اذا أردت التأنق في ملبسك في تركيا هذه السنة فستشتري حلة ثمنها بليون ليرة. لكن الحلة الانيقة لن تكلفك أكثر من ألف ليرة فقط سنة 2005. فهل ستنجح خطة تركيا لازالة ستة أصفار من أسعار السلع بدءاً من أول كانون الثاني يناير المقبل، باحلال عملة جديدة تعادل 1.4 ليرة للدولار بدلاً من سعر الصرف الحالي البالغ 1.4 مليون ليرة للدولار؟ يشير تاريخ مثل هذه العمليات الى انها ليست دائماً بالسهولة التي تبدو عليها، لكن قوة الانتعاش الاقتصادي التركي تشير الى ان تركيا في وضع أفضل كثيراً مما كان عليه غيرها في الماضي عند اتخاذ هذه الخطوة. ومن الناحية النظرية لا يعتبر الغاء الاصفار من عملة ما سوى عملية عددية. لكن التجارب السابقة تظهر انه لن ينجح اذا لم يتحمل اقتصاد الدولة المعنية السعر الجديد. وتقول ديبي أورغيل محللة الاسواق الناشئة لدى بنك"أي بي ان امرو"الهولندي":"أزالت نحو 50 دولة أصفاراً من عملاتها بدءاً من ألمانيا عام 1923". وكانت النتائج متباينة ولجأت بعض الدول لهذه الوسيلة أكثر من مرة. ويرى المحللون أن هذه الخطوة من جانب تركيا تأتي في اطار حملتها لاظهار مدى قوة اقتصادها للاتحاد الاوروبي قبل بدء محادثات في شأن انضمامها للتكتل الاوروبي في الثالث من تشرين الأول أكتوبر سنة 2005. وسعى البنك المركزي التركي لطمأنة الاسواق الى ان الانتقال الى العملة الجديدة سيتم بسلاسة من دون ان يصحبه ارتفاع في التضخم. واتفقت اراء المحللين على أن المخاطر على الاسعار محدودة. وقالت أورغيل انها تتوقع ان تتم العملية من دون مشاكل أو اعادة حساب الاسعار، مضيفة أن"عدم وجود أسعار تحويل معقدة يعني أن المستهلكين سيتمكنون من معرفة الاسعار الجديدة بكل وضوح". والاهم من ذلك أن هذه الخطوة تعتبر تدعيما لعملية التطبيع الاقتصادي بما يتفق مع مساعي تركيا لاكتساب عضوية الاتحاد الاوروبي. وقال دويفر ايفانز من"بنك أوف اميركا"ان"اعادة تقويم العملة أمر يرمز الى اقتصاد طبيعي يعكس بدرجة أكبر اقتصادات وسط أوروبا وشرقها". وأضاف أن"أسعار الفائدة آخذة في الانخفاض الى مستويات أكثر طبيعية والتضخم الان أقل من عشرة في المئة. وكل هذه أمور ايجابية تشير الى ان تركيا ربما تكون قد خرجت من دورة للتضخم وارتفاع أسعار الفائدة استمرت 20 عاماً". وبالنسبة الى دول كان لها تاريخ في الارتفاع الشديد للتضخم فان اعادة تقويم العملة لم يكن أكثر من علاج موقت. فقد ألغت الارجنتين والبرازيل واسرائيل اصفاراً من عملاتها في أربع مناسبات مختلفة منذ عام 1945. كذلك فان اعادة تقويم الروبل الروسي في عام 1998 لم تكن تجربة سعيدة واضطرت الحكومة بعد أكثر قليلاً من ستة أشهر الى تخفيض قيمة العملة بسبب عجزها عن خدمة ديون ضخمة. وقالت أورغيل ان ازالة أصفار من عملة ما لا يكون فعالاً الا اذا تمت السيطرة على التضخم وتحقق استقرار عناصر الاقتصاد الكلي. وأضافت ان التجربة أظهرت ان"الاقتصاد الروسي لم يكن مستعداً للعملة الجديدة. فلم تكن روسيا حققت الاستقرار على صعيد الاقتصاد الكلي. كذلك ثارت شكوك في عملية اعادة تقويم العملة لان التجارب السابقة تحولت الى فرص لطبع النقد وتخفيض قيمة العملة". وآخر دولة عدلت قيمة عملتها بهذا الاسلوب كانت أفغانستان، اذ أزالت الحكومة ثلاثة اصفار من الافغاني عام 2002 في أعقاب الاطاحة بنظام حركة طالبان في عملية عسكرية قادتها الولاياتالمتحدة. وكان الانتقال للعملة الجديدة مصحوباً بمشاكل، اذ أدى قصر فترة تغيير العملة على شهرين فقط الى انخفاض حاد في قيمتها مع اندفاع المواطنين الى تغيير العملة القديمة بالعملة الجديدة أو بالدولار. ومن المستبعد ان تسقط تركيا في هذا الفخ، اذ ستسمح بتداول الليرة الجديدة والعملة القديمة جنباً الى جنب لفترة انتقالية تستمر سنة. ويعكس مستوى الليرة في الوقت الراهن التضخم الشديد الذي عانت منه تركيا منذ السبعينات. لكنها اصبحت بلداً آخر الان. ففي ظل برنامج اصلاح تحت رعاية صندوق النقد الدولي نهض الاقتصاد التركي من عثرته في أعقاب أزمة مالية طاحنة في شباط فبراير عام 2001 كانت سبباً في احدث تخفيض في قيمة الليرة. وقال المحللون لدى بنك"بي ان بي باريبا"في تقرير ان"تركيا حققت تحت مظلة صندوق النقد الدولي استقراراً أفضل على صعيد الاقتصاد الكلي وانها تستفيد من نمو السياحة ويمكنها ان تعول على ناتج صناعي متنام". ومن الممكن ان تكرر تركيا تجربة بولندا الناجحة في اعادة تقويم عملتها الزلوتي عام 1995، اذ يشترك البلدان في أن هذه الخطوة اتخذت بعد تنفيذ برامج تهدف الى تحقيق استقرار اقتصادي. وقالت أورغيل:"في بولندا كانت هناك مخاوف من الا يكون التضخم منخفضاً بدرجة كافية عندما اعيد تقويم العملة، لكن التضخم استمر في التراجع خمسة في المئة سنوياً في الفترة من 1995 الى 1997". وأضافت ان"ذلك يرجع الى ان بولندا كانت قد استكملت عملية اعادة هيكلة وتحرير رئيسية لاقتصادها وهو الامر الذي ساهم في نجاح اصلاح العملة". وتتمتع تركيا بميزة انخفاض معدل التضخم كثيراً عما كانت عليه الحال في بولندا عام 1995 فقد انخفض معدل التضخم من أكثر من 70 في المئة في أوائل عام 2002 الى أقل من عشرة في المئة الان. واذا نجحت تركيا فسيكون نجاحها مثالاً طيباً لرومانياً التي تعتزم الغاء أربعة أصفار من عملتها في منتصف سنة 2005.