ارتفاع منشآت القطاع الخاص إلى 1.35 مليون منشأة في 2024    «الصناعات العسكرية» تنظّم مشاركة السعودية في معرض الصين الدولي للطيران    161,189 مسافراً بيوم واحد.. رقم قياسي بمطار الملك عبدالعزيز    الحق الأصيل    وزير الخارجية يترأس الاجتماع التحضيري للقمة العربية والإسلامية بالرياض    السعودية واليمن.. المصير المشترك    الأخضر يدشن تدريباته في ملبورن    المزهر مديراً للإتصال المؤسسي ومتحدثاً رسمياً بنادي الاتحاد    بيولي يطالب ادارة النصر بودية لتجربة العقيدي    الدوسري مهدد بالإيقاف    أحمد قاسم.. عرّاب الأغنية العدنية ومجددها    209 طلاب يتنافسون للالتحاق بالجامعات الأمريكية عبر «التميز»    القناوي: قمة الرياض العالمية للتقنية الحيوية تواكب النقلة في العلاج الجيني    5 أسباب لسقوط أسنان المسنين    عدم الإقبال على القروض    اطلع على مشاريع المياه.. الأمير سعود بن نايف يستقبل أعضاء الشورى المعينين حديثاً    22.819 راكبا يستخدمون القطارات يوميا للتنقل بين المدن    تسلق الجبل الثاني.. رحلة نحو حياة ذات هدف    فلسفة صناعة كرة القدم    « ميامي الأمريكي» يفوز بجولة نيوم لكرة السلة «FIBA 3×3»    مرحلة (التعليم العام) هي مرحلة التربية مع التعليم    وزارة الصحة تضبط ممارسين صحيين بعد نشرهم مقاطع غير لائقة    «جوجل» تلجأ إلى الطاقة النووية بسبب الذكاء الاصطناعي    المملكة تدين الهجوم الإرهابي في بلوشستان    فلسطين تدعو لتدخل دولي عاجل لوقف الإبادة الجماعية    مهرجان الممالك القديمة    في مشهدٍ يجسد الحراك الفني السعودي.. «فن المملكة» ينطلق في«القصر الإمبراطوري» البرازيلي    الرياض.. تتفوق على نفسها    "روشن" تطلق هوية جديدة    النعاس النهاري بوابة لخرف الشيخوخة    طريقة عمل كيكة الرمل    الزعيم صناعة اتحادية    تغير صادم لرائدة الفضاء العالقة    أمير القصيم يثمن جهود القضاء.. وينوه بجهود رجال الأمن    لصوص الطائرات !    أمير الرياض يطلع على جهود الأمر بالمعروف    تعليم الطائف يستهدف إثراء مهارات وقدرات حراس المدارس    عودة ترمب.. ذكاء الجمهوريين وخيبة الديمقراطيين !    Microsoft توقف عدة تطبيقات    «وقار وصحة» ترعى كبار السن في القصيم    مجموعة العيسائي القابضة تستعرض أحدث ابتكاراتها وآخر مشاريعها في مجال العقارات    من الكتب إلى يوتيوب.. فيصل بن قزار نموذجا    شرطة جدة تقبض على مخالفيْن لنظام الحدود لترويجهما «الحشيش»    هيئة الأفلام وتجربة المحيسن.. «السينما 100 متر»    209 طلاب يتنافسون على الجامعات الأمريكية    جامعة أم القرى تبدأ استقبال طلبات التقديم على برنامج دبلوم الفندقة والضيافة    المملكة.. ثوابت راسخة تجاه القضية الفلسطينية والجمهورية اللبنانية    استخراج جسم صلب من رقبة شاب في مستشفى صبيا        الغامدي والعبدالقادر يحتفلان بعقد قران فراس    أمير القصيم يكرّم وكيل رقيب الحربي    «مجلس التعاون» يدين الاعتداء الإرهابي الغادر الذي استهدف قوات التحالف في سيئون    منسج كسوة الكعبة المشرفة ضمن