قرأت للأستاذ نجدة فتحي صفوة "الحياة" في 17 حزيران/ يونيو 2003: "أتكون الملكية الدستورية هي النظام الأمثل للعراق؟". وبداية لا تكون قراءة التاريخ بعين واحدة، فتأخذنا الأهواء لمدح من نحب وذكر فضائلهم، والتغاضي عن سيئاتهم، وذكر سيئات من لا نحب. ان الأستاذ نجدة اراد القول ان النظام الجمهوري هو النظام الذي بدأ من 14 تموز يوليو 1958 الى هذا الوقت الذي انتهى باحتلال العراق. صحيح ان اسم النظام جمهوري. ولكن النظام الجمهوري هو في أثناء حكم عبدالكريم قاسم الذي قام على أساس وطني بعيد من التكتلات العائلية والعشائرية التي أتت بعد مقتل قاسم. وأما بعد ذلك فالشعار هو جمهوري، ولكن الواقع هو أقرب الى الديكتاتورية العشائرية، ثم العائلية، ثم الفرد الواحد. نعود الى الحكم الملكي العراقي الذي امتد قرابة 40 عاماً. فهل كان ديموقراطياً وتمتع العراق فيه بالحرية والازدهار واقتصاد متين كما ذكر الأستاذ؟ كان العهد الملكي العراقي للاتيان بفيصل الأول الى سدة الحكم، بحسب الرغبات الانكليزية. والسيد نجدة ادرى بذلك. ولم يكن الملك الفيصل الأول، وهو حجازي الأصل وليس بالعراقي، الدور الفاعل في جعل العراقيين متآلفين ومندمجين سياسياً، كما يدعي السيد نجدة. بل ان هذا كان موجوداً قبل وصول فيصل بسنوات طويلة. فالعراقيون أصحاب الحضارة العريقة، يحملون هذه العادات والصفات. والعراق بلد موجود منذ أزل التاريخ، وليس دولة حديثة رسم حدودها الانكليز. وهذه مغالطة كبيرة للواقع. وربط العهد الملكي العراق بمعاهدات وأحلاف لم تكن فائدة منها: معاهدات الانتداب 10/10/1922، و24/12/1927، ومعاهدة عام 1930، الى دخول العراق عصبة الأممالمتحدة في 3/11/1932. وبعد ذلك معاهدة 26/1/1948 التي أسقطها الشعب العراقي بدمه، ومعاهدة 24/ 2/1955 التي عرفت بمعاهدة حلف بغداد السنتو. هذه المعاهدات وقعها النظام الملكي بعيداً من رغبة الشعب العراقي وتطلعاته، ولجعل العراق قاعدة معادية لدول الجوار الإقليمية، وقمع كل تحرك قام به الشعب العراقي من اضرابات وحركات، بالقوة. وأذكر منها: عام 1932، المذابح التي قام بها في شمال العراق في قرية سمبل الاشورية" عام 1934 ضد ابناء العشائر في الفرات الأوسط لرفضهم التجنيد الاجباري" عام 1941 بعد قمع حركة الضباط المعروفة باسم "العقداء الأربعة"" 27/1/1948 وثبة كانون ومجزرة "جسر الشهداء" في بغداد رفضاً للمعاهدة البريطانية" 24/10/1952 الانتفاضة الجماهيرية ضد وزارات العهد الملكي وقد زج الجيش لقمعها، وأعلنت الأحكام العرفية" عام 1952 قمع انتفاضة فلاحية في منطقة العمارة الأزيرج والوقوف بجانب اقطاعيي تلك المنطقة" عام 1953 قمع انتفاضة فلاحية في منطقة أربيل دزه ئي" الى قمع كثير من الاضرابات العمالية. أما ان العراق كان يتمتع باقتصاد متين فيجب التوقف عندها قليلاً لنرى كيف تمتع العراق باقتصاد قوي. فأي اقتصاد قوي و80 في المئة من سكان العراق كانوا يعانون الفقر، ونسبة كبيرة منهم لا تملك داراً للسكن، بل تعيش في أكواخ من الطين بعيدة من الشروط الصحية، ولا تصلها مياه أو كهرباء أو قنوات صرف صحي؟ وما هي المشاريع الحيوية التي أقامها النظام الملكي في مدة حكمه التي امتدت قرابة ال40 سنة؟ وأي مكاسب جناها الشعب العراقي منه مقارنة بما قام به النظام الجمهوري في عهد عبدالكريم قاسم الذي امتد اربع سنوات ونصف السنة؟ يكفي انه في تلك السنوات الأربع شيد نحو المئة ألف منزل في أنحاء العراق، وزعت مجاناً على الفقراء، ممن لا يملكون داراً للسكن. وأنشأ المشاريع الانتاجية، من شمال العراق الى جنوبه، بعد وضع أول خطة خمسية وضعت عام 1960 - 1964. ونقول ان ما جرى يوم 14 تموز 1958 ثورة، وليس مؤامرة دبرها بعض الضباط كما يدعي الأستاذ نجدة، وذلك لمعرفة الأحزاب المشتركة في جبهة الاتحاد الوطني، في آذار مارس 1957 بموعد الثورة قبل ثلاثة أيام من القيام بها. فعبدالكريم قاسم أبلغ كامل الجادرجي الحزب الوطني الديموقراطي من جانب شخص، وأبلغ الحزب الشيوعي من طريق يونس الطائي، وكذلك أرسل شخصاً لفؤاد الركابي من حزب البعث، وصدّيق شنشل من حزب الاستقلال، وأبلغ الحزب الديموقراطي الكردستاني. وهذه الأحزاب بدورها أبلغت عناصرها، ووضعتهم في حال الانذار. وليرجع الأستاذ الى البيان الأول للثورة الذي دعا الجماهير الى مؤازرة الجيش في ثورته: ولبت الجماهير مطاليب الثوار، فامتلأت الشوارع بهم صبيحة يوم 14 تموز 1958. وليرجع الأستاذ الى أرشيف الصور التي التقطت صبيحة يوم 14 تموز، قرب وزارة الدفاع في منطقة الميدان ببغداد، ليتأكد من التأييد الشعبي للثورة. أما ما جرى في حق الأسرة المالكة، فالسؤال هو: هل كان الشعب العراقي يؤيد الملكية؟ لو كان الشعب يؤيدها لما قتل من قتل بهذه الصورة. ولو كان النظام ديموقراطياً لما حظر نشاط الأحزاب الكبيرة وحاربها لاختلافه ايديولوجياً معها وأعدم بعض قياداتها عام 1949. أما عن الانتخابات المزورة للمجلس النيابي فحدِّث ولا حرج. وقد تحدى نوري السعيد، في إحدى المرات، النواب قائلاً: "ان كل النواب جاؤوا الى المجلس بإرادة حكومية وإذا كان هناك من يدعي عكس ذلك فليقدم استقالته، ويخض الانتخابات مرة أخرى لنرى هل بإمكانه أن يفوز رغماً عن الحكومة أم لا". ولم يستقل أي نائب من النواب استجابة لتحدي نوري السعيد. وفي انتخابات مجلس النواب في حزيران 1954 استطاعت الجبهة الوطنية انتخاب عشرة نواب للمجلس الجديد. وعلى رغم قلة عدد النواب المعارضين، جرى تعطيل المجلس بعد جلسة أولى، وجيء بنوري السعيد ليؤلف وزارة جديدة في 3 آب أغسطس 1954 بناء على تدخل السفير البريطاني نقلاً عن "تاريخ الوزارات العراقية"، ج 9، لعبدالرزاق الحسين. ومن ممارسات النظام الملكي مرسوم اسقاط الجنسية، خلافاً لما يقضي به الدستور، واعتقال من يختلف معه، وإغلاق صحف الأحزاب المعارضة، وتقديمهم الى المحاكم كامل الجادرجي عن جريدة "الأهالي"، عزيز شريف عن جريدة "الوطن"، وناظم الزهاوي عن جريدة "السياسة"، والمسؤول عن جريدة "لواء الاستقلال". وعلى العكس نجد انه بعد ثورة 14 تموز 1958 أجيزت في بغداد وحدها 45 جريدة ومجلة، وخارج بغداد حوالى 20 جريدة ومجلة. والمحاكمات التي أجريت ضد رموز العهد الملكي، ومن وقف ضد النظام الجمهوري، كان تنقل عبر الإذاعة والتلفزيون مباشرة. وأخيراً ان الملكية العراقية أصبحت من الماضي. وإن كانت الظروف والقوى الدولية أوصلت النظام هذا الى حكم العراق، فالظرف الحالي مغاير لندن - سعد الخزرجي