تشيع الأحساء اليوم واحداً من أهم أدبائها المعاصرين، الشيخ أحمد علي آل الشيخ مبارك، عن عمر بلغ 94 عاماً، إذ ولد في مدينة الهفوف في العام 1337ه (1916)، وتوفي أمس، ويوارى جثمانه في مقبرة الصالحية في مدينة الهفوف.والراحل من الذين أثروا الساحة الأدبية في الأحساء من خلال مجلسه الأدبي الذي حمل اسمه «أحدية الشيخ أحمد آل مبارك» التي تأسست في العام 1411ه. كان الشيخ أحمد منذ صغره يحلم بأن يتعلم، فلم تكن الحياة العلمية في الأحساء آنذاك تستوعب طموحه، إذ تزدهر علوم الكتاتيب والدورات العلمية في البيوت والمساجد، ولأنه كان يطّلع على بعض الصحف منذ صغره من خلال ذهابه إلى بيت خالته، فقد تعرّف على عالم آخر وهو عالم والأدب والثقافة، وعندما كبر قرر أن ينفتح على أفق أوسع، فقرر أن يهرب من أسرته في الأحساء إلى أسرة علمية في البحرين، فبعض الجزر في الخليج، ثم الكويت، ومنها إلى البصرة في العراق فبغداد، ولكن حنينه للأحساء لم يساعده على الغياب، فعاد إلى نخلات هجر وعيونها، إذ كان يؤرقه شعور تأنيب الضمير وذلك بخروجه عن نظام الأسرة وتقاليدها، فراح يكاتب ويراسل والده طالباً العفو والأمان حتى تمكن من العودة إلى موطنه. لكن طموحه كان أكبر من أن يستقر في الأحساء، فعاوده الشوق للهجرة من أجل التعلم، فانعقد مجلس عائلي ليقرر له القاهرة وجامع الأزهر مكاناً للدراسة، ومن هنا انفتح له باب العلم على مصراعيه، فراح ينهل من دراسة الأدب واللغة حتى تخرج وتلقفته الوظائف الحكومية في سلك التعليم ثم وزارة الخارجية. ولم يكن المبارك يعلم أن مغامرته الأولى في عالم الأسفار ستفتح له أبواب العمل في ميدان يتطلب منه السفر والتنقل وعدم الاستقرار، إلا بعد أن وجد نفسه يلج أبواب العمل في وزارة الخارجية، إذ مارس العمل مبكراً في الحقل الديبلوماسي سفيراً لبلاده لدى عدد من الدول العربية والأفريقية، إلى أن انتهى به المطاف من جديد بعد أربعين عاماً في العمل الديبلوماسي، في الأحساء يعيد ترتيب مشاغله الأدبية. في العام 1411ه أسس مجلسه الأدبي «الأحدية» في منزله للأدب والثقافة تقام مساء كل أحد كأول وأهم هذه الإنجازات التي حققها وكأول منتدى أدبي في الأحساء، ومن خلالها عمل على استضافة الشخصيات الأدبية والشعرية وإقامة المحاضرات والحوارات، ونبعت فكرة الأحدية عند حضور الشيخ أحمد في مجلس عبدالعزيز بن أحمد الرفاعي في العام 1405ه، فأعجب بالتجمع الأدبي الذي يقام مساء كل خميس، فخامرته الفكرة حتى تفرغه من عمله وعودته إلى الأحساء. والشيخ آل مبارك مع اهتمامه بالبحوث التاريخية، خصوصاً ما يتعلق بمنطقته الأحساء، فهو ذو ميول أدبية تقليدية، وبهذا الاتجاه اتسمت الأحدية، التي عملت على تشجيع الأدباء الشباب واستضافتهم في مجلسه وتنظيم الأمسيات لهم، وتشجيع الكتابات الأدبية، ومنها تخرّج وعُرف الكثير من أدباء ومثقفي الأحساء. ومن أهم مؤلفاته: رسائل في المودة والعتاب والاعتذار. الأحساء ماضيها وحاضرها. علماء الأحساء ومكانتهم العلمية والأدبية. عبقرية الملك الراحل عبدالعزيز. واختير في المهرجان الوطني للثقافة والتراث في العام 1423ه الشخصية الثقافية نظير دوره وريادته في الأدب. كما كرّم نادي الأحساء الأدبي منتدى الأحدية في ملتقى جواثى الثقافي الأول العام الماضي. ولد الشيخ أحمد في الأحساء في عام 1916، وكان بحسب المقربين منه «شغوفاً بتحصيل العلم أياً كان مكانه»، وحين بلغ 15 من عمره سافر إلى بغداد في رحلة وصفها في احدى كتاباته ب «المليئة بروح المغامرة»، إذ انتقل من الأحساء إلى البحر متنقلاً إلى جزر عدة في الخليج العربي، ثم اتجه بحراً إلى الكويت ومنها إلى مدينة البصرة ثم بغداد، وعاد بعد قضاء فترة من الزمن. كتب والده إلى الملك عبدالعزيز كتاباً يلتمس فيه أن يضم ابنه لإحدى البعثات العلمية إلى الأزهر، وتم له ذلك وتدرج في دراسته الإعدادية والثانوية ثم التحق بكلية اللغة العربية وحصل منها على ليسانس في اللغة وآدابها. ألّف الراحل تسعة مؤلفات من بينها ديوان شعري يتيم، وعرف قبل رحيله بمكانته على الخريطة الثقافية في المنطقة، وكرمه خادم الحرمين الشريفين في مهرجان الجنادرية 18 لحصوله على شخصية العام الثقافية، من جهته، قال الناطق الإعلامي للنادي الأدبي في الأحساء الدكتور ظافر الشهري أن «فقد هذا الرجل ليس فادحاً فقط على أسرته بل على الوطن، فهو رجل دولة أفنى حياته في خدمة الثقافة والأدب والعلم، وأحاديته استمرت على رغم مرضه على الساحة الفكرية، وهو رمز الثقافة والديبلوماسية». من جهته، قال الناطق الإعلامي للنادي الأدبي في الأحساء الدكتور ظافر الشهري إن «فقد هذا الرجل ليس فادحاً فقط على أسرته بل على الوطن، فهو رجل دولة أفنى حياته في خدمة الثقافة والأدب والعلم، وأحديته استمرت على رغم مرضه على الساحة الفكرية، وهو رمز الثقافة والديبلوماسية»، مشيراً إلى أن «النادي كرّم الراحل من قبل، وسيكون الحاضر الغائب بيننا، ومن المؤكد أن النادي سيقيم أمسية كاملة عنه وسيتم تحديدها في ما بعد، وبدورنا ونيابة عن جميع المثقفين ننقل عزاءنا الحار لمقام خادم الحرمين الشريفين وإلى الحكومة الرشيدة، وإلى أسرته وإلى محبي هذه الشخصية الكبيرة بعطائها وأخلاقها».