جناح وجهة "مسار" بمعرض سيتي سكيب العالمي المملكة العربية السعودية    بلدية محافظة الشماسية تكثف جهودها الرقابية لتعزيز الامتثال    الرئيس الموريتاني يزور المسجد النبوي    برعاية خالد بن سلمان.. وزارة الدفاع تنظم الملتقى الدولي الأول لضباط الصف القياديين    مراسل الأخبار    وزارة الدفاع تنظم الملتقى الدولي الأول لضباط الصف القياديين نوفمبر الجاري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أصوليات مصريات من الطبقة الدنيا إلى الأحياء الراقية ."الحياة عادت الى الشرع وأصبح لكل رجل أربع نساء"
نشر في الحياة يوم 08 - 12 - 2001

في كتابها الأخير بالانكليزية اعتبرت الصحافية جنيف عبده أن الانجذاب الواضح نحو التيارات الإسلامية في صفوف طالبات الجامعة الاميركية وخريجاتها في القاهرة، والطبقات الراقية في مصر ينصب بقوة على الإشكال بين الحداثة والإسلام، وأن جهود غالبية الحركات والتيارات الإسلامية اليوم تتركز على كسب المقارنة الواقعة بينهما وبين الشرق والغرب. ولفتت عبده إلى أن ذلك يحدث فيما حققت المرأة المصرية نفسها في شكل كبير واخترقت مجالات عدة مختلطة بالرجل.
في العشرينات من القرن الماضي قامت نساء الطبقات الراقية والحاصلات على قسط جيد من التعليم - وهن أنفسهن من يلجأن الى التيارات الإسلامية المتشددة الآن - قُمن بخلع حجابهن كإشارة واضحة لاتجاههن نحو الحرية ونحو الغرب تحديداً.
ولاحظت عبده استخدام معظم تلك السيدات لثرواتهن وممتلكاتهن الخاصة، ولعلاقتهن وبيوتهن لجذب عدد أكبر من السيدات بل والرجال ايضاً لهذا التيار الديني، كما ابرزت دور شيوخ الدروس الدينية التي اصبحت في البيوت والنوادي بديلة من الجوامع. ومن ابرز من تناولتهن الدكتور عمر عبدالكافي، الذي كان له الأثر الأكبر في ارتداء الكثيرات من بنات تلك الطبقة وسيداتها الحجاب والنقاب، ولم يعد ممكناً اخفاء ظاهرة اتجاه سيدات مصريات الى الاصولية، ربما بمقدار لا يثير قلق السلطات الامنية التي تتابع الظاهرة ولا تجد فيها ما يخالف القانون، ولكن في شكل يثير دهشة بعضهم خصوصاً أن تلك الظاهرة امتدت لتشمل فئات اجتماعية متنوعة ومتعددة، فكما انتشرت بين السيدات وبنات الطبقات الشعبية والفقيرة، انتشرت ايضاً في الاوساط الاجتماعية الراقية صفوف الطبقة المتوسطة.
ومن النماذج التي التقتها جنيف عبده، السيدة منى وهي خريجة الجامعة الاميركية، التي تقول: "في البداية لم يكن أحد من افراد اسرتي متديناً في الشكل الكافي، ولكننا كنا نصلي، فأبي علّمنا منذ صغرنا انه "يجب أن تصلوا"، لكننا "نتمتع بكل شيء في الحياة، سافرنا الى اوروبا وتسوقنا واستمتعنا بوقتنا، لكنني لم احصل على السعادة التي ارجوها. ثم تزوجت بعد ذلك وصرت فجأة أخجل من ارتداء المايوه. ثم بدأت بالذهاب الى الدروس والمجالس الدينية بعد إنجابي طفلي الاول، وشعرت بأني يجب أن اكون "مسلمة صالحة" فعاهدتُ ربي ألا اخرج من بيتي إلا وأنا مرتدية الحجاب، ثم تدريجاً ارتديت النقاب، ونقابي هو حريتي، من طريقه أستطيع ان أحدد وأقرر من يراني ومن لا يراني.
