الحدث أن انتخابات رئاسية واشتراعية تنظم اليوم في تونس. واللاحدث أنها لن تحمل مفاجآت، وأن التجديد لولاية الرئيس زين العابدين بن علي محسوم سلفاً، من دون أن يفرض ذلك ضرورة التجديد بأرقام على الطريقة العربية تفوق المتخيّل، لو أمكن الحديث عن نسبة أكثر من مئة في المئة. فالأهم في الديموقراطية، إذ تصبح يقيناً مبدئياً في التداول على السطة وتجديد النخب وبناء دولة القانون واحترام التعددية السياسية والفكرية وتنوع المبادرات، أن تعكس حيوية المجتمع وتكون وسيلة لتكريس الحريات السياسية والاقتصادية والثقافية. والأهداف المتوخاة من الخيار الديموقراطي لا تتحقق بالأرقام الخيالية وإنما بالقدرة على إحداث مشارب واتجاهات فكرية تجعل الرأي العام حَكَماً، يكون في وسعه دائماً أن يدعم أو يعاقب وأن يساند أو يعارض انطلاقاً من ممارسات والتزامات تحول الديموقراطية إلى قوت يومي وليس مواسم انتخابية. بيد أن الأهم في انتخابات تونس أنها تكاد تكون الأولى عربياً منذ تداول مشاريع الإصلاح التي تتبناها الإدارة الأميركية ضمن ما يعرف ب"الشرق الأوسط الكبير". وفي وقت تضاعفت حدة الانتقادات الموجهة إلى العواصم العربية وحظوظ تكريس الإصلاحات من الداخل أو الخارج، وبصرف النظر عن الموقف من الطروحات الأميركية والغربية عموماً، فإن مطالب الإصلاحات كانت قائمة بارتباط مع سيادة المنظومة الكونية ذات العلاقة باحترام حقوق الإنسان وعولمة الاقتصاد وسيطرة مفاهيم الانفتاح والمنافسة، وبالتالي فإن التحديات المطروحة في حال الانتخابات التونسية والاستحقاقات العربية المختلفة تفرض أن تحمل اجابات موضوعية وحاسمة ازاء الاختبار بين الديموقراطية وغيرها من مسكنات المراحل، كون النجاح في خيار كهذا يحرر البلدان المعنية من أي ضغوط أو اكراهات أو وصاية. لكن مبررات الاملاء الخارجي ستبقى قائمة في حال تعثر الخيار الديموقراطي. أن تكون هناك انتخابات بمثابة تمارين لصون الديموقراطية أفضل من ألا تكون. وأن تكون هناك اصلاحات تتطور تدريجاً وفق وتيرة متصاعدة أفضل من الرهان على عدم رؤية الحقائق ومحاولة تجاهلها، ذلك أن الغاء الآخر الذي قد يكون صوتاً معارضاً أو مختلفاً لا يلغي المشاكل. ويكون أجدى في أي استحقاقات بهذا المستوى أن تكرس مبدأ الاختلاف وتوسع هامش المشاركة طالما أن الاحتكام يكون لقاعدة صناديق الاقتراع متى توفرت لها شروط النزاهة والحياد والشفافية. والتجربة التونسية، تحديداً، محكوم عليها بالتعايش ضمن محيطها الاقليمي، أكان ذلك على صعيد منطقة الشمال الافريقي في ضوء استشراء عدوى الديموقراطية ذات التأثير الايجابي، أو على صعيد الالتزامات المشتركة بقيم الحداثة والانفتاح والتداول السليم على السلطة، باعتبارها أسبقيات تتحكم في العلاقات داخل المنظومة الأورو - متوسطية. وعلى رغم أن النظرة الأوروبية لمنطقة جنوب البحر المتوسط يسيطر عليها الهاجس الأمني الذي يأتي على خلفية تنامي التظرف والإرهاب وأنواع المخاوف، فإن الدعوات الصاعدة لجهة حض الشركاء الأوروبيين على المساعدة في التنمية لن تجد هداها إلا عبر إقرار الانفتاح الديموقراطي في المنطقة، بما يؤهلها لأن تساعد نفسها في الدرجة الأولى، وبالتالي تصبح الانتخابات التونسية، كما الجزائرية أو المغربية أو الموريتانية، سابقاً محكاً لاختيار إرادة دول المنطقة في السير قدماً نحو النهج الديموقراطي. والأمر لا يتعلق اطلاقاً بتقديم شهادات حسن السلوك والنيات، وإنما ببلورة إرادة الاندماج في صلب التحولات الدولية، عدا أن تجارب الدول المغاربية، إن هي أقرب المنهجية الديموقراطية بطريقة لا رجعة فيها، فإنها تصبح عنصراً مساعداً في استشراء الوعي الديموقراطي افقياً في اتجاه مكونات العالم العربي، وبذلك تستطيع اطروحة الرهان على الاصلاحات الداخلية أن تصمد في مواجهة أي ربط غير بريء بين مفهوم الإصلاحات ذات الأبعاد السياسية والاقتصادية والثقافية وما تحاول أن تخفيه مشاريع الاصلاح الخارجي في الربط بين الديموقراطية وكينونة الشرق الأوسط الكبير. تبشر أميركا بديموقراطية الدبابات والدم في انتخابات العراق التي تجد في تقديمها حلاً لما هو أخطر من الأزمة في بلاد الرافدين، تماماً كما تحول إسرائيل ديموقراطيتها إلى منطق قتل وإبادة الآخر من دون أن يحرك العالم ساكناً، وربما ان الدرس الذي يتعين استخلاصه من هذه الطروحات ان الديموقراطية أكبر من علامة تجارية في التسويق، لكنها في أوضاع العالم العربي غير محاصرة بالدبابات، فقط بقليل من الاذعان لصوت الشارع العربي يمكن انعاش التجارب الديموقراطية، وليس أسهل من فتح النزافذ والشرفات أمام نسائم الحرية بدل الانزواء في غرف مكيفة الهواء.