بدا واضحاً من خلال زيارة الرئيس السوري بشار الأسد إلى فيينا أن حكومته تسعى إلى تحويل سورية إلى «نقطة ربط استراتيجية» اقتصادياً بين عدد من الدول في منطقة الشرق الاوسط من جهة وبين هذه الدول وأوروبا من جهة أخرى و «جسر» للحوار الثقافي والسياسي بين ضفتي المتوسط. ويؤكد مسؤولون سوريون أنهم سيواصلون العمل مع أوروبا والولايات المتحدة لتحقيق السلام، غير أنهم يدعون إلى استغلال التعاون الاقتصادي لخلق التنمية بما «يعزز فرص السلام». وقال الأسد خلال لقائه أمس رجال أعمال إن النمسا «تقع في قلب أوروبا تاريخياً وجغرافياً كموقع سورية في العالم العربي الذي يجعلها منفذاً لدول الاتحاد الأوروبي باتجاه أسواق البلدان العربية وبلدان غرب آسيا، ومركزا لإقامة استثمارات مشتركة في مجالات الطاقة والصناعة والتعدين والزراعة والمعلوماتية والاتصالات والمصارف والتمويل». وأضاف أن هذ الموقع يجعل من سورية «ممراً لعبور مصادر النفط والغاز من المنطقة العربية وآسيا إلى الأسواق الأوروبية عبر المتوسط وتركيا، ونقطة التقاء لشبكات الربط الكهربائي بين هاتين المنطقتين في العالم من خلال موقعها الأساس في مشروع الربط الكهربائي للمشرق العربي الذي يصل الشبكة الكهربائية العربية بتركيا وعبرها إلى أوروبا». وأوضح نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية عبدالله الدردري ل «الحياة» أمس أن تنفيذ «رؤية» تحويل سورية إلى «محور ربط» يسير بخطوات ثابتة، إذ تضمن «الاتفاق في شكل نهائي» مع الجانب العراقي على ترميم أنبوب النفط من كركوك إلى بانياس على ساحل المتوسط بطاقة تصل إلى نحو 200 ألف برميل يومياً، إضافة إلى إقامة أنبوب جديد لنقل النفط بطاقة 1.2 مليون برميل في اليوم. وعلمت «الحياة» أن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي «تعهد شخصياً» تشغيل هذين الانبوبين في إطار توجه البلدين إلى تعزيز علاقاتهما، وان وزيري الخارجية السوري وليد المعلم والعراقي هوشيار زيباري كُلفا صوغ مسودة «اتفاق استراتيجي» بين البلدين. ويتضمن ذلك أيضاً نقل الغاز من حقل عكاس العراقي إلى دير الزور في شمال سورية لربطه بشبكة الغاز السورية التي بدورها سترتبط بطول 60 كيلومتراً بالشبكة التركية. وقال الدردري إن اتفاقاً جرى مع طهران لربط الشبكة الإيرانية بالسورية بمدينة البصرة عبر الأراضي العراقية وصولا إلى البحر المتوسط، لافتاً إلى أن ذلك يتضمن أيضاً ربط مدينة البصرة بطرطوس السورية عبر خط سكك حديد، وربط مدينة التنف على الحدود العراقية مع طرطوس بطريق دولي، ومشروع الربط الكهربائي العربي بالشبكة الخليجية وبأوروبا عبر تركيا. وبحسب اعتقاد الدردري، فإن هذه المشاريع ستكلف نحو 50 بليون دولار أميركي في السنوات العشر المقبلة، لتحويل سورية إلى «عقدة ربط استراتيجية» تكون نقطة ارتكازها في وسط البلاد. وكان الأسد قال خلال لقائه مع رجال الأعمال إن التنمية تساعد في تحقيق السلام وتخفيف التوتر ومكافحة التطرف بما ينعكس إيجاباً على شعوب المنطقة وأوروبا، الأمر الذي وافق عليه الرئيس النمسوي هانز فيشر ورئيس غرفة التجارة النمسوية كريستوف ليتل. وقال الاخير إن «التعاون الاقتصادي يعزز فرص السلام». ورأى الدردري أن تنفيذ التصور السوري سيؤدي إلى «تحوّل هائل» في الشرق الاوسط. وفي حين قال فيشر إن «عملية التقارب» ستستمر بين سورية والدول الأوروبية، وإن اتفاق الشراكة سيوقع قريباً، تحدث الاسد عن عملية الإصلاح الاقتصادي والتحوّل الحاصلة في بلاده التي تضمنت تحرير التجارة وزيادة دور القطاع الخاص وتحسين بيئة الاستثمار وتعريض الاقتصاد السوري للمنافسة الخارجية. وقال إن دمشق لم تعتمد مبدأ الصدمة في الإصلاح الاقتصادي، بل اعتمدت «خطوات تدرّجية مدروسة وبوصفة تلائم طبيعة الاقتصاد السوري وتأخذ في الحسبان التكاليف الاجتماعية لعملية الإصلاح على الطبقات ذات الدخل الأدنى»، بموازاة صدور تشريعات ل «تطوير مناخ الأعمال وبيئة الاستثمار وتحرير التجارة والإصلاح المالي والضريبي في سورية»، ما انعكس إيجاباً في ارتفاع معدلات النمو.