تعني فكرة الاصلاح المطروحة امام"منتدى المستقبل"في الرباط ان لا مجال بعد اليوم في الشرق الأوسط الكبير وشمال افريقيا للاستيلاء على السلطة السياسية بالقوة من خلال انقلابات عسكرية. ما يدفع الى الاعتقاد بأن أي حوار سياسي واقتصادي وثقافي حول مفهوم الاصلاح أفضل من مغامرات تقود الى المجهول. وقد يكون ذلك في مقدم الاسباب التي جعلت دولاً عربية تقبل الانخراط في هذه المنظمة، حتى وان ظلت تحتمي بمقولة الاصلاح الذي يأتي من الداخل. لكن التوقف عند جوانب مغرية في الطرح المنادي بالديموقراطية وتحديث الاقتصاد واستيعاب قيم الانفتاح والعصرنة والاندماج في تحولات العولمة الكاسحة لا يصمد أمام حقيقة ان الاشكالات التي يواجهها العالم العربي ذات صلة بمفهوم التحرر أولاً وان الديموقراطية لا تستقيم مع استمرار احتلال الأرض واهانة الانسان. كما انها تبقى ناقصة في غياب التحكم في الموارد والاستخدام الناجع في التنمية. وليس هناك وصفة اصلاحية يمكن ان تعوض سلب الأوطان. الأمل في فكرة"منتدى المستقبل"انها تكاد تكون بديلاً للطرح الذي بلوره الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الأب بعد الانتصار في دحر القوات العراقية في الكويت حين دعا الى اقامة نظام دولي جديد. بيد ان هذا النظام ذاته أعطى الغلبة للقوات الأميركية والاقتصاد الاميركي والاستراتيجية الاميركية في الحرب الراهنة على العراق وامتد الأمر ليشمل التجارة الدولية وموازين القوى العسكرية في غياب واضح لمنظومة الشرعية الدولية. ما يعني ان الدعوة الى دمقرطة العالم العربي وفق المنظور الأميركي تروم هدفين: 1- الضغط على القادة العرب لحضهم على الإذعان اكثر للسياسة الاميركية تحت غطاء الاصلاحات التي تكفل الاستقرار والانتقال السلس للسلطة، ثم الايحاء للشعوب العربية بأن مشاكلها ليست مع الهيمنة الاميركية وأنواع السيطرة السياسية والاقتصادية، وانما مع الأنظمة التي لا تريد ان تتغير. والحال ان وضع العالم العربي وفق هذا التسلسل يبدو مقيداً للخيارات وليس محرراً لها. فالاذعان لمنطق الاصلاح الاميركي يصب في الشق السياسي والنفسي والتاريخي المرتبط بالتعايش مع الأمر الواقع. وفي مقدمه التطبيع مع الكيان الاسرائيلي ونسيان مرتكزات التحرر. ورفض هذا المنطق يعني تعميق الفجوة بين القادة والشعوب واظهار الحكام العرب انهم يعيشون خارج مدار التطور. وما يسعى إليه الطرح الأميركي ليس بلورة اصلاحات تنشد العدالة، ولكنه تبرير وتغليب منطق السيطرة. وبسبب الفشل في تدبير فترة ما بعد الحرب على العراق، جاءت مقولة الإصلاحات الديموقراطية في صورة انتخابات على الطريقة العراقية، وقبلها الأفغانية، لتلتف على الحقيقة، وبذلك أبدعت مبررات جديدة لاحتواء الفشل. يبدو الرهان عربياً على انجاز التحول الديموقراطي قضية يتداخل فيها البعدان الوطني والاقليمي. وإذا كان الطرح الأميركي يراد لاعتبارات تجعل العالم العربي محكاً للتجربة في نطاق الاستراتيجية الأميركية لتوسيع مفهوم الشرق الأوسط وشمال افريقيا من خلال اقحام تركيا وأفغانستان، فإن الأهم بالنسبة إلى الدول العربية أن تلتقط الحاجة الأميركية الملحة لطرح قضاياها المحورية، من منظور يربط بين الديموقراطية والتحرر وبين التنمية والاستقرار وبين التطرف واليأس وسيادة ثقافة الاحباط، لكن الحوار في"منتدى المستقبل"ليس أكثر من شوط إضافي في مباراة حسمت نتائجها من قبل. فثمة مؤسسات أخرى لبلورة مفاهيم الإصلاح من الداخل يمكن اللجوء إليها من خلال الاختيار الإداري للإصلاح، أكان ذلك على صعيد كل دولة على حدة أو في نطاق مقاربات جديدة لاعطاء التضامن العربي أبعاده الايجابية. ومهما تباينت أو تلاقت رؤى الإصلاح ومرجعياته وآلياته وشروط تحقيقه، فإن استنهاض ارادة المشاركة السياسية والانفتاح على المجتمع وابتكار وسائل جديدة في مواجهة اكراهات الحاضر والمستقبل تبقى الوصفة التي لا بديل عنها لإقرار اصلاحات جوهرية تعيد للعالم العربي بعض المكانة التي فقدها. ويكفي التركيز الأميركي على المنطقة العربية اليوم لتأكيد أنه يثير شهيات الغير من دون اثارة شهيات ابنائها.