ليس صعباً عندما تسير في شوارع لندن ان يتكون لديك انطباع بأنها عاصمة عالمية يقيم فيها اناس من جنسيات مختلفة. ومن الطبيعي جداً ان ترى امرأة مسلمة تضع حجابها أو رجلاً من السيخ يعتمر عمامته، كما ان من الطبيعي ان ترى شاباً علق بلسانه حلقة من حديد أو شابة صبغت شعرها باللون الأخضر. ونادراً ما ترى شخصاً يتوقف في الشارع لينظر باستغراب الى غيره، فقد اعتاد معظم سكان لندن على ما يرونه من اختلاف الاجناس واللباس وصرعات الموضة. ومع تزايد الحديث عن قرار منع ارتداء الحجاب في المدارس الفرنسية، عاد الحديث الى دور المسلمين في المجتمعات الغربية وكيفية تأقلمهم فيها. الا ان الحال في لندن تختلف عن غيرها من المدن الأوروبية، وحتى عن غيرها من المدن البريطانية. ففي العاصمة، كبرت الجالية المسلمة ونشأ جيل جديد من المسلمين البريطانيين المندمجين في المجتمع البريطاني عامة. وتعتبر جامعات لندن ملتقى الجنسيات المختلفة التي ينشأ فيها احتكاك فعلي بين فئات الجيل الجديد من الطلاب البريطانيين، ليس فقط في قاعات المحاضرات وانما على المستوى الاجتماعي أيضاً. وتتميز جامعة لندن بسعيها الى تقديم فرص التعليم لجميع الراغبين في الدراسة، مفرقة بينهم فقط على مستوى اكاديمي. وتفتخر كلية لندن الجامعية بكونها أول جامعة في انكلترا تقبل جميع الطلاب بغض النظر عن ديانتهم أو عرقهم منذ تأسيسها عام 1826، كما انها كانت أول مؤسسة تعليمية بريطانية تقبل دخول النساء على المستوى نفسه مع الرجال عام 1978 في وقت كانت الجامعات العريقة مثل أوكسفورد وكامبردج تمنع تخريج النساء. وبعدما توسعت جامعة لندن لتتضمن كليات أخرى مثل كينغز ومدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية، اتبعت النهج نفسه، وتواصلاً مع هذا التاريخ، قبلت هذه الكليات دخول طلاب من اديان مختلفة بالاضافة الى الطالبات المحجبات. وفي جولة في كليات جامعة لندن، التقت "الحياة" طالبات يرتدين الحجاب وسألتهن عن حياتهن الجامعية فبدا الأرتياح عليهن. وأكدت طالبة الادارة والرياضيات في كلية كينغز بان صالح 22 عاماً انها لم تلق صعوبة في الجامعة بعدما قررت ارتداء الحجاب في سنتها الجامعية الثالثة، بعد قضاء سنتين مع زملائها من دون حجاب. وعن عودتها الى الجامعة بعد انتهاء العطلة الصيفية وارتدائها الحجاب قالت ان معظمهم اساتذتها وزملائها لم ينتبهوا كثيراً للتغيير. وأضافت "سألني البعض عن قراري واحترموا خياري. ولم يشعروني بأنني اختلف عنهم بسبب حجابي". ووافقت طالبة الحقوق في كلية لندن الجامعية سكينة جبارا 21 عاماً على كلام بان واضافت "لم أشعر باختلاف في تعامل الطلاب أو المدرسين معي على الاطلاق". الا انها اعتبرت انه من الطبيعي ان يجتمع الطلاب من الخلفيات المتشابهة في الجامعة وهذا ليس فقط بالنسبة الى المحجبات بل بالنسبة الى معظم من يأتي من بلد آخر ويفضل الاختلاط بمن يشبهه. ولكن لم يمنع ذلك تطور صداقات بين طالبات محجبات وغيرهن من الطلبة. وعلى رغم انه لا توجد مفارقات واضحة بين طالبة محجبة وغيرها اثناء المحاضرات، الا ان هناك بعض الاختلاف في حياتهن الاجتماعية. وشرحت سكينة ان "ارتداء الحجاب يعني انني مسلمة وان حياتي الاجتماعية تختلف عن غير المسلمين". وأشارت هنا الى بعض الأمسيات الطالبية التي عادة ما تتضمن شرب الكحول والسهر في نواد ليلية. وقالت طالبة العلوم السياسية اسراء جواد 19عاماً: "يلتقي الطلاب في حانوت الجامعة ويشربون الكحول فلا أرافقهم. ولكنهم يحترمون ذلك واستطيع الذهاب الى اماكن أخرى". وكان من الواضح ان الطالبات يعتبرن ارتداء الحجاب ضمن هويتهن الشخصية، ولكن اسراء أوضحت انه "ليس العامل