باتت النحافة دليلاً على الرشاقة والجمال واصبحت غالبية الفتيات في مصر منشغلات الى حد الهوس بمظهرهن، خصوصاً ان المجتمعات الشرقية، لم تعد كما كانت الى عهد قريب، تنظر الى السمنة على أنها من علامات الجمال وسمات الثراء. لأنه، منذ سنوات، بدأت اصابع الاتهام توجه الى البدانة على انها سبب اساسي في عدد من الامراض. وسيطرت احلام النحافة على عقول الصبايا من دون ان تكون المخاطر الصحية للسمنة بالضرورة وراء هذا الولع، وانما أحياناً اللهث وراء الموضة ومحاولة تقليد اهل الفن. وتحركت مقاييس الجمال تجاه نحافة اكثر، تحررت الصبايا من "قيود" الاسرة وصارت النحافة عنواناً للتحرر. وتنوعت السبل للحصول على القوام الرشيق من انظمة غذائية وانواع رياضة وعمليات جراحية لشفط الدهون، وتدبيس المعدة وتركيب حزام لها. ودخلت الشركات التجارية السباق بحثاً عن الربح، فطرحت في الاسواق اطعمة "خفيفة" لا تزيد الوزن وعقاقير تساعد على انقاص عدد من "غرامات الشحم واللحم". وتقبل الفتيات على الحميات الغذائية الجديدة في شكل واسع، فتارة يتبعن رجيم الموز وتارة اخرى رجيم الزبادي، او المعجنات. وعلى رغم اقتناع الكثيرات بأن بعض هذه الوعود يصعب تصديقه، الا انهن يقبلن على هذه الحميات، وكلهن امل في الوصول بأجسامهن الى "غصن البان"، والشعور بالرضا عن انفسهن، بعد أن اصابهن الاكتئاب نتيجة السمنة. وتقف السمنة وراء الكثير من الامراض، وارتفعت نسبتها في مصر لتبلغ 58 في المئة من عدد الفتيات البالغات في مقابل 12 في المئة للرجال وهو ما ينذر بزيادة معدلات الاصابة بالامراض المصاحبة للسمنة، وفقاً لتقرير صدر أخيراً، عن وزارة الصحة المصرية. والى المخاطر الصحية، للسمنة أيضاً تأثيرات سلبية كثيرة في نفسية الفتيات ونظرتهن لذواتهن، بما يؤدي الى فقدان الثقة في النفس، خصوصاً خلال البحث عن ازياء ملائمة للقوام الممتلئ. وقد تتعرض الصبايا البدينات لنوع من الاحباط عندما يبذلن جهداً كبيراً في محاولة تخفيض وزنهن والثبات على الوزن، ومن ثم يفاجأن بأن هذا الوضع الجديد لا يستمر طويلاً، وتعود الكيلوغرامات الزائدة لتشعر الفتاة انها في حلقة مفرغة. وتقول اميرة احمد 19 عاماً رافضة ذكر وزنها، ان السمنة كانت السبب الرئيس في فشلها الدراسي الذي ادخلها في دائرة مغلقة من الكآبة والشراهة. وكانت وصلت الى هذا الوضع بسبب نمط الحياة الذي تعيشه والذي يتميز بقلة الحركة وكثرة الخدم والطعام الدسم. وتعاني أميرة من تعليقات الاهل والاصدقاء وتحذيرهم من الدخول في مرحلة العنوسة إذا لم تنتبه الى جسمها. وتقول: "لكني مستمرة في تناول الاطعمة فأنا من عاشقات الطعام وفي الوقت نفسه راضية على شكلي وجسمي وارتدي ما يناسب جسمي من ملبس، وعلى المعترض ان يبتعد عني". وتقول عبير عادل 24 عاماً: "حاولت اكثر من مرة تخفيف وزني البالغ 100 كيلوغرام في المنزل، لكن من دون جدوى". وتشعر عبير ان ارتياد نوادي الرشاقة يزيد من التعرف الى الاخريات لتقاسم الهم نفسه. وتوضح: "نشجع بعضنا على المثابرة في اداء التمارين الرياضية خصوصاً أن موعد زواجي مرتبط بوزني فقد اجل خطيبي الزفاف لحين وصول وزني الى 60". وتقول هدى عاطف 23 عاماً، محاسبة: "بعد ان بلغ وزني 190 كيلوغراماً لم يعد لدي الرغبة في الخروج من المنزل أو لقاء الناس، او حتى ان ارى احداً، فقد سئمت قسوة الاخرين وسخريتهم الدائمة مني ومن شكلي، فأنا خجولة الى حد كبير، ولا استطيع التعامل مع الناس في التجمعات الكبيرة مثل الافراح او الزيارات وعادة اخذ لنفسي ركناً انطوي فيه وحدي، ومع ذلك لا اسلم من السخرية، إضافة الى انني بدينة اخشى في الوقت نفسه من ان