وفي نموذج آخر تناولت عبده بحرج ذكر سوزان وهي سيدة في منتصف عمرها حاصلة على درجة دكتوراه في علم الأحياء، متزوجة من أحد المحامين المصريين الاثرياء، ولسوزان ابن واحد هو طالب في الجامعة الاميركية، ذو شعر طويل مموج يضحك كثيراً عندما يتناول بعضهم نشاطات أمه الدينية.
افتتحت الدكتورة سوزان مدرسة لتعليم الاطفال القرآن في حي مصر الجديدة، وتقول: "بدأت في الاتجاه الى الدين عندما كان زوجي يعمل في الكويت في الثمانينات وكنت أرافقه، ثم توفي أخي ومررت بحال نفسية سيئة وشجعتني إحدى صديقاتي الكويتيات على قراءة القرآن، وكنتُ أقرأه للمرة الأولى، فتخليت عن حياتي السابقة واتجهت الى الحياة الدينية، وارتديت الحجاب ثم عدت الى مصر بعد ذلك وواصلت نشاطاتي الدينية، الى أن التقيت الدكتور عمر عبدالكافي، فشجعني ودلني الى الطريق الصحيح. كل ما وصلت إليه كان بسببه، وافتتحت تلك المدرسة الدينية وحصلت على موافقة من شيخ الازهر. ايجار المكان، مرتبات المدرسين أدفعها من راتبي الخاص الذي أحصل عليه لقاء عملي في أحد المستشفيات أو من أموال زوجي الذي لم يشجعني أبداً على هذه النشاطات، لكن في الوقت نفسه لم يرغب في الوقوف أمام معتقداتي ورغباتي".
قبل فترة بزغ نجم آخر من نجوم شيوخ الطبقات الراقية في مصر وهو الشيخ عمرو خالد الذي كان سبباً مباشراً في ارتداء الكثير من بنات هذه الطبقة وسيداتها الحجاب، وأصبح له عدد كبير جداً من الأتباع والمُريدين الذين تنقلوا وراءه منذ أن بدأ يعقد دروسه الدينية في جامع المغفرة في المهندسين، ثم في نادي الصيد في الدقي، وجامع الحصري في المهندسين الى أن ذهب أخيراً الى مدينة السادس من اكتوبر السكنية الجديدة التي تم افتتاح فرع آخر لجامع الحصري فيها، ويطلقون على هذا الجامع "المسجد الجامع" وهو يتسع لقرابة ثلاثة آلاف مصلٍ ويحوي أكثر من مشروع للخدمات العامة، الثقافية والعلمية والدينية والمساعدات الاجتماعية ورعاية الأمومة والطفولة ورعاية الشيخوخة ورعاية الفئات الخاصة والمعوقين ورعاية الأسرة والخدمات العلاجية.
ويبدأ اللقاء الاسبوعي الذي يجمع عمرو خالد ومريديه في كل يوم خميس ما بين صلاتي المغرب والعشاء، وبعد الصلاة يكون الدرس ويتناول فيه قصص الانبياء وما ورد عنهم في القرآن الكريم.