الوحيد في شخصيتي ولدي المزيد من الخصال التي يجب ان يتعرف اليها الآخرون. ومعظم الناس يرون المحجبة ولا يرون شيئاً الا حجابها، ولكن بعد فترة وجيزة يبدأون نسيان ذلك ويبذلون جهداً اكبر للتعرف الي حقاً". وشددت ان على أهمية التفاعل مع المجتمع الذي يعيش فيه الانسان والتأقلم معه، مع التمسك بهويته الشخصية وديانته "ارتداء الحجاب لا يمنع الاندماج في المجتمع البريطاني، على من يأتي هنا ان يتعلم اللغة الانكليزية ونيل التعليم العالي. وحينها سينجح في حياته هنا". وتابعت بان ان طريقة ارتداء الحجاب تؤثر في رد فعل غير المسلمين، "ارتديت الحجاب ضمن اتباعي تعاليم الاسلام، حينها لم اواجه صعوبات، على العكس لم ألق شيئاً الا الاحترام". ومن جهتها، رأت سكينة ان النظرة الى المسلمين عامة، والى المحجبات خاصة، تغيرت بعد احداث 11 ايلول سبتمبر 2001. وقالت: "قبل أحداث أيلول كدت ان أنسى انني محجبة لأن الشارع البريطاني اعتاد رؤية المحجبات ولم يعد ينتبه الي المارة ولم أشعر بالفرق. ولكن بعد احداث ايلول رجعنا الى الوراء وبدأنا الآن نتأقلم ثانية ونشعر بالارتياح بعد فترة صعبة". وكغيرها من المحجبات، شددت سكينة على أهمية طريقة التصرف، عندما تكون منفتحة ومستعدة للتفاهم، يكون الغير أقل توجساً في التعرف اليها. وفرقت سكينة بين شرائح الشارع اللندني، بحسب الطبقات الاجتماعية والاختلاط مع جنسيات مختلفة. وقالت: "من يأتي من خلفية أقل حظاً في المجتمع، عادة ما يحقد على الأجنبي لأنه يتخيل ان من يأتي من خارج البلاد يأخذ فرص العمل البريطانية ويهدد نمط الحياة. في جامعة لندن الوضع يختلف، فمعظم الطلاب يتمتعون بعقلية منفتحة ولا يستغربون وجود المحجبات بينهم". وأضافت: "ذهبت الى ميلانو منذ مدة قريبة وشعرت ان 90 في المئة من المارة يحدقون في". وأشارت ان الى ان غالبية الجامعات البريطانية والمؤسسات الحكومية تمارس سياسة التمييز الايجابي. وهذه سياسة اتبعتها دول غربية عدة لفرض حصة معينة للأقليات في المجتمع ومنها المسلمون. وأوضحت ان ان هذه السياسة ساعدت دخول الأقليات الى المؤسسات البريطانية، خصوصاً في العاصمة، ما جعل سكانها يعتادون على رؤية اقليات مختلفة في واجهة المجتمع. ولكن اسراء، التي درست في كلية لندن الجامعية لفترة وجيزة ثم انتقلت الى مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية، رأت ان الدراسة في الأخيرة أسهل بالنسبة اليها لأن نسبة المحجبات والمسلمين فيها أعلى من الأولى. وتابعت ان مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية أقامت غرفة صلاة للمسلمين قبل كلية لندن بأعوام وهي تهيء جواً أفضل للمسلمين في رمضان بسبب كثرة الطلاب الذين يصومون مقارنة بغيرها من الجامعات. الا ان سبب ذلك طابع الجامعة الذي يختص بدراسات الشرق الأوسط فتأتي اليها نسبة عالية من المسلمين والشرق أوسطيين ليتخصصوا في مجالات تهم بلدانهم. واستبعدت الطالبات إمكان اصدار قرار بريطاني مماثل للذي صدر في فرنسا لمنع الرموز الدينية في المدارس. وأشارت سكينة الى النظام السياسي في بريطانيا قائلة انه من غير الممكن اتخاذ الحكومة البريطانية اجراءات كهذه لأنها لن تعمل ضد رأي الشارع البريطاني الذي يعتز بحريته الشخصية. وقالت اسراء ان تاريخ بريطانيا لا يسمح بمثل هذه الاجراءات التعسفية، مضيفة: "بريطانيا مكونة من انكلترا وسكوتلندا وايرلندا وويلز، أعراق مختلفة تجعل سكانها أكثر تسامحاً مع الأجناس المختلفة التي تقيم هنا الآن". ووافقت ان اسراء رأيها ولكنها أضافت: "توقعت رد فعل أقوى من الشارع البريطاني ضد القرار الفرنسي، الا انهم فضلوا عدم التدخل في شؤون يرونها خاصة".