ارتداء الفتيات السعوديات للحجاب، ليس بالعائق الذي يمنعهن من مواصلة دراستهن الجامعية كما يتصور البعض، أو كما كان في الوسط الاجتماعي قديماً. فالفتاة السعودية تكمل تعليمها الجامعي ودراساتها العليا، من دون أن تجعل من الحجاب شماعة تعلق عليها أي فشل أو أن تعتبره حاجزاً يعيق مسيرة التعليم. الحجاب إلزاميٌ على السعوديات، شرعاً، وعرفاً، ولا تستطيع أي فتاة مخالفة هذا الإلزام، حتى لو كانت غير مقتنعة به. العديد من الجامعيات السعوديات مقتنعات بالحجاب، ويرين أنه عامل حماية لهن، ولا يفضلن خلعه. فيما فئة أقل منهن، يوددن خلعه، لكنهن لا يقمن بذلك لأسباب اجتماعية متعددة، ربما من أبرزها الرؤية التقليدية التي تنظر الى هذا التصرف بشك وريبة. تقول إحداهن: "لديّ نظرتي الخاصة للحجاب. فأنا لست مع السفور وما يروج له، لكنني لست مع هذا الشكل التقليدي جداً من الحجاب. وعلى رغم تحفظي عليه إلا أنني ملتزمة به كعرف اجتماعي من جهة، ولأنني لا أجده عائقاً يحول دون تعلمي من جهة أخرى. ولا أعاني من أي عقدة في هذا الموضوع". المحجبات، وعلى رغم إيمانهن به، إلا أن كثيرات منهن يشعرن بعدم ارتياح للقوانين الصارمة التي تفرضها بعض الصروح التعليمية، وخصوصاً كليات تعليم البنات، التي كانت تابعة للرئاسة العامة لتعليم البنات، والتي حُلَّت قبل فترة من الزمن. إلا أن هذه الكليات وعلى رغم إلغاء الرئاسة، ما زالت تملك النظرة ذاتها الكلاسيكية المحافظة بشدة، على عكس الجامعات التابعة لوزارة التعليم العالي. في كليات البنات، تفرض على الطالبات عباءة "الرأس"، التي تضعها الطالبة على رأسها، مضافاً إليها غطاء الوجه "البوشية" أو "الغشواية"، ويمنع على الطالبات لبس أي نوع آخر من العباءات، سواء "الكاب"، أو عباءة "الكتف"، خوفاً من إشاعة جو لا يليق بمجتمع الطالبات كما يرى القائمون على الكليات. "نحن لسنا قاصرات، بل راشدات ونعرف مصلحتنا". تقول إحدى الطالبات. وتضيف: "شخصياً أرى أن الحجاب لمصلحة الفتاة، ولا أشعر بضيق أثناء ارتدائه. وحتى لو سمحت الكلية بعدم ارتدائه، فلن أخلع حجابي، لإيماني به. لكنني في الوقت نفسه ضد هذا التزمت الذي تمارسه المشرفات والمراقبات في الكلية". طالبة أخرى تعلق على الموضوع ذاته قائلة: "نحن طالبات جامعيات، لا نختلف عن طالبات جامعة الملك سعود بالرياض شيئاً، أو طالبات الجمعات الأخرى، فلماذا تفرض علينا قوانين لا تفرض على سوانا! لِمَ يمنع علينا لبس عباءة الكتف، فيما يسمح لطالبات بقية الجامعات، هل ينقصنا شيء لا نملكه!". هذه النظرة المنتقدة من بعض الطالبات تعارضها طالبة أخرى، ترى أن هذه القوانين "أتت لحماية الطالبات ولمصلحتهن. فلو فتح المجال لهن، لتحولت الكلية، الى صالة عرض أزياء، ولتفننت كل طالبة في إبداء زينتها، لتلفت لها أنظار زميلاتها"، تحوّل الكلية الى "صالة أزياء" بنظر هذه الطالبة، سيلهي الطالبات عن الدراسة ويؤخر مستواهن التعليمي، ويجعلهن طالبات كسولات غير مجدات، ف"الفتاة التي تهتم كثيراً بزينتها، لن يكون لديها وقت للمذاكرة واسترجاع دروسها في البيت، لأنها تظل تفكر ماذا ألبس غداً؟ وكيف سأبدوا أمام زميلاتي؟"، بحسب الطالبة نفسها. في الجامعات التابعة لوزارة التعليم العالي، هنالك بعض الاختلاف، وإن لم يكن بالمقدار الكبير، إلا أنه وفق إحدى الطالبات "أخف وطأة من حالِ الكليات. هنا الوضع أكثر راحة، ونفسياً تكون الطالبة أقل توتراً، لأنها على الأقل لديها الحرية في اختيار نوع عباءتها دون منع وحظر من جانب المسؤولات في الجامعة". بمقدور الطالبات في هذا النوع من الجامعات، أن يرتدين "الكاب"، أو عباءة "الكتف"، وليس لزاماً عليهن ارتداء عباءة "الرأس"، فبمقدورهن ارتداء أي عباءة شاؤوا، ومن أي طراز كانت، وفي إمكانهن وضع أي "طرحة/إشارب"، على رؤوسهن، ويبقى عليهن تغطية وجوههن أثناء دخول الجامعة والخروج منها، وإن كان في إمكان البعض التفلت من هذا الالتزام بعض الأحيان. داخل الحرم الجامعي، بإمكان الفتيات خلع الحجاب، وكذلك العباءة، والجلوس من دونهما، لكن المسألة ليست بالمفتوحة كما يتصور البعض، فليس مسموحاً لبس البنطال، أو التنانير القصيرة، أو "تيشيرتات البادي" والقمصان اللاصقة بالجسم، أو الألوان اللافتة للنظر. هذه القائمة من التعليمات والممنوعات، هي موضع اختلاف آخر، بين الطالبات وإدارة الجامعات والكليات، بل بين الطالبات أنفسهن، بين معارض ومؤيد. فالبعض يراها قوانين واقعية، تحد من الانفلات الأخلاقي والسلوكي، فيما قسم آخر يراها تشدداً لا يؤدي إلا لمزيد من العناد، ونفور الطالبات، ويخلق جواً من عدم الارتياح النفسي. إحدى الطالبات لها وجهة نظر في الموضوع فتقول:"نحن كطالبات لا نريد أن نأتي وكاننا ذاهبات لحفلة زواج أو خطوبة، لكننا في الوقت ذاته نريد أن تترك لنا خياراتنا في تحديد ما نلبس. أنا لا أفهم سبباً مقنعاً لمنع البنطلون، أو القمصان الحمر! من الممكن أن أقتنع أن لبس التنورة القصيرة أو القمصان ذات الجيب الواسع الذي يبرز مفاتن الطالبة أمراً لا يتماشى مع طبيعة المكان والجو التعليمي، لكن لا أرى في ما عدا ذلك أي إشكالية"، فيما المسؤلات يؤكدن اننا لسنا مع المنع من أجل المنع، وإنما من أجل مصلحة الطالبات. ليبقى الجدل مستمراً حول التفاصيل، لكن الاتفاق حاصل على عدم إعاقة الحجاب للعملية التعليمية.