يعمل الفنان العراقي علي طالب في معرضه الاخير على تقنية خاصة في تنفيذ اعماله الاخيرة، تعتمد على تعدد الطبقات اللونية المتراكمة. ويتطلب هذا العمل على خامة اللوحة تركها لفترة غير قصيرة، ثم العمل عليها من جديد حتى تتحول مجموعة من الطبقات اللونية بحيث يمكن الحفر في هذه الطبقات وإحداث"أثر"بارز على سطح اللوحة. ونفذ الفنان هذه التقنية على عدد من الخامات كالزيت والاكريليك والورق المذهب. وجاءت الهارمونية اللونية ذات الالوان الثانوية الكابية لتعمق قوة"الاثر"وتمنحه بروزاً وقيمة هي بقايا ذكريات الفنان عن مدن او اشخاص طواهم النسيان. يقدم الفنان علي طالب في هذا المعرض، اضافة الى عدد من اللوحات عملين نحتيين هما"ولادة"و"مقبرة جماعية"وهي التجربة الثانية له، اذ كانت الاولى قبل اكثر من ثلاثين عاماً في بغداد. واضح ان فكرة العمل هي التي فرضت على الفنان ان ينجزها في هذه الطريقة وهذه التقنية. فهو نفذ"المقبرة الجماعية"بمادتي الرمل والفخار وفرشها على الارض، على شكل عدد من الوجوه الملونة التي تظهر من داخل الارض - القبر دلالة على تعدد مرجعيات الضحايا. اما العلاقات اللونية التي غابت عنها الألوان الرئيسة الحارة واستخدمت بدلاً عنها ألوان الطين والتراب واللون الأخضر القاتم والأخضر الشذري، وهي الوان سومرية بامتياز، فجاءت منسجمة تماماً مع التقنية التي اعتمدها الفنان وبدت اللوحات كأنها منفذة قبل آلاف السنين وهنالك"اثر"ما يدل على ذلك! كان الفنان علي طالب وما زال منغمساً في معالجة الموضوعات الوجودية والاسئلة الكبرى حول الطبيعة البشرية وطبيعة الحياة والموت والزمن. والآن يبدو اثر المنفى على اعماله الجديدة جلياً، متمثلاً في البحث عن الارض الاولى حيث يزاوج في هذه الاعمال بين الرحم والمكان الاول"الذاكرة". ولا تخلو اي لوحة من هاتين الثيمتين اللتين تتبادلان المواقع والاحالات، فالرحم يطرح سؤال الولادة من دون الانجرار الى الاروتيكية، و"الاثر"يطرح سؤال الهوية من دون تجريد او غموض. اما الحاضر فيتجسد في لوحتي"موبوسوتاميا"و"بلا عنوان". في اللوحة الأولى امرأة مكممة الفم يجري من عينيها نهرا دم هما دجلة والفرات، وقد نفذها الفنان باختزال شديد كما هو واضح. اما اللوحة الاخرى، فجاءت على هيئة مرتفعات جرداء صلدة ورحم جاف ومعتم وثمة بقايا جرة محطمة كبقايا امل، نفذها الفنان باللونين الاسود والبني القاتم وعلى هيئة كتل تحت سماء رصاصية قاحلة. الفنان علي طالب هو واحد من اهم فناني الجيل الثاني في العراق وساهم في تأسيس الكثير من الجماعات الفنية في بغداد والبصرة وأقام معارضه في اوروبا وأميركا والوطن العربي، ودرّس مادة الفن في عدد من البلدان العربية. يقيم في هولندا منذ ست سنوات وتحديداً في مدينة لاهاي حيث يقيم معرضه ويعد من الفنانين المقلين في الانتاج بسبب التقنية التي يعتمدها في اعماله والتي تتطلب وقتاً طويلاً. وهذا المعرض هو الثاني له خلال هذه السنوات في غاليري"غونكور".