لم يجد الفلسطينيون في مخيم رفح للاجئين كلمات أبلغ من "اعدام مخيم" أو "زلزال بام" للتعبير بهما عما حصل في "بلوك 5" المحاذي للشريط الحدودي الفاصل بين قطاع غزة ومصر. فالهجمة الاسرائيلية الاخيرة على المخيم اتت على ما تبقى فيه من منازل وبنى تحتية، بعد ان "أعدمت" الجرافات خلال المرات السابقة مئات المنازل فيه. "المخيم أعدم تماما ... انه دمار شامل ... دمار لا يتخيله عقل"، قال مواطن ممن هدمت منازلهم، مفضلا مناداته ب"أبو اسماعيل"، وهو وصف ما جرى في "بلوك 5" في احدى مناطق مخيم يبنا للاجئين جنوب رفح، بأنه "اعدام مخيم". وأضاف أبو اسماعيل الذي لم يخرج من هذه الدنيا سوى بهذا المنزل: "لمن نشكو همّنا... الى أين نذهب؟ ... الشكوى لغير الله مذلة". وكان الرجل الاربعيني يصف الدمار الذي خلفته قوات الاحتلال الاسرائيلي في "بلوك 5" وحارة القصاص المحاذيين للشريط الحدودي جنوب مدينة رفح بعدما انسحبت منه في ساعة متقدمة من ليل الاربعاء - الخميس بعد احتلال دام 24 ساعة. وقتلت قوات الاحتلال اثناء ذلك أربعة مواطنين، منهم طفلان، فيما استشهد عدلي ابو طه 27 عاما امس متأثرا بجروح اصيب بها اول من امس في احدى الغارتين اللتين شنتهما مروحيتان من نوع "أباتشي" الاميركية الصنع على المخيم اول من امس. ووصف خميس أبو طه 30 عاما ما جرى بأنه "صورة همجية". وقال: "لم نتوقع ان يصلوا الى منزلنا... وهو يقع على بعد نحو 300 متر من الشريط الحدودي". وأضاف: "فوجئنا بالجرافات تنهش بأسنانها احدى غرف المنزل المكون من ثلاث طبقات من دون ان ندري ... فخرجنا نجري من المنزل وأصبت انا وشقيقي وأمي بجروح". ويقطن مع خميس في المنزل اربعة من اشقائه المتزوجين. ويعتبر منزل عائلته المنزل الاخير لعائلة ابو طه، التي تتحدر من مدينة بئر السبع في صحراء النقب، والتي هدمت قوات الاحتلال كل منازلها في مرات سابقة. ومنزل ابو طه واحد من 31 منزلا دمرتها قوات الاحتلال كليا اول من امس يقطنها 165 فردا، اضافة الى ان تدميرا جزئيا لحق بنحو 16منزلا يقطنها نحو 120 فردا، والحاق اضرار متفاوتة بنحو 46 منزلا يقطنها 250 فردا اصبحوا جميعا بلا مأوى. وبدا مشهد المخيم مروعا وفظيعا في اعقاب انسحاب قوات الاحتلال منه. وكانت النسوة يصرخن، واخريات يلطمن خدودهن حزنا والما على فقد كل شيء: "كل شيء ضاع تحت الحجارة والرمال". وفيما عشرات الاطفال يبحثون تحت انقاض المنازل عن لعبهم واغراضهم وحقائبهم المدرسية، كان رجال يصفون المشهد بأنه يذكرهم بالزلزال الذي ضرب مدينة "بام" التاريخية الايرانية قبل اشهر. فالمنطقة التي دمرت اول من امس اصبحت جزءا من شريط اقصى عرض له يصل الى 300 متر وبطول نحو خمسة كيلومترات بمحاذاة الشريط الحدودي. ويبدو هذا الشريط جزءا من مشهد لمدينة ضربها زلزال كبير، قبل ان تأتي الدبابات والجرافات مرة اخرى واخرى و"تهرس" انقاضها وتحولها الى قطع صغيرة من الحجارة لا تصلح حتى لقذف جنود الاحتلال بها. واضيفت المنازل المدمرة اخيرا الى اكثر من 1600 منزل هدمتها في مرات سابقة قوات الاحتلال كليا، ونحو خمسة آلاف منزل هدمت جزئيا، اضافة الى آلاف المنازل المتضررة التي تقع على خط النار ولا يستطيع قاطنوها الإقامة فيها بسبب خطورة ذلك على حياتهم وحياة اطفالهم.