أعترف بأنني أضيق احياناً بأخبار اللاسامية في هذا البلد او ذاك، وأشعر بوجود مبالغة، فهناك عنصرية كامنة في كل نفس بشرية، جهلاً او إدراكاً، ثم يحدث ما يذكرني بها، من اعتداء أو خبر... امامي مادة تلقيتها من دون طلب عبر الإنترنت، وهي تحمل في بدايتها على مايكل مور وتقول انه تجنب في فيلمه "فهرنهايت 11/9" إدانة النخب الصهيونية التي تسيطر على السياسة الأميركية، ليضمن توزيع فيلمه، وتستشهد بجريدة "هاآرتز" التي قالت السنة الماضية ان الحرب على العراق دبّرها مفكرون محافظون جدد، غالبيتهم من اليهود. غير ان الكلام بعد هذه المقدمة تحول فجأة الى "مؤامرة" وإلى "عملاء روتشيلد"، وإلى مسؤولية الصهيونية عن إرهاب 11/9/2001. المشكلة في مثل هذا الكلام السفيه أو السخيف ان هناك من يصدقه، والمشكلة الأكبر ان بعض من يصدقه قد يترجم التصديق اعتداء على كنيس او تدنيساً لمقبرة يهودية. غير انني أكمل من حيث توقفت امس، فبعد ان سجلت مظاهر من العنصرية واللاسامية، وربطت ازدياد الأخيرة بجرائم حكومة شارون، خلصت الى القول ان اسوأ اعداء الفلسطينيين والإسرائيليين هم المتطرفون في الولاياتالمتحدة الذين يؤيدون اسرائيل اخطأت او اصابت، ما يشجع حكومة شارون على الاستمرار في مواقف متطرفة تدمر السلام، وتقتل مزيداً من ابناء الشعبين. كلنا قرأ الأخبار عن إصدار الكونغرس امراً الى وزارة الخارجية الأميركية بتقويم الحكومات عبر العالم على اساس معاملتها لليهود، وضم التقويم الى العرض السنوي لانتهاكات حقوق الإنسان. لماذا اليهود؟ لماذا لا يكون التقويم للفلسطينيين؟ او للسود؟ او للأكراد؟ أو للغجر؟ كان مسؤولون في وزارة الخارجية الأميركية نفسها حاولوا منع الكونغرس من إصدار القرار، وقالوا انه سيظهر انحيازاً الى شعب واحد ولن تكون له اي صدقية، فالدول المستهدفة ستتحدى نتائجه. غير ان الكونغرس اصر على موقفه، وقال ان هناك زيادة مقلقة في التمييز ضد اليهود، خصوصاً في اوروبا، ثم أشار تحديداً الى فرنسا وروسيا وماليزيا ومصر وكندا وأستراليا. كتبت في السابق وأكتب اليوم انني كمواطن عربي افضل الكنيست الإسرائيلي على الكونغرس الأميركي، وأجده اكثر اعتدالاً، وحتماً اكثر فهماً لطبيعة الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي وسبل إنهائه. الكونغرس الأميركي يشجع التطرف في اسرائيل، وهو بالتالي مسؤول مع حكومة شارون عن قتل الفلسطينيين والإسرائيليين في مواجهة مستمرة لا حل عسكرياً لها، وإنما يكون الحل بطلب السلام فعلاً لا الحديث عنه ثم اتخاذ كل موقف ممكن لتقويضه. ولعل المثال الأوضح على تطرف الكونغرس هو النائب توم لانتوس، وهو يهودي من هنغاريا ومتجنس اميركياً، ويدين بالولاء لإسرائيل وحدها. لانتوس هذا كان من رعاة "قانون عرض اللاسامية حول العالم"، وعندما اعترضت وزارة الخارجية على "التحيز" الواضح لليهود رد بأن الوزارة أبدت موافقة مخيفة "لأسