ربما لم تكن مصادفة تماماً أن يرتب المحتلون الأميركان والانكليز، وأعوانهم من العراقيين، يوم الثالث عشر من تموز يوليو، مناسبة لانعقاد مجلس الحكم في العراق، الذي ضم 25 شخصاً قالوا انهم يمثلون الأطياف العراقية. فإن التاريخ يعيد نفسه على شكل مأساة مرة، وعلى شكل مهزلة مرة أخرى. أما في عراق اليوم، فقد أعاد التاريخ نفسه، في منتصف تموز 2003، على شكل مأساة ومهزلة في آن. فكانت مآس لا مثيل لها، ومهازل تضحك حتى الحزانى. ففي يوم الثالث عشر من تموز 1958، أكمل قادة الثورة العراقية الوطنية، عبدالكريم قاسم ورفاقه، كامل خططهم لدخول بغداد، واسقاط نظام التبعية لأميركا وبريطانيا. لذلك لم يكن عبثاً، أن أول بيانات هذا المجلس، كرست لإلغاء كافة الأعياد السابقة، وفي مقدمها بالطبع عيد ثورة الرابع عشر من تموز 1958، وعيد تأميم النفط العراقي. ومن سخريات التاريخ ومهازله ان يتخذ مجلس الحكم، في القرار ذاته، من يوم الاحتلال الأميركي - البريطاني للعراق، في التاسع من نيسان ابريل 2003، عيده الوطني وعطلته الرسمية. تتواصل المهزلة والمأساة حين يعلن المرجع الأعلى لهذا المجلس، بول بريمر انه يتكلم بإرادة الشعب العراقي، وحين يطلب من العرب وجامعتهم المنتهي مفعولها، ومن العالم ومنظماته الدولية، أن يعترفوا بشرعيته. ويراد للناس أن يصدقوا ان 25 مليون عراقي، وليس 25 شخصية عينهم بريمر لعضوية هذا المجلس، قد صوتوا لتلك الشرعية. ولنتحدث عمن يحسبون أنفسهم على الصف الوطني. نجد اليوم من يعلن عن وراثة المجد الوطني لرواد أمثال جعفر أبو التمن، وصلاح الدين الصباغ، وكامل الجادرجي ويوسف سلمان فهد، والعشرات غيرهم من رموز الكفاح الوطني والاصلاحي. من حق الخلف، ان يجدد في مدارس السلف، بل من واجبه ذلك. ولكن حينما يتحول الى ما يناقض تماماً منهج السلف، وخصوصاً في موضوع التعاون مع الاجنبي الطامع الذي يحتل البلاد، أو تبرير احتلاله، حينذاك يكون قد فقد شرعية وراثة السلف ومجده الخالد. لم يكن دخول أربعة أحزاب محسوبة على الحركة الوطنية في قوام هذا المجلس الذليل مصادفة. وهو ليس هفوة عابرة من بعض القادة. انه احدى الاصابات الاجتماعية الخطيرة التي بدأت تظهر منذ سنوات طويلة، تحت تأثير قساوة الديكتاتورية وبشاعة مآسيها. ولا بد أن نلاحظ ان الامبريالية العالمية، وعلى رأسها أميركا، قد ساندت الديكتاتوريات في كل العالم ومنها بلادنا. ثم راحت تذرف الدموع الساخنة على ضحايا الديكتاتورية وعلى مقابرها الجماعية، هادفة ان تستخدم بعض تلك الضحايا وطابوراً خامساً يتقدم غزوها، ويقيم ديكتاتوريات جديدة اكثر بشاعة، وبموديلات جديدة، وكتب عليهم "صنع في واشنطن وإسرائيل" خصيصاً للدول العربية والاسلامية، ولكن باسم الديموقراطية والاعمار، هذه المرة. لذلك، لا يمكن التشبث بالأمجاد الغابرة للسلف، ولا يمكن الاستعانة بأضوائها الساطعة لتنير درب من يسيرون بالاتجاه المضاد لها. ربما حرص الأميركان والانكليز على افراح الشيعة حينما وهبوهم 13 مقعداً من مجموع 25، أي ما يزيد عن نصف أعضاء مجلسهم الحاكم، ظانين ان السمسرة بالطائفية تجارة رابحة. إيرلندا - د. لطيف يحيى اختصاصي في القانون الدولي [email protected]