اكون محط مقارنة بشقيقتي الكبرى فهي جميلة ولبقة ورشيقة، وتزيد الامور تعقيداً عندما اشعر أنني اقل منها ومن زميلاتي، وأنا لا استطيع ان اجاريهن فهن يتمتعن بالجمال واللياقة والرشاقة ولهن تجارب عاطفية، ومرغوبات من الجنس الآخر، عكسي تماماً. وعلى المستوى العملي، معظم الفتيات من حولي يعملن او سبق لهن العمل، وهذا لم يحدث معي". أما مريم رفعت 17 عاماً في المرحلة الثانوية، فتبدو علامات التعجب والامتعاض واضحة على وجهها وتقول: "ساعات طويلة اقضيها امام المرآة اللعينة أتأمل جسدي وما فيه، فقد بلغ وزني 97 كيلوغراماً لذا قررت اتباع حمية غذائية للوصول الى مواصفات اجساد فتيات الاعلانات". وتضيف: "تصورت انني سأنظم طعامي واقلل الكميات التي اتناولها واخفف الاطعمة الدسمة وامتنع عن الاكل بين الوجبات، ولكنني فجأة اصبت بهوس الحمية فهذا رجيم كيماوي من مجلة كذا، وهذه وصفة اخذتها من صديقة واخيراً وصلت الى الوزن المثالي". وتقول ليونيت: "انا في السابعة والعشرين من العمر بلغ وزني 113 كيلوغراماً. ينتابني شعور دائم بأنني مختلفة عن بقية الفتيات ويهيىء إليّ أن نظرات الشباب تجردني من ثيابي فأشعر بنظراتهم الساخرة واللاذعة ولا استطيع ان امنع نفسي عن الطعام فاترك العنان لشهيتي واعتبر أنني أفعل ما يفعله المدخن على رغم علمه بأضرار التدخين". ويقول اختصاصي التغذية الدكتور ناجي بطرس ل"الحياة" ان البدانة هي زيادة الوزن التي تساوي أو تتجاوز 20 كيلوغراماً عن الوزن المثالي للشخص، وذلك بحسب طول القامة. وينبه الى تعدد درجات السمنة، فهناك بدناء "درجة أولى" ممن تتراوح نسبة زيادة وزنهم ما بين 15 و20 كيلوغراماً واذا بلغت نسبة الزيادة من 20 الى 30 كيلوغراماً تكون السمنة من "الدرجة الثانية". وينصح اختصاصي التغذية بمعرفة الاسباب الحقيقية التي تؤدي الى السمنة وتتلخص في عاملين اولهما الافراط في تناول الطعام وثانيهما عدم ممارسة أي نشاط رياضي. ويوضح بطرس قائلاً: "من عادة المصريات عدم الاهتمام بوجبة الافطار والتركيز على وجبتي الغذاء والعشاء في حين انها الوجبة الاساسية للجسم. ومن هنا المثل "افطروا كالملوك وتغدوا كالامراء وتعشوا كالفقراء". فوجبة الفطور تزود الجسم بما يحتاجه من عناصر غذائية ضرورية تساعد على الحركة طوال النهار وعلى التخلص من أي زيادة قد تخزن في الجسم". ويقول بطرس ان النشويات من ابرز المؤثرات الغذائية المسببة للسمنة. أما الفاكهة وان كانت علاجاً لغالبية المشاكل، بفعل غناها بالفتيامينات والمعادن، الا ان هناك بعض الانواع التي يجب على الراغب في تخفيف وزنه الاقلال منها، واهمها المانغا والعنب والموز والتين لأنها أنواع غنية بالسكر. وينصح بطرس بتقليل كمية السكريات والنشويات والفاكهة والدهون في الأسبوعين الاولين من الرجيم حتى يعتاد الجسم وبعدها يمكن تناولها بكميات بسيطة مع الاكثار من البروتينات. ويطالب بطرس بالتركيز على تناول كميات كبيرة من المياه قبل الطعام بعشر دقائق أي في غير مواعيد الوجبات وعدم تناول الحلوى بعد الطعام مباشرة، "فالأفضل تناولها بعد ساعتين لئلا تختلط البروتينات مع السكريات، فتضطرب عملية الهضم ويعود الشعور بالجوع بعد حوالى ساعة. كما ينصح بعدم تناول المشروبات الغازية. ويقول بطرس إنه اذا تمت مراعاة تلك النقاط وما يصاحبها من حرمان بسيط في البداية، يتعود الجسم على حرق الدهون كمصدر للطاقة بدلاً من سابق عهده في حرق النشويات، لافتاً الى أهمية تناول وجبات صغيرة كل أربع ساعات بهدف تثبيت مستوى السكر في الجسم لحين التعود على أسلوب حياة يمكن اتباعه على مدى العمر، من دون الاحساس بالملل والحرمان.