ومن بين الحاضرات كانت نادين وهي فتاة في الرابعة والعشرين من عمرها ترتدي، الحجاب، تخرجت في الجامعة الاميركية في قسم إدارة الاعمال وتعمل في إحدى شركات المعاملات المالية في البورصة المصرية، "ارتديت الحجاب منذ أكثر من شهرين، وأنا متابعة جيدة لعمرو خالد، فهو يدلنا الى الطريق الصحيح ويجعلنا مطمئنات لرضا الله عنا. آتي كل أسبوع أنا وصديقاتي. وكنا نذهب من قبل الى جامع المغفرة، وأتذكر أنني ذهلت للمرة الاولى عندما رأيت تلك الآلاف من البشر يجتمعون ويتزاحمون فقط ليستمعوا اليه، وكنا نترك سياراتنا ونأتي في تاكسي لأنه كان من المستحيل ان نجد مكاناً للسيارة"، وتقول نادين التي تغلب على عربيتها الانكليزية، إن والدتها وحتى جدتها غير محجبات وانها لم تفكر اطلاقاً في الحجاب وكانت مشغولة بأشياء اخرى إلى أن مرت بأزمتين صحية وعاطفية في الوقت نفسه ولم يخرجها منهما إلا ذهابها الى الدروس الدينية والمواظبة عليها. وأنها لم تذهب الى شاطئ العجمي في الاسكندرية خلال شهر الصيف خصيصاً حتى تواظب على الدروس. ولم تعد تحب ارتداء المايّوه، ولا الخروج الى السينما والمطاعم حيث اللهو والفراغ القاتل وانها تفضل أن تستغل وقتها وتستثمره لآخرتها.
وتتذكر نادين عندما ذهبت للمرة الاولى الى الشيخ عمرو خالد وكانت ما زالت تعاني آلاماً في ظهرها، فكانت لا تستطيع الوقوف طويلاً وكان أصحاب الفيللات والبيوت المجاورة للجامع فتحوا بيوتهم للزائرين وكانت هناك ميكروفونات وسماعات وأجهزة صوتية عدة تنقل الصوت والدرس لكل ارجاء المكان. ترفض نادين بشدة ان يكون عمرو خالد هو شيخ لطبقة بعينها، مؤكدة أن الناس يأتون من كل فج عميق، فالفلاحات الى جانب المديرات الى جانب الطالبات.
وبالفعل كان هناك نموذج مختلف لإحدى الحاضرات واسمها عايدة حسين وهي سيدة في منتصف عقدها الثالث - مطلقة - تعيش في منطقة شبرا مع ابنتها وابنها اللذين يبلغان من العمر الرابعة عشرة والحادية والعشرين. عايدة تعمل مديرة منزل لإحدى الأسر منذ سبع سنوات بعد طلاقها من زوجها، تقول إنها كانت لا تصلي الا خلال شهر رمضان وتواظب على صيامه، لم تكن ترتدي الحجاب ولم تكن تحبه، وكانت تقول إن "ربنا رب قلوب" ولكنها ارتدته للمرة الاولى عندما طُلقت وعادت لتعيش في القاهرة بعدما كانت تعيش مع زوجها في إحدى مدن محافظة بني سويف وجاءت تبحث عن عمل في أحد المنازل وعرفت أن السيدات يفضلن من يرتدين الحجاب، فارتدته لكنها لم تجد مانعاً لدى صاحبة البيت من خلعه فخلعته، ثم كانت ترتديه عندما كانت تذهب الى الجامع في شبرا حيث كان "السُنية" وتقصد بهم جماعات التيار الاسلامي، يوفرون لسكان المنطقة إمداداً وإعانة شهرية مكونة من زيت ورز وسكر ومعكرونة، كما كانوا يوفرون لهم بطانيات، ومبلغاً من المال خلال انتخابات مجلسي الشعب والشورى. لكن ابنها انضم بعد ذلك الى تلك الجماعات وأجبرها على ان ترتدي الحجاب هي وابنتها، تقول: "رفضت في البداية لكن بعد ذلك رضخت خصوصاً عندما ارتدته "المدام" التي أعمل عندها، ثم بدأ ابني يشرح لي أمور الدين، عن عذاب القبر وكيف سيحاسب الله من تظهر زينتها خارج منزلها، وفي الوقت نفسه بدأت "المدام" بإقامة الدروس والندوات في المنزل. وتأتي إحدى الاخوات لتعطينا مما أعطاها الله من علم، فقررت أن ارتدي النقاب، حتى يكون ضميري مرتاحاً، وارتدته ايضاً ابنتي وخُطبت لأحد الدعاة في المسجد الذي يتردد عليه ابني".
