أثار عرضي كتاب البروفسورة جسيكا ستيرن "الارهاب باسم الله: لماذا يقتل المتدينون المتطرفون" عاصفة من ردود القرّاء لم تهدأ على رغم مضي أسبوع على النشر. وكان أكثر الرسائل من قرّاء يهود قرأوا هذه الزاوية مترجمة الى الانكليزية على الانترنت، مع وجود قرّاء آخرين أقلهم من العرب. وفي حين اتفقت آراء واختلفت آراء، فإن ما يجمع بين الرسائل هو انها كلها بالانكليزية، وتلقيتها عبر البريد الالكتروني. القارئ وليام ماكفرسون قال ان عرضي كان "قطعة عميقة التفكير"، والقارئ ستيف ب. قال: "انه رائع وتعلمت منه كثيراً". ولكن في مقابل رسالتين يتيمتين امتدحتا الزاوية كانت هناك بضع عشرة رسالة هاجمت كاتبها والعرب والمسلمين، مع حماس والجهاد ومن لفّ لفهما. غير انني أريد ان أبدأ بتصحيح عبارة قلتها هي "كما كان آل كابوني يشهر مسدسه عندما يسمع كلمة ثقافة" فقد تلقيت رسائل من قرّاء قالوا ان صاحب العبارة هو هيرمان غورنغ. وهذا صحيح، غير ان هناك من ينسب العبارة الى آل كابوني، مع ان الأصح هو نسبتها الى غورنغ. وقد رددت على بعض هذه الرسائل مباشرة، وأسجل أسماء قرّاء آخرين نسبوا العبارة الى الزعيم النازي هم م. والاك وس. م. هاريس وريتشارد ماليكين. والآن ندخل في الجد، فهناك عدد من الرسائل يبدو انها مرسلة من ليكوديين متطرفين، ومشكلة هؤلاء انهم يرون بعين واحدة، يرون نصف ما أكتب، ولكن ليس النصف الآخر، ويرون العمليات الانتحارية، ولكن ليس الجرائم النازية المستوى لحكومة آرييل شارون، وهناك كل يوم مجزرة في غزة لمن يريد النظر. القرّاء سوزان م. وفيونا اوكونر ومايكل ادلر سجلوا أنني قلت: "وكان الاسم ستيرن يكفي لإبعادي عن الكتاب لو رأيته في مكتبة"، واعتبروا في ذلك ما يثبت "لاساميتي". الغريب انني مهدت لهذه العبارة بالقول عن الخبراء في الارهاب حرفياً: "والخبراء الأميركيون عادة شارونيون ليكوديون يكذبون لتغطية جرائم الحكومة الاسرائىلية بتحويل الأنظار الى الآخرين". وهذا يعني انني تحدثت مع خبراء معينين، لا اليهود كلهم، ثم ان الاسم ستيرن يذكّر أي عربي بتلك المنظمة الارهابية اليهودية التي أفرزت اثنين من رؤساء الوزارة الاسرائىليين. جسيكا ستيرن بعيدة عن كل هذا، وقد سجلت تقديري جهدها وموضوعيتها. غير ان القرّاء الثلاثة يقلبون الحقائق على رأسها واوكونر تقول انه لم يوجد ابداً ارهاب يهودي حتى في أحلك أيام الهولوكوست، وتنسى ستيرن، العصابة لا الكاتبة. أما ادلر فيدخل في حقارة ان يقارن الأردن ومصر بالاحتلال الاسرائىلي، ما لا أريد ان أكرّمه بردّ. ووجدت مثل هذا التفكير المريض في رسالة من القارئ مارتن ارونسون فهو يرفض ان اعتبر حماس والجهاد حركات تحرّر وطني، ولا يرى ما سجلت من اعتراضي على العمليات الانتحارية ودعوتي الى وقفها. بل هو يزيد بوقاحة شارونية ان "العرب، بمن فيهم الفلسطينيون، حاولوا انهاء الوجود اليهودي في اسرائيل