مغامِرتان جريئتان هويتا اكتشاف مناطق عالمية جديدة. لم تخافا من الغربة او الوحدة او جهل اللغة او عنف القبائل التي قد تصادفانها. من الخليج العربي الى مجاهل افريقيا، امتطيتا الجمال وصهوة الجياد، وانطلقتا فوق الرمال الحارقة. أبحرتا من دون تردد نحو الاميركتين او أقاصي آسيا ناقلتين بالقلم تفاصيل مغامراتهما الشيقة. مازحت آكلي لحوم البشر آيدا بفايفر لم تعرف الفارق بين الفتاة والصبي منذ ان ولدت العام 7971 في فيينا. فوالدها لم يدعها تشعر بأي ميزة بين أشقائها الستة. ارتدت البنطلون مثلهم، تلقت التربية الثقافية ذاتها، ومارست الهوايات الرياضية في الهواء الطلق الى جانبهم بعدما نمت شخصيتها المستقلة. الا ان وفاة والدها لمّا كانت في التاسعة من عمرها، أعادتها الى"الصف النسائي"بسرعة: فساتين مزعجة ودروس في البيانو تلائم صبية يافعة، وقعت في السابعة عشرة من عمرها في حب استاذها الذي بادلها بالمثل... وفاز بسخط الوالدة التي قررت ان ابنتها يجب ان تتزوج من يكون على مستواها. فاختارت لها محامياً أرملاً أكبر سناً من ابنتها لكنه يتمتع بموقع مهم في الحكومة النمسوية. وبقيت تضغط على آيدا حتى وافقت على الزواج وهي في الثانية والعشرين. وقررت آيدا ان تخنق ميولها الاستقلالية وان تلتزم بالزواج الذي أثمر صبيين. الا ان مكانة الزوج الاجتماعية ما لبثت ان تراجعت بسرعة بعدما خسر وظيفته في الحكومة. ووجدت العائلة نفسها على شفير الفقر. فبدأت آيدا تعمل لتؤمن معيشتها، طالبة احياناً كثيرة مساعدة اشقائها. ولما ماتت والدتها، تحررت من زوجها وانفصلت عنه بعد 51 عاماً، وبقيت تساعد ولديها حتى استقلا بدورهما وأسس كل منهما عائلته. حينها شعرت آيدا حقاً بالحرية. وقررت تحقيق حلم حياتها بالسفر. توجهت اولاً الى الأراضي المقدسة كي تسكت افراد عائلتها الذين سخطوا من سفرها وحيدة فيما كتبت وصيتها... خوفاً من ان تتحقق تنبؤاتهم السوداء. أبحرت آيدا نحو البحر الأسود ومن ثم القسطنطينية، فالقدس والقاهرة وقناة السويس وعادت الى وطنها عبر ايطاليا. كتبت اول كتاب عن رحلتها ونشرته العام 6481. وأفادت من المال الذي كسبته لتموّل رحلة الى ايسلندا. توجهت الى هناك وحيدة، على عكس كل المسافرين في تلك الفترة وبموازنة ضيقة جيداً. أمضت ستة اشهر في النروج والسويد، عاشت خلالها كما الايسلنديين، وعادت مجدداً الى النمسا لتنشر كتابها الثاني وتبيع ما حملته من احجار ونباتات مميزة الى المتاحف. ولم يهمد شغف آيدا بالسفر، لكنها سرعان ما خططت لرحلة حول العالم، قادتها اولاً الى ريو دي جانيرو ومن ثم الى القبائل الهندية هناك، فتاهيتي والصين، مرتدية ثياب الرجال خلال تنقلاتها خوفاً من ان تتعرّض للإعتداء. حاولت هناك اكتشاف خفايا الحضارة الآسيوية العريقة وتفهم العادات الاجتماعية في تلك البلاد من دون ان تفلح. فهي كانت تشعر دائماً بعقدة الفوقية تجاه كل الشعوب التي تصادفها. ولم يرو الشرق الأدنى عطش آيدا للمغامرات، فتوجهت فوراً الى الهند حيث ذهلت بالجمال الجغرافي. تنقلت من دون اي حقائب. حملت فقط مقلاة وبعض الأرز والملح والخبز ومطرة فيها ماء، وتركت نفسها تسير على هواها، الى ان شعرت بالملل وقررت التوجه الى بغداد حيث انضمت الى قافلة كبيرة حملتها عبر الصحراء الى الموصل فتبريز في ايران لتفاجئ القنصلية البريطانية هناك بوصولها، هي المرأة الغريبة التي لم تكن تحسن حتى اللغة المحلية. وعادت آيدا أدراجها مجدداً لتتوجه الى روسيا حيث سريعاً ما اوقفت بتهمة التجسس: فكتبت قائلة:"أيها العرب والأتراك والفرس والهنود. كم شعرت بالأمان بينكم وكم عانيت قسوة روسيا المسيحية". وما ان طلقت حتى توجهت مجدداً الى تركيا واليونان وايطاليا، مختتمة رحلة دامت سنتين العام 8481. نشرت في النمسا كتابها"رحلة لايدي حول العالم"الذي أطلق شهرتها، مما جعل اعلانها بعد ثلاث سنوات استئناف المغامرات، يقترن فوراً