لم تجد طالبة الحقوق سناء (21 سنة) وسيلة تلتفّ بها على قرار جامعتها القاضي بمنع ارتداء الحجاب أو «الزيّ الطائفي» داخل أسوار الجامعة ، غير تعديل وضعية حجابها إلى ما يشبه غطاء الرأس التونسي التقليديّ المعروف ب «الفولارة». التعديل الذي لجأت إليه سناء كان لتفادي نظرات أعوان الأمن الجامعي الثاقبة التي تترصّد الطالبات اللواتي يرتدين «الزيّ الطائفي» بحسب تعبير مسؤولي الحكومة والإداريين. لكنّ هذا التعديل على غطاء الرأس الذي لجأت إليه طالبة الحقوق «موقّت وإلى حين». وتقول سناء ل «الحياة»: عندما كان الأمر يتعلّق ببعض المناوشات مع إدارة الجامعة حول ارتداء الحجاب، لم أكن آخذ المسألة على حمل الجدّ، أما وقد تدخّل أعوان الأمن على الخطّ فقد اخترت عدم المواجهة خوفاً من العواقب ، كل ما يمكنني فعله هو تعديل وضعية غطاء الرأس بكشف أجزاء أخرى من وجهي من دون كشف خصلات الشعر، بما يضلّل أعوان الأمن الجامعي ولما أغادر أسوار الجامعة أنا حرة في ارتداء ما أشاء». ما ذكرته سناء ل «الحياة» قد يلخّص حيرة الآلاف من طالبات تونس المحجبات وقلقهن، ممّن فوجئن في بداية العام الدراسيّ الجديد بقرارات صادرة عن مؤسسات تعليمية عليا وثانويّة تقضي بإجبار الطلاب على التوقيع على إقرار ينص على التزامهنّ الحضور إلى المؤسسات التعليمية ب «ملابس محترمة» ومن ذلك حلق اللحى بالنسبة الى الذكور وخلع الحجاب بالنسبة الىالإناث. «على الطلاب «تحجير (تجنب) اللباس الطائفي والالتزام بالحضور إلى المؤسسة الجامعية بلباس محترم ومظهر لائق: ذقن محلوق ورأس مكشوف وهندام محترم»، هذا ما ورد في النظام الداخلي لأحدى المؤسسات الجامعية في تونس. وعادة لا تكتفي الجامعات والمدارس في تونس بمثل هذه البنود للتصديّ لظاهرة الحجاب التي تقلق مسؤولي الحكومة إلى درجة اعتباره «زياً طائفياً ورمزاً سياسياً لبعض الحركات الأصولية» ، بل تستند تلك الإدارات إلى عناصر الأمن لتعقّب المحجبات وتهديدهنّ أحياناً للكفّ عن ارتداء الحجاب بحسب ما نقلت بعض جمعيات حقوق الإنسان المحليّة. ورأت منظمات حقوقيّة أنّ الحملة على المحجبات «استعرت» مع بداية السنة الدراسية الجديدة ، وذكرت «لجنة الدفاع عن المحجبات في تونس» أنّ «حرباً محمومة يتعرض لها الحجاب والمُحجبات على يد السلطة الرسمية التي سخرت كل مؤسسات الدولة وإداراتها لمحاربة الحجاب وغيره من مظاهر التدين». ووزعت في شوارع تونس مناشير وقوانين تمنع ارتداء الحجاب أثناء الدراسة والعمل وفي الإدارات الرسمية، لكنّ المحكمة الإدارية العليا قضت في كانون الأول (ديسمبر) 2006 ب «عدم دستورية» المنشور رقم 108 الصادر في 1981 الذي يمنع اللباس الطائفيّ، وأكدت المحكمة أن القوانين التي تمنع ارتداء الحجاب بتونس غير شرعية وغير قانونية لمخالفتها الدستور. كما قضت المحكمة ذاتها أواخر العام 2007 ببطلان قانون مشابه، وهو القانون عدد 102 الصادر في 1986، وذلك خلال بتّها في دعوى قضائية رفعتها مُدرسة رداً على قرار وزير التربية يقضي بإيقافها عن العمل وحرمانها من الراتب على خلفيّة ارتدائها الحجاب. منى طالبة لغة الإيطالية، توجّهت الى الجامعة في محافظة «قابس» الجنوبيّة للمرة الأولى ، أكدت ل «الحياة» أنها «تعرّضت للعرقلة والمنع من الترسيم إلى حين نزعها للحجاب» وتضيف: «القانون كان واضحاً : ضرورة نزع الحجاب لأنه زيّ طائفيّ والاكتفاء بلباس تونسيّ محترم لا يحمل دلالات سياسية، هذا ما أبلغتني به إدارة المعهد العالي، وقد رضخت لطلبها من دون تردّد فدراستي ومستقبلي فوق كلّ اعتبار». لا ترضخ معظم الطالبات المُحجبات في تونس إلى إجراءات إدارات المؤسسات التعليمية التي اعتبرنها «جائرة» و «تحدّ من حرياتهنّ الشخصيّة في اللباس» و يعمدن إلى التمرّد على تلك الإجراءات والقوانين ، فسميرة (24 سنة) تختار الصّدام سواء مع مدير الجامعة أم مع أعوان الأمن المرابطين أمام مؤسسات التعليم العالي وتقول: «الحجاب مفروض شرعاً على النساء المُسلمات ، ولا يحقّ لأي كان التدخّل في حرية اللباس الذي ينصّ عليه دستور الجمهورية، عادة ما أشتبك مع أعوان الأمن في مشادات صاخبة لأنني أرفض الانصياع لتهديداتهم ومُستعدة لتحمّل عواقب اختياراتي ، لن انزع الحجاب الشرعيّ حتى إن اعتبرته حكومتنا مستورداً من إيران الخُمينية كما ادعت سابقاً» . أكاديميّون عرب طالبوا الأسبوع الماضي بإلغاء المراسيم التي تحظر الحجاب في الجامعات التونسية، وتوجّهوا بنداء إلى الرئيس زين العابدين بن علي ل «معاقبة الجامعات والمؤسسات التي تحظر ارتداء الحجاب». وأثار نداء الجامعيين العرب ارتياحاً بين عدد من المحجبات في تونس ممّن اعتبرنه «وسيلة جيدة للضغط على الحكومة لإجبارها على احترام حقهنّ في ارتداء الحجاب». وذكرت «الجمعية الدولية للمترجمين واللغويين العرب» أنها مستعدّة ل «تشكيل وفد من وجهاء الجمعية وأعيانها ومفكريها ومثقفيها للاجتماع بالرئيس التونسي»، كما قررت الجمعية معاقبة الجامعات والمسؤولين التونسيين الذين يثبت تورطهم في حملة التنكيل بالمحجبات، وذلك ب «مقاطعتهم وعدم دعوتهم الى المشاركة في المؤتمرات العلمية الدولية، وبوضعهم على القائمات السود لأعداء الحجاب» بحسب ما ورد في بيان الأكاديميين العرب.