. وربما زدت من عندي ان السناتور بوب دول وأعضاء آخرين في مجلس الشيوخ زاروا العراق أيضاً في الثمانينات لدعم صدام حسين في حربه على ايران. اما وزير الخارجية الحالي كولن باول، فكان رئيس مجلس الأمن القومي، ولعب دوراً بارزاً في تعطيل اتخاذ مجلس النواب قراراً ضد العراق بسبب حلبجة، وعندما زارها السنة الماضية بكى على ضحايا الأسلحة الكيماوية، وقال ان ما فعل صدام حسين في حلبجة يبرر الحرب عليه. ما بني على خطأ لا يمكن ان يؤدي الى خير، وصدام حسين ارتكب أكبر جرائمه، والولايات المتحدة حليفته، وهذه شنت حرباً عليه لأسباب كاذبة في مجموعها وبالمطلق، وهكذا كان ان انتهينا الى وضع يقتل فيه ألوف العراقيين، فلا نسمع الا عن جندي أميركي قتيل اليوم أو غداً. كل معلوماتي من مصادر غربية، وما تجمع لي في الأسبوع الذي سبق رأس السنة، والأيام التالية لا يشكل قراءة مريحة، ولا يشجع على توقع نهاية الكابوس. - جون سلوبودا، مدير مجموعة أبحاث أوكسفورد ورئيس لجنة احصاء ضحايا الحرب في العراق، دعا الى تكريم الضحايا العراقيين الذين قدرهم بعشرة آلاف منذ بدء الحرب. وهو شكا من منع وزارة الصحة العراقية جمع احصاءات عن الضحايا. - بوب غراهام أرسلته "الصنداي ميل" الى بغداد، حيث قابل المسؤولين في سلطات الاحتلال وكتب يقول انه كانت لدى الاحتلال خطة لما بعد الحرب، غير ان اركان الادارة صدقوا أحمد الجلبي عن ان العراقيين سيستقبلون الجنود الأميركيين بالورد والزغاريد، ودفع الجميع الثمن. - المرشحان الديموقراطيان البارزان في التنافس على الرئاسة جون كيري وهوارد دين هاجما بحدة السياسة الخارجية للرئيس بوش، ووصفاها بأنها متهورة وفاشلة. وتشارلز بينا، مدير دراسات الدفاع في مؤسسة كاتو، وصف استراتيجية الأمن الوطني للادارة بأنها "اسم على غير مسمى" لأنها تعرض الأمن الوطني لأخطار ما كانت لتوجد لولا هذه السياسة. - الوزيرة البريطانية السابقة كلير شورت قالت ان الحرب على العراق قامت على أنصاف حقائق وخداع، وأكدت ان زعم ثنائي بوش - بلير تحقيق مكاسب ضد الارهاب غير صحيح أيضاً. - أمامي أخبار صحافية أميركية وبريطانية تؤكد ان الرواية الرسمية لمعركة الفلوجة كانت كاذبة، ولم يكن هناك كمين، وإنما اطلقت القوات الاميركية النار عشوائياً وكان اكثر الضحايا من المدنيين. وفي خبر آخر ان القوات الاميركية باتت تستهدف الاقلية العربية السنية، مع وصف مداهمة مسجد للسنة وإتلاف محتوياته، وحديث مع إمامه الشيخ صباح القيسي. - ثريا القيسي، وهي لا تمت بقرابة الى الشيخ صباح، شابة حسناء في مقتبل العمر تقول: "ان الاميركيين يعاملوننا كالكلاب"، وتتمنى لو تقوم بعملية انتحارية ضدهم. وأستطيع ان أزيد عن قتل الجاويش الانكليزي ستيف روبرتس، وموت العراقي بهاء موسى تحت التعذيب اثناء التحقيق معه، الا ان المجال ضاق فأقول ان اسقاط صدام حسين كان انجازاً عظيماً حققته القوات الاميركية ولا يجوز ان يضيع في تراجيديا الاخطاء اللاحقة. والوقت لم يفت لبداية جديدة فيبتعد التحالف الدولي عمن يدّعون تمثيل العراقيين، وهم لا يمثلون سوى امثال بول وولفوفيتز، ويتعامل مع شعب العراق وممثليه الحقيقيين.