لا يزال رئيس الوزراء البريطاني توني بلير يؤكد تغييراً في العمق طرأ على موقفه من ملف الشرق الأوسط، وبات يتكرر في تصريحاته وخطبه، وكأنه ملزم في هذه المرحلة أن لا يخرج عن الخط البوشي، أو أن هذا هو موقفه أصلاً وكان يموهه سابقاً إلى أن قرر أن يجهر به. في جلسة مجلس العموم يوم الأربعاء الماضي سأله السير بيتر تابسل نائب من المحافظين: ما هي الخطوات التي اتخذت لإقناع إسرائيل بالتخلي عن أسلحة الدمار الشامل لديها. أجاب بلير: "أود أن أرى كل الشرق الأوسط خالياً من تهديد أسلحة الدمار الشامل، لكنني آمل بأن الزميل المحترم يعترف بخصوصية قلق إسرائيل على أمنها، فهي محاطة ببلدان عدة، وبعض هذه البلدان لا يزال يهدف إلى تدمير دولة إسرائيل. لدي انتقاداتي لسياسة إسرائيل، لكنني اذكركم بأنها دولة ديموقراطية، وأن حكوماتها ينتخبها الشعب. في الوقت نفسه، وفيما نعمل لإزالة أسلحة الدمار الشامل من أي بلد في المنطقة، لا بد أن نعترف بأهمية احترام أمن إسرائيل". الترجمة الأمينة لهذا الكلام، وبعيداً عن الحذلقات التي مورست في ملف الأسلحة العراقية، هي أن السيد بلير يؤيد وجود أسلحة الدمار الشامل لدى إسرائيل بداعي أن أمنها يتطلب ذلك. هنا، أيضاً، يبدو أن أجهزة الاستخبارات "أخفقت" في اعطاء رئيس الوزراء معلومات دقيقة عن تسلح جيران إسرائيل العرب، وعن الخطر الحقيقي الذي يشكلونه حالياً على إسرائيل وأمنها، وبالأخص عن مدى التهديد العكسي، أي الذي تشكله ترسانة إسرائيل النووية والكيماوية والبيولوجية على جيرانها. فالأمن يسير في اتجاهين لا في اتجاه واحد. هذه "المعلومات" متوفرة، ويعرفها بلير كما يعرفها جورج بوش، لكنهما يفضلان أن لا يريا الحقيقة كي لا يضطرا للاعتراف بها. لذا فهما بنيا سياستهما الشرق الأوسطية استناداً إلى رؤية بعين واحدة. صادف هذا التصريح البليري المنحاز "مبادرة" أعلنها بوش في اليوم نفسه، مفادها أنه يريد إعادة النظر في معاهدة الحد من انتشار الطاقة النووية لتحديد الدول التي يسمح لها بإنتاج هذه الطاقة. بوش لا يفكر بدوره في إسرائيل وإنما يسعى إلى حرمان دول معينة من الطاقة النووية إذا كانت حصلت عليها أو هي في صدد العمل على انتاجها. وبديهي أن الرئيس الأميركي سيستثني إسرائيل من الشروط التي يريد ادخالها في المعاهدة. أكثر من ذلك، لا بد أن حماية الترسانة الإسرائيلية هي بين الدوافع الرئيسية التي يستند بوش إليها في "مبادرته". وطالما أن الشرق الأوسط "الكبير" هو محور الهوس الاستراتيجي في واشنطن حالياً كوريا الشمالية تبدو نقطة محيّدة ومهمشة، باعتباره يمتد من المغرب إلى باكستان، فلا عجب إذا جرى تحريف الشعار الدولي المعروف ليصبح: "شرق أوسط كبير باستثناء إسرائيل خال من أسلحة الدمار الشامل". استطراداً، لا ريب في أن الترسانة الإسرائيلية ستكون من "ثوابت" أي "حل سلمي" - إذا حصل - لقضية الشرق الأوسط. ولكن، في الوقت الراهن، لا أحد يبحث عن هذا الحل، لا إسرائيل التي عطلت وتعطل أي مسعى، ولا الولاياتالمتحدة ولا أوروبا ولا العرب. الجميع يبحث عن الحل عند الفلسطينيين وكأن أسلحة الدمار الشامل التي اختفت في العراق انتقلت إليهم. في هذه الأثناء يستمر التعامل مع الواقع بخبث شديد الوقاحة، كما في الموقف من الجدار وعرض قضيته على محكمة العدل الدولية. الأميركيون انتقلوا من الصمت إلى التهديدات، والأوروبيون يواصلون التذبذب، ناصحين بأن الذهاب إلى لاهاي "يؤثر سلباً" على جهود الحل، وكأن الحل في يدهم وكانوا على وشك البدء بتنفيذه ثم طرأ ما عرقل مساعيهم. أما وزير الخارجية البريطاني جاك سترو فيبدو أنه بحث طويلاً عن أكثر الكلام لطافة ليقوله لزائره مجرم الحرب شاؤول موفاز، فلم يجد أفضل من القول إن بريطانيا "قلقة" من "افراط" إسرائيل في استخدام القوة ضد الفلسطينيين. لا شك في أن موفاز قابل سذاجة هذا الكلام بكثير من السخرية.