عاد امس الوضع في مدن شمال شرقي سورية الى الهدوء، بعد يومين من تظاهرات الاحتجاج واعمال العنف التي ادت الى سقوط 15 قتيلا وعشرات الجرحى. وقام امس مواطنون ومؤيدون لحزب البعث الحاكم بمسيرات "تأييد للحكومة والتمسك بالوحدة الوطنية" في مدينة الحسكة. وكانت القيادة السورية شكلت لجنة للتحقيق في "الاعمال التخريبية" التي بدأت شرارتها قبل نصف ساعة من مباراة كان مقررا ان تجمع فريقي "الفتوة" من دير الزور و"الجهاد" من الحسكة على ملعب القامشلي 700 كلم شمال شرقي دمشق. وأوضح مصدر سوري ان التحقيقات تستهدف كشف "مسببي الاحداث ومفتعليها، إذ ستتخذ أشد العقوبات بحق العابثين بأمن واستقرار الوطن والمواطن". وقالت مصادر مطلعة ل"الحياة" ان لجنة أمنية توجهت، بعد تطور احداث الشغب، الى المنطقة، وضمت رئيس ادارة الاستخبارات العامة اللواء هشام اختيار ومعاون رئيس شعبة الامن السياسي اللواء محمد منصورة، الذي أمضى نحو عقدين رئيساً لفرع الامن العسكري في تلك المنطقة ويملك خبرة وعلاقات واسعة مع وجهاء الجزيرة، ومسؤولين آخرين في وزارة الداخلية ومحافظ الحسكة سليم كبول. وأوضح مسؤول كردي ل"الحياة" ان اللجنة استقبلت مرات عدة ممثلين عن الاحزاب الكردية غير مرخصة رسميا لكنها تنشط في ضوء سياسة غض الطرف هم عبدالحميد درويش الأمين العام ل"الحزب الديموقراطي التقدمي الكردي" وفؤاد عليكو عضو المكتب السياسي ل"حزب يكيتي" وبشار أمين عضو المكتب السياسي ل"الاتحاد الشعبي الكردي في سورية" وكاهر صفوق عن "الجبهة الكردية الديموقراطية في سورية"، لافتاً الى ان "لقاءات اخرى عقدت بين مسؤولين سوريين كبار وممثلي بعض الاحزاب الكردية في دمشق". وقال درويش في اتصال هاتفي مع "الحياة" امس: "هدأت الأوضاع في القامشلي. ونجري محاولات مكثفة لتهدئة الامور في الحسكة" 600 كلم شمال شرقي دمشق. وأشار مسؤول آخر الى ان "اطرافاً تحاول تحويل الخلاف من رياضي الى أعمال عنف. نحن ضد هذا الموقف ونحن جميعاً ابناء سورية وهذا وطننا". ونقلت وسائل الاعلام الرسمية امس عن "مصدر اعلامي" ان "اعمال شغب وتخريب وقعت في محافظة الحسكة وبعض مدن المحافظة اقدم خلالها بعض الغوغاء على تخريب عدد من المؤسسات الحكومية والممتلكات العامة وقاموا بأعمال تخريبية منافية للقانون وللحس الوطني السليم". وبعدما قال المصدر ان "هذه الممارسات الغريبة عن طبيعة واخلاق المجتمع السوري تشكل اساءة لاستقرار الوطن وأمنه، هذا الاستقرار الذي يعد من ثوابت تكويننا الوطني الذي من غير المسموح العبث به تحت أي ذريعة"، واشار الى ان "استغلال ما جرى في ملعب القامشلي من قبل بعض المدسوسين للقيام بأعمال شغب وتخريب استهدفت المواطنين والممتلكات العامة والخاصة، تعبر عن طبيعة مرتكبيها ليس اكثر، وهي تخالف القانون وسيخضع مرتكبوها للمساءلة القانونية اصولاً". وكانت وزارة الاعلام السورية سمحت ليل اول من امس لمراسلي الصحف ووسائل الاعلام العربية بزيارة منطقة الجزيرة للاطلاع على ما حصل. وقال مراسلون ان الاوضاع طبيعية في القامشلي والحسكة، وأنهم شاهدوا النيران في مخازن للحبوب ومؤسسات عامة، لافتين الى ان المحلات التجارية عادت للعمل في القامشلي. وأفيد ان اضراراً بالغة لحقت بمحطة القطار ومراكز تخزين الحبوب ومدرسة رسمية اضرمت فيها النار. وخصصت صحيفة "البعث" الناطقة باسم الحزب الحاكم امس افتتاحيتها للحديث عن "الكرة التي تحولت ذريعة للشغب". وافادت: ""ظاهرة الهوليغنز، أي السفاحين والمشاغبين، أضحت ضيفاً ثقيلاً على ملاعبنا الخضراء. احداث القامشلي تشير الى ان ملاعب كرة القدم تتحول شيئاً فشيئاً الى ميدان للعنف بين الأشقاء والأقرباء ابناء الوطن الواحد بل والمدينة الواحدة"، لافتة الى ان الوضع كان سيبقى محصوراً داخل ملعب القامشلي "لكن انضمام بعض المجموعات جاءت من خارج الملعب ودخلت عنوة بقصد اثارة الفتنة وفق خطة هدفها الاساءة الى سورية والاسهام في مجموعة الضغوط المعروفة عليها". وفي بغداد أ ف ب، دان "الحزب الديموقراطي الكردستاني" الذي يتزعمه مسعود بارزاني امس الصدامات. وقال بيان للحزب: "نحن في الديموقراطي الكردستاني، اذ نؤكد التآخي القومي بين الكرد من جهة وبقية شعوب بلدان الجوار من جهة أخرى وتعايشهم السلمي معا، ندعو الجميع الى نبذ العنف والقوة في حل المشكلات حيث ثبت ان العنف لا يجدي كما انه لم يعد مقبولاً في العلاقات بين الشعوب". وأوضح البيان الذي نشرته صحيفة "التآخي" الناطقة باسم الحزب انه "في هذه المناسبة ندين اعمال العنف هذه ونعرب عن التضامن مع عوائل وذوي الشهداء ونتمنى للجرحى الشفاء والسلامة ونتمنى حل المشكلات عن طريق الحوار والتفاهم لتجنب اعمال العنف". وفي بروكسيل، اعلنت مصادر في الشرطة ان نحو ستين كردياً اعتقلوا ليل السبت - الاحد، اثر عراك في حرم السفارة السورية التي تمكن 15 الى 20 متظاهراً من الدخول اليه. وصب أحد المتظاهرين مادة البنزين على جسمه، لكن لم يتح له الوقت لاضرام النار في ثيابه. الى ذلك، نقلت وكالة "فرانس برس" عن بيان لجماعة "الاخوان المسلمين" في سورية المطالبة بتشكيل "تشكيل لجنة تحقيق محايدة ونزيهة تشارك فيها مؤسسات الدفاع عن حقوق الانسان ولجان احياء المجتمع المدني وشخصيات وطنية موثوقة لتحديد المسؤول عن سفك الدماء".