منذ وصول أول المستوطنين في الثمانينات من القرن التاسع عشر". هو لم يرَ ان المستوطنين وصلوا الى فلسطين، لا اسرائيل، فهذه لم توجد على أرض فلسطين كلها إطلاقاً، وإنما وجدت دويلة صغيرة استمرت نحو 70 الى 80 سنة، وانتهت بحروب أهلية ومذابح بين اليهود. والاسرائىليون الآن في فلسطين منذ 56 سنة ومن دون ان يعثروا على أثر واحد عن تلك الدولة المزعومة. وأنا لم أثر هذا الموضوع أصلاً، وإنما هم أثاروه. وباختصار: - القارئ آدم م. يتحدث عن تخلف العرب وحاجتهم الى اللحاق بالركاب. ولا اعتراض لي على كلامه، وإنما هو لا يبرّر جرائم الحكومة الاسرائىلية. - القارئ ايفان روزن يقول ان رفضي اعتبار حماس والجهاد منظمتين ارهابيتين، دليل "لاسامية". وأقول له انني أعارض العمليات الانتحارية، ويبقى ان يعارض هو جرائم حكومة اسرائىل التي تزايد في نازية تعاملها مع الفلسطينيين على النازيين أنفسهم، واذا لم يفعل فسأتهمه بدوري باللاسامية. - القارئ جاي بلاف يقول ان الارهاب لا علاقة له بعدالة القضية ويعتبر حماس والجهاد والجبهة الشعبية وفتح وكتائب شهداء الأقصى منظمات ارهابية لاستهدافها مدنيين. غير انه مثل كل القراء الليكوديين الذين سبقوه لا يكمل بالحديث عن ارهاب الحكومة الاسرائىلية وجرائمها، وعن مجرم الحرب الذي يترأسها، وعن منظماتها الارهابية من جيش "دفاع" وموساد وشاباك وغيرها. بعد كل ما سبق أشكر القارئ العربي منير اندوني هندلي على رسالته التي سجّل فيها بعض الآراء التي أبديتها هنا رداً على القرّاء الشارونيين فنحن متفقان. وأكمل برسالة جيدة من القارئ جين غيركوف الذي قال انه طالب في كلية القانون في هارفارد، وسمع بعض محاضرات البروفسورة ستيرن. وهو يعترض على تبرير "الاذلال" سبباً للعمليات الانتحارية، وقد سجلت هذا السبب في عرضي الأصلي نقلاً عن الكتاب من دون ان أؤيده. وينهي القارئ رسالته بتعريف الارهاب على انه عمل عنيف من جماعة لا تمثل دولة ضد هدف لا يمثل دولة أي غير رسمي وحماس والجهاد بالتالي منظمتان ارهابيتان. وكنتُ أتمنى لو ان القارئ الذي يدرس القانون كان سجّل لنا رأيه في ما تمارس حكومة شارون ضد الفلسطينيين، وهل هو ارهاب أولاً. وأختتم ببعض السخرية فالقارئ روبن ماير تحدث عن 1400 سنة والمسلمون يضطهدون اليهود، وقال: "سيعتذر المسلمون الى اليهود يوماً على ما اقترفوه في حقهم". ورأيت ان أغيظه كما أغاظني، فقلت له في رد خاص "سيعتذر اليهود يوماً الى المسلمين، ويتركون فلسطين ويعودون الى روسيا وبولندا، وهم اذا دفعوا ايجار بقائهم في فلسطين، فقد نقبل اعتذارهم". ثم نبهته الى ان جميع المذابح عبر التاريح بين العرب واليهود، بما فيها دير ياسين، لا تعادل بعد ظهر واحد في اوشفيتز أو تربلينكا، لذلك أقترح ان يؤسس اليهود دولة لهم في مقاطعة وست راين فستفاليا، من أعمال ألمانيا. وأعتذر عن السخرية في موضوع جاد للغاية.