وفي ضاحية حلوان في جنوب القاهرة، وفي أحد النوادي اجتمعت أكثر من سبعمئة سيدة من فئات عمرية مختلفة في مظهر احتفالي واضح استعد له المكان بالأنوار الكثيرة والمبهرة، بأجهزة الصوت وبتصريح من الاجهزة الامنية المختصة، جئن من داخل الضاحية ومن خارجها للاستماع الى الممثلة المعتزلة شهيرة التي تُفضل لقب "الفنانة التائبة" وتقول: "سبحان الله الذي لا يفعل أي شيء هباء، فعندما خلقني كموصلة جيدة وكممثلة، عرّف اسمي للناس، وكان لكل ذلك أسباب، وهو وحده الذي كان يعلم بها، فكل هؤلاء السيدات جئن لشهيرة كحب استطلاع، لكني "أجرّ رجلهم أولاً" ثم بعد ذلك يسمعن مني ما يشرح قلبهن ويقوي ايمانهن، ويصبحن مهتمات أكثر بأمور دينهن، يبدأن بالسؤال أين نجدك؟ اين تعطين دروسك؟ فهم يجئن بنية ثم يخرجن بنية مختلفة تماماً فالله يُسبب الأسباب".
وعن تجربتها الخاصة بارتدائها الحجاب واعتزال التمثيل تقول: "بعضهم يسخر عندما اقول إني رأيت رؤية، لكن الواقع أن عصر المعجزات انتهى وما بقي لنا هو المُبشرات، أن نرى لأنفسنا أو أن يراها لنا أحد، والرؤيا بالطبع تظهر إن كانت من الله أو من الشيطان والله يقول "ولهم البُشرى في الحياة الدنيا" والبشرى هنا هي الرؤى في الحياة أما الآخرة فنحن خلاص اصبحنا في الجنة بالتأكيد".
مجموعة من النساء يأتين الى المسجد لأداء صلاتي المغرب والعشاء وما بينهما يكون لقاؤهن الأسبوعي في مسجد الرحمن في المطرية - شمال القاهرة، والمسجد مكون من أربع طبقات: الطبقة الاولى أو الارضية وهي مدخل المسجد وملتقى الرجال فيه، الثانية للسيدات حيث تتم تلك الندوات والمجالس الدينية، أما الثالثة والرابعة فمخصصتان لرعاية الايتام من البنين والبنات. بعد انتهائهن من صلاة المغرب يبدأن بتلاوة القرآن، وبعد ذلك تخصص فسحة من الوقت لمناقشة "مفتوحة" تطرح فيها النساء التي تدور اسئلتهن عادة على محور واحد، هو حياتهن الزوجية وبالطبع العائلية، ويُطرح الكثير من الاسئلة عن كيفية التربية الاسلامية الصحيحة، وتناقشهن، وتجيب عن اسئلتهن في تلك الندوة سيدة في منتصف عقدها الرابع، لا تعمل، متزوجة، أم لأربعة اولاد وبنات تدعى الحاجة عائشة، ترى أن هذه الدروس ما هي إلا واجب عليها لتعطي مما وهبها الله من علم ومن ايمان لتبصير اخواتها المسلمات الاخريات بأمور الدنيا والآخرة.
