اليوم الأول لمجلس الحكم الانتقالي في العراق حفل بالتصفيق. بين المصفقين كان جون ساورز، نائب "الحاكم المدني" بول بريمر. ابتسامة علت شفتيه عندما شن جلال طالباني، الأمين العام للاتحاد الوطني الكردستاني، هجوماً على قناة "بي بي سي" متطوعاً من دون بقية الحاضرين للرد على سؤال لمراسل هيئة الاذاعة البريطانية عن شرعية المجلس، خلال مؤتمر صحافي تلا "تنصيب" مجلس الحكم. دافع طالباني عن شرعية المجلس وصلاحياته، لكنه لم يستطيع تمالك نفسه، قال: "كتبنا رسالة الى الحكومة البريطانية احتجاجاً على انحياز بي بي سي الى جانب النظام السابق". صفق بعض اعضاء المجلس وآخرون في الصالة. بريمر صفق أيضاً. لكن ساورز كان الأول في التصفيق، كأنه فعل تأييداً لرئيس حكومته في معركته مع "بي بي سي"، من على بعد آلاف الكيلومترات من لندن. تنظيم الاحتفال التاريخي اختل للحظة. هرع جندي أميركي مسؤول عن هندسة الصوت وفي يده بطاريات. كان ميكروفون المترجم الذي قرأ البيان الأول للمجلس الذي تلاه السيد محمد بحر العلوم بالانكليزية قد تعطل. التصليح لم يفلح. اضطر المترجم الى الوقوف وسط المنصة ليقرأ من الميكروفون الرئيسي. الصحافيون القادمون منذ الصباح الباكر ملوا الانتظار. اجتماع بريمر وساورز وممثل الأمين العام للأمم المتحدة سيرجيو دي ميلو مع اعضاء المجلس عقد عند الحادية عشرة. كان منتظراً أن يتم "اعلان" المجلس بعده مباشرة. لكن الترتيبات تغيرت. نحو الثالثة بعد الظهر دخل بريمر يرافقه دي ميلو وساورز الى الصالة. جلسوا. وراءهم جلس السفير رايان كروكر. بعد دقائق دخل اعضاء المجلس من بوابة جانبية للمنصة. أول الواقفين لتحيتهم كان بريمر. وقف الحضور. صفق بريمر. كان تصفيقه مبالغاً فيه وملفتاً. المنصة التي كانت تستقبل حتى شهور مضت نواب الرئيس صدام حسين ليلقوا خطبه، والشعراء المدّاحين الذين يمجدون عظمته، أُخليت أمس لخمسة وعشرين كرسياً لجلوس اعضاء مجلس الحكم الموقت الذين شعروا برهبة الموقف. بعضهم محنك لم يتهيب. بعضهم كانت لديه كلمة استحسنها وأراد قولها، ناسبت أم لم تناسب توقيتها. الدكتورة رجاء الخزاعي ردّت على سؤال عن السيادة واستباحة الاميركيين الدم العراقي بالقول: "قمت بتوليد ملايين ! النساء العراقيات. وما نريده هو المساهمة في توليد عراق جديد سيبنى على حقوق المرأة والانسان". أكثر الجوانب إثارة كان الهجوم على الفضائيات العربية. السيد نصير الجادرجي، عضو المجلس، استشاط غضباً، لدى طرح سؤال لقناة "الجزيرة". قال: "أوجه كلامي الى الجزيرة وبعض الفضائيات العربية. كفى تحريضاً للشعب العراقي الذي عانى الكثير، والذي ننتظر معه ابداء حبكم لشعبنا". دوّى التصفيق. شعّ وجه أحمد الجلبي مرحاً، صفق بارتياح معبراً عن استحسانه، هو الذي يفصله جفاء عن "الجزيرة". كثيرون صفقوا. السيد بحر العلوم أدلى بدلوه. قال: "مع كل الأسف كنا ننتظر من الفضائيات العربية من أول الحرب وحتى هذه اللحظة ألا تكون الى جانب النظام البائد. للأسف هذه الفضائيات خانت بنا". وأضاف منشداً: "كنا لهم حطباً في كل نازلة وكانوا لنا حمالة الحطب"، متسائلا: "الى متى يبقون يدعمون صدام حسين؟ يجب أن تستحي هذه الفضائيات". التصفيق كان بارزاً، وأثار بسمات ارتياح على وجه بريمر وكروكر وساورز. صحافيون احتجوا على الرد. في تلك اللحظة حاول شخصان من الحضور اطلاق هتاف لبوش وأميركا، لكن المحاولة بقيت يتيمة ولم تجد تجاوباً. بقي اليوم للعراقيين وحدهم.