اختارت مجلة "التسامح"، وهي الفصلية الثقافية الصادرة عن وزارة الأوقاف والشؤون الدينية بعمان ان تعالج الموضوعات المتعلقة بالعلاقات بين الحضارات، وباستخدام القيم الأخلاقية في مجالات تسويغ الحروب، والنزاعات بين الأمم والثقافات من منظور منظومةٍ شاملةٍ قوامها العقل والعدل والأخلاق. فكتب في "المحور" عبدالله السيد ولد أباه عن الإرهاب والمشروعية الأخلاقية بعد أحداث 11 أيلول سبتمبر، كتب رضوان زيادة عن صراع القيم بين الغرب وعالم الإسلام، وكتب هانز كينغ عن الإعلان العالمي الصادر عام 1993 عن العلاقات بين الأديان، وكتب مايكل بوس عن الهوية الدينية والقيم العالمية الناشئة، وكتب كلرزمان عن الأخلاق والعولمة، وفيصل الحفيان عن العقل والعدل والأخلاق، وتركي الربيعو عن كتاب محمد عابد الجابري: العقل الأخلاقي العربي. في افتتاحية العدد قرأ رئيس تحرير المجلة الدكتور عبدالرحمن السالمي المسألة من وجهة النظر القرآنية التي تعتبر الدعوة الأخلاقية المنوطة بالمسلمين دعوةً عالمية لصنع المعروف، والتصدي للمنكر، وبواسطة ذلك واستناداً اليه يكون المسلمون الأمة الوسط والشهداء على الناس، كما يكونون مسؤولين عن هذا الذكر أمام الله عز وجل، وأمام رسوله صلى الله عليه وسلم مبلّغ الدعوة، وحامل الرسالة. في حين استعرض الكُتّاب في المحور التوجهات الفلسفية والعالمية والتي تضع الأخلاق وقيمها في الصدارة، ومن ضمن ذلك الديانات الكبرى التي تتنادى من أجل أخلاقٍ عالميةٍ مشتركةٍ للسلام والتلاؤم والعدالة. لكن حتى في الحال هذه تظل المرجعية حاسمة: فمن الذي يملك سلطة تحديد الرؤية، ومن الذي يملك سلطة انفاذها. الواضح ان "التوافق" القائم على الاختيار الحرّ، وإدراك المصالح الحقيقية، هو الذي تؤول اليه المرجعية في النهاية، إن أُريد أن يكون للعالم سلام وعدل وسلامة خُلقية وخلقية. وعادت المجلة للموضوع نفسه في بابها الأخير: "مراجعات كتب"، حيث راجع حسان حامد كتاب هانز كينغ: "مشروع أخلاقي عالمي" مراجعة تنصب على العلاقة بينه وبين البيان الصادر عام 1993 من صياغة كينغ، وإسهام وتعديل زهاء المئتين من كبار رجال الديانات في العالم. وفي باب "وجهات نظر" عولجت القضايا الأخلاقية مرة أخرى من بابي قيمة "التسامح"، فكتب عاطف علبي عن الحق في الاختلاف وهل هو مقدم على التسامح، وكتب هارالد موللر عن تعايش الثقافات والقيم الإنسانية، وكتب مصطفى بن حمزة عن تأصيل التسامح بين المسلمين، وكتبت منى دياب عن جدليات التسامح والاعتماد المتبادل بين الحضارات. وأضاف ميشال كيلو بُعداً آخر للمسألة بمراجعته اللقاء العربي - الأميركي بمالطا، والذي انصبّ على نقد مقولة "الحرب العادلة"، والمدني والديني في الثقافة، واختلاف الرؤية بين العرب والأميركيين الى قضية فلسطين. بيد أن العدد السابع من مجلة "التسامح" ما انتهى عند هذه القضية المركزية" بل كتب فيه أيضاً فرد دونّر عن "تاريخ صدر الإسلام بين الأدب والوثائق"، ومحمد شوقي الزين عن تاريخ التأويل الهرمينوطيقا، ورضوان السيد عن الإسلام والبوذية، ولي تشين شونغ عن الإسلام والثقافة الصينية، وأيمن فؤاد سيد عن القاهرة زمن المماليك، وشمس الدين الكيلاني عن صورة أوروبا لدى الرحالة الأندلسيين، ويوسف كمال عن موضوعة الدين والدولة في كتاب صادر أخيراً. فاجأتنا مجلة "التسامح" في أعدادها السبعة حتى الآن بجدية وتجديد كبيرين وواعدين. وهذا العدد الذي ألمحنا الى موضوعاته بالغ الروعة والأهمية، والتحدي الآن أن تظل اصدارات المجلة على هذا المستوى العلمي والنهضوي، وبأقلام عربٍ وأجانب، حريصين على الأفق الجديد.