بدعوات اوروبية عدة وببطاقات مجانية للبواخر والقطارات. توجهت بعدها الى سنغافورة وبورنيو لاكتشاف القبائل المحلية، ومن ثم سوماطرة والهندالشرقية الهولندية اندونيسيا اليوم مصرّة على مقابلة قبيلة"باتاك"آكلة اللحوم البشرية على رغم تحذير السكان المحليين. ولما وصلت اليهم رأت أنهم يؤشرون لقتلها وأكلها، شعرت حقاً بالخوف لكنها مازحتهم قائلة انها متقدمة بالعمر وأن لحمها قاس لا يصلح للأكل. فضحكوا وتركوها وشأنها. وعادت ادراجها مسرعة قبل ان يبدلوا رأيهم. فكانت أول من يروي حياة هذه القبيلة وعاداتها. وانتقلت آيدا الى سان فرانسيسكو واميركا الجنوبية قبل ان تعود الى وطنها بعد اربع سنوات من السفر المتواصل. وأسرعت في نشر مغامراتها في كتاب بات الأكثر مبيعاً في تلك الفترة. وانتخبتها جمعيتا برلين وباريس للجغرافيا عضواً فيهما. وتمنعّت الجمعية نفسها في بريطانيا عن منحها العضوية لأنها امرأة. وسافرت آيدا في رحلتها الأخيرة نحو مدغشقر حيث تزامن وصولها مع مؤامرة لقتل الملكة رانافالونا. فقبض عليها وأطلقت في ما بعد بعدما أصيبت بمرض استوائي أرهقها وجعلها تعود ادراجها مسرعة الى فيينا حيث ماتت العام 8581 وهي في الحادية والستين من عمرها... وهي لم ترو بعد غليلها الى المغامرات. أكثر النساء شعبية فرييا ستارك، اكثر النساء شعبية وجرأة وذكاء. وأكثر الكاتبات اللواتي قرئت كتبهن. حياتها امتدت طوال قرن بكامله، تخطت حربين عالميتين ومرضاً عضالاً وزواجاً دام خمسة اعوام، ولم تتوقف عن رحلاتها الى الشرق العربي ووسط آسيا وتركيا وبلاد فارس. فالظروف كانت مؤاتية تماماً لتحولها المغامِرة التي عرفها العالم. ولدت العام 3981 في فرنسا، من والدين فنانين رسامين كانا يعشقان التنقل باستمرار. فأمضت طفولتها بين بريطانيا، موطن والدها، وايطاليا حيث تعيش عائلة والدتها. تلقت فرييا علومها التكميلية والثانوية في معهد خاص في بريطانيا. وبدأت تدرس اللغة الانكليزية والتاريخ عندما اندلعت الحرب العالمية الاولى وأجبرتها على العودة الى ايطاليا حيث تطوعت في سلك التمريض وقررت دراسة اللغة العربية في اوقات فراغها العام 1291. وباتت في ما بعد تتقن خمس لغات: الانكليزية والايطالية والفرنسية والالمانية والعربية. وبدأت فرييا اولى مغامراتها وهي في الرابعة والثلاثين من عمرها. تركت ايطاليا وابحرت نحو الشرق في اتجاه طرابلس المدينة اللبنانية الساحلية، ومن ثم برمانا، القرية الجبلية. وانتقلت الى الجزيرة القبرصية التي جعلتها تقع في حبها. وعادت واستأنفت رحلاتها بهدف كتابة مغامراتها. سافرت الى دمشق وجبل الدروز والأردن وفلسطين ومصر. واكملت طريقها بعد سنتين الى بغداد لاستكمال الكتاب الذي تكتبه عن المنطقة كما الصور التي كانت تلتقطها. وبقيت فرييا في الشرق تتنقل في الصحراء بين بلد وآخر، غير آبهة للأخطار معتقدة ان اتقانها للّغة يحميها من اللصوص والقتلة. عملت بين القاهرةوبغداد حتى اندلاع الحرب العالمية الثانية، الا ان اصابتها بمرض عضال جعلها تعود الى قبرص. وسريعاً ما استأنفت رحلاتها. ولما وصلت الى عدن، عملت في القنصلية البريطانية والتقت المؤرخ والمستشرق العربي ستيوارد بيرووني. تزوجته وعاشت معه خمسة اعوام بين جزر الكاريبي وافريقيا الشمالية وباريس... وما لبثت ان طلقته وعادت الى حياتها القديمة المتسمة بالتنقلات المستمرة... كما التوقفات الثابتة في الجزيرة القبرصية، خصوصاً ان اسفارها الطويلة تركزت في تلك الفترة على اليونان وتركيا. ولما بلغت الثالثة والستين من عمرها، كانت لا تزال تتنقل من دون كلل. فقررت ان تستقر نهائياً في قبرص التي جعلتها موطنها الاساس. اشترت منزلاً وانكبت على كتابة القسم الرابع من مذكراتها التي نشرتها العام . وبقيت في الجزيرة حتى ايار مايو من العام 3991 حيث توفيت عن عمر المئة عام وكأنها لم ترو نظرها بعد من تلك الجبال التي تغفو على ايقاع الامواج.