الغالبية العظمى كانت لديهن مشكلات مع أزواجهن ويأخذن برأي عائشة فيها، وهي تطالبهن بالصبر على ما ابتلاهن الله في الدنيا، لعل الثواب يكون في الآخرة وتحثهن على مراعاة رضا أزواجهن لأن رضاهم من رضا الرب، حتى وإن كان الزوج يخون او يغضب زوجه، كما تنصحهن بابداء موافقتهن للأزواج على زواجهم من أخريات كي لا يدخلوا في علاقات محرمة تتحمل المرأة وزرها وذنبها لأنه بالطبع أخفى الزواج من اخرى مخافة غضبها. وتقول الحاجة عائشة إن وقوف الزوجة أمام زواج زوجها هو درب من دروب البغاء، لأن الله حلل للرجل أربع زوجات، اذا لم يتزوج برضاها سيتزوج بغيره لذا يجب أن تكون المرأة ذكية وان تختار له بنفسها من تسعده، وفي الوقت نفسه من يطمئن لها قلبها، وتبرر الحاجة الحكمة من هذه النصيحة، بنسبة العنوسة المرتفعة في مصر وارتفاع سن زواج البنات، وزيادة عدد البنات في مقابل عدد الرجال. فالحياة عادت بالفعل الى شرع الله وأصبح لكل رجل اربع نساء، وتضيف يجب علينا الا تعمينا أنانيتنا وحبنا للتملك لرفض ما حلله الله، وما أعتبره حلالاً.
كلام الحاجة لا يجد نقداً على الاطلاق بين المستمعات بل يتبعن عادة بعبارات من نوع "سبحان الله"، "قادر على كل شيء"، "استغفر الله العظيم".
وفي حي الزمالك داخل إحدى الكليات الفنية مجموعة من الفتيات المنقبات والمحجبات اللواتي ينتهزن فرصة الراحة للالتقاء في جامعة الكلية، ومعظهمن يتابعن الدراسات العليا، أو ما زلن في صفوفهن الأولى، وبعد انتهائهن من قراءة القرآن يبدأن حلقة مناقشة تشمل دائرتهن وتمتد لتتسع لكل من يتردد على المسجد للصلاة. وكانت مواضيع نقاشهن كثيرة ومثيرة للجدل أولها الاحداث الاخيرة التي مرت بها الولايات المتحدة الاميركية والتي رفضها بعضهن وأيدتها أخريات. وممن رفضن كانت اسراء وهي فتاة منقبة وما زالت طالبة في الكلية وتقول "ان الله حرّم قتل النفس بغير ذنب"، وتعتقد أن الموساد وراء تلك الحادثة، متعللة بغياب اربعة آلاف يهودي عن مكاتبهم في مركز التجارة العالمية يوم التفجيرات. وفي الجانب الآخر المؤيد كانت فاطمة، وتقول: "العين بالعين والسن بالسن والبادي أظلم". فطالما عانى المسلمون ظلم النظام الاميركي وأسلحته القاتلة لبني الاسلام، ودعمه المفرط لاسرائيل، اما بالنسبة الى الأبرياء الذين قتلوا خلال تلك الهجمات وكان منهم مسلمون ايضاً، فتقول: "ولما كنا نحن في حال حرب ولكننا على استعداد للموت فماذا سنأخذ من تلك الدنيا".
وفاطمة تفخر بأنها ارتدت الحجاب عندما كان عمرها ثمانية أعوام وبإرادتها على رغم رفض اهلها، وتقول: "لقد شعرت بالمسؤولية مبكراً، لذا قررت ان أصون نفسي، وأتذكر اني عندما كنت في العاشرة اجبرني والدي على النزول من المنزل بسرعة لشراء بعض الحاجات من السوق، فشعرت اني أسير عارية. اصبحت فكرة التخلي عن الحجاب بمثابة كابوس، لذا خرجت عندما تزوجت وأمرني زوجي بارتداء النقاب وأطعته، لكن للأسف خلعته بعد ذلك بالاتفاق معه لأنني كنت عندما اتقدم لشغل وظيفة من وظائف التدريس التي تؤهلني لها شهادتي الجامعية كانوا يرفضونني بسبب ارتدائي النقاب". فاطمة ترى أن يُمنع المدرّسون الرجال من تدريس البنات وألا يختلوا بهن في فصولهن، لئلا تحدث مهازل، بعدما انتشر الفسق والرذيلة - على حد قولها - وفاطمة تقرأ للشيخ محمد متولي الشعراوي والإمام الغزالي، وسيد قطب.
في المقابل تقول اسراء عن تجربتها مع ارتداء الحجاب ثم النقاب، انها ارتدت الحجاب عندما شعرت انه ضرورة في وقتنا الحالي وفي وسط الظروف الاجتماعية الصعبة التي تتمثل في ازدياد جرائم الاغتصاب، وهتك العرض التي زادت بسبب عدم مراعاة المرأة المسلمة لأوامر ربها، وعدم التزامها بزيها الشرعي. وفي الوقت نفسه تؤكد اسراء أن الحجاب هو أسهل خطوة، فهو شيء ظاهري وانما الأصعب هو كيف تروّض نفسها ولسانها وقلبها وعقلها لحب الله. وتُشدد اسراء على اعتبار المنقبة ملاكاً فهي بشر بطبيعة الحال، لكنها على الاقل افضل من غيرها.
اسراء لا ترفض تعليم المرأة وعملها ما دامت ترتدي الزي الشرعي الذي أمرها به الله، لأن من لا ترتديه ترتكب ذنوباً في كل خطوة تخطوها، حتى ان من ينظر اليها يرتكب ذنوباً، وترى اسراء أن مشاهدة التلفزيون او السينما مضيعة للوقت، فهي لا تجد فيهما ما يفيدها، لذا تفضّل القراءة، وتقرأ في التفسير لابن كثير وإحياء علوم الدين لأبي حمد الغزالي، ولأحمد عمر هاشم، وللشيخ محمد الغزالي.
وترى في هدم "طالبان" تماثيل بوذا عملاً دعائياً لا أكثر، لأنه لا يوجد احد في افغانستان يعبد بوذا، فهو مجرد رمز لحضارة جاهلية زائلة، وترى أن على المصريين عدم مجاراتهم في هدم رموز حضارتهم كأبي الهول مثلاً - إلا اذا - اكتشفوا أن هناك من يعبد تلك الاصنام، وتقول إن النحت حرام لأنه من الفنون الجاهلية على رغم دراستها الفنية، وأحياناً يطلب منها، ان تحاكي الله في خلقه وإبداعه سواء بالنحت او بالرسم، لكنها ترفض ومعظم اساتذتها يتفهمون طبيعة رفضها، يستجيبون لرغبتها في تحويل الاشكال الى التجريد لتفادي عقاب الله.
وتقول استاذة علم الاجتماع في كلية الآداب في جامعة القاهرة الدكتورة سامية الساعاتي مُحللة ظاهرتي الحجاب والنقاب، انهما وليدتا ظروف مختلفة اقتصادية واجتماعية وسياسية.
اما من الناحية الاقتصادية، فتبيّن ان كثيرات يجدن في الحجاب والنقاب ملاذاً لعدم تغيير الثياب، لأن تغييرها مُكلف ويعتمد في شكل كبير على الموضة، بالتالي الجري وراءها يتطلب موازنات خاصة، لذا فالحجاب والنقاب يفيان بالغرض، إضافة الى ان السيدة لن تذهب الى المزين، لأنها ستغطي شعرها، ناهيك عن ان بلاداً وجماعات معينة كانت تشجع النساء على هذا باعطائهن نقوداً وألبسة إسلامية.
أما من الناحية الاجتماعية، فأصبح الحجاب مطلباً للزواج، وبعض الشبان المصريين يقولون: "انا أريدها مُحجبة" أي زوجة المستقبل، لو كان الطلب هكذا سيزداد العرض بما يفي بحاحة الطلب، اصبحنا الآن نرى كثيرات يضعن الحجاب على رؤوسهن حتى في خلال حفلات عُرسهن.
ومن الناحية السياسية ارتبط هذا الزي بفترة تاريخية وزمنية وهي تحديداً نهاية فترة حكم الرئيس أنور السادات في اوائل الثمانينات اذ شهدت تلك الفترة ازدهاراً ونشاطاً ملحوظين للجماعات الدينية بتأييد كامل من الدولة وأجهزتها الاعلامية والتنفيذية، فكانت بداية ارتداء النساء الحجاب والنقاب، وارتداء الرجال اللباس الباكستاني المتمثل في الجلباب القصير ومن تحته سروال طويل، ووضع العمامة على الرأس.
وبالطبع لن نغفل الناحية الدينية فالحجاب ظاهرة مرتبطة بالفعل بالدين الاسلامي. هناك آية في سورة النساء تدعو المرأة البالغة الى ارتداء الحجاب لكن التفسيرات اختلفت، بعضها يقول إنه شيء جبري، وبعضهم الآخر يقول اختياري، هناك أئمة أكدوا هذا، ونشر ذلك في مجلة "حواء" المصرية الخاصة بالمرأة. كما عُقدت ندوة في نادي هليوبوليس في مصر الجديدة منذ أكثر من خمس سنوات وحضرها المفتي آنذاك الشيخ محمد سيد طنطاوي الذي أصبح في ما بعد شيخ الازهر، وأكد أن الحجاب مسألة اختيارية.
والحجاب مظهر شكلي، وأعتقد أن الجوهر هو الأهم. فهو القيد وأساس السلوك، لو أن سلوك المرأة مكتمل لا بأس أن ترتدي الحجاب، لكن ارتداء الحجاب أو النقاب وحده ليس كافياً، كم من الأخطاء تُرتكب باسم الحجاب، انا لا أرى أي اتساق بين جوهر الحجاب والنقاب وبين ما نراه في أوساط المحجبات.
وعن ظاهرة انتشار ظاهرتي الحجاب والنقاب بين طالبات الجامعة الاميركية في القاهرة، بين بنات الطبقات الراقية في مصر، تقول: "هذا يؤكد فكرة أن الحجاب قناعة شخصية بالأساس، انه مرتبط بالدين، لكن هناك ظاهرة او موضة جديدة وهي ظاهرة الشيوخ "المودرن" الذين يعرفون كيف يتخاطبون مع هذه الطبقة، فأصبحت البنت تقول لصديقتها هل سمعتِ عن الشيخ فلان، تقول لا، إذن تعالي الى النادي او بيت إحدى الصديقات او تعطيها شريط كاسيت لهذا الشيخ او ذاك، وتبدأ من هناك القصة".
وأنا أرى أن هذا الاتجاه ظهر في الأساس كنوع من أنواع الهروب من اللامعيارية الموجودة الآن في هذه الأوساط، وفي المجتمع المصري عموماً، فهو بمثابة هروب الى حُضن الدين، الانسان عندما يتعب نفسياً أو إنسانياً عندما تنهار القيم وتختلط المفاهيم، تصبح سلوكيات الناس صعبة، ويصبح هناك استهلاك وغش وخداع الى آخر هذه السلبيات، فتلجأ الناس الى ملاذ، وأحياناً يكون التدين والحجاب والنقاب من مظاهر رد الفعل على المدنية الهائلة. فمعظم طالبات الجامعة الاميركية في القاهرة سافرن ورأين اختلاطاً واسعاً بين الناس، ورأين نتائج هذا الاختلاط وتلك المدنية، وبعضهن ربما وقعن في علاقات عاطفية فأصبحن راغبات في الرجوع الى الدين، وهذا سبب مهم جداً وعايشت الكثير من هذه الحالات حيث ان الفشل في العلاقات العاطفية قد يؤدي مباشرة الى هذا الطريق، وهذا موجود الى حد كبير في ديانات أخرى، فمن الممكن أن تتعرض الفتاة المسيحية مثلاً لتجربة عاطفية فاشلة، فتذهب الى الدير هروباً، وتكفيراً وإحساساً منها بضياع الأمل، وتهب نفسها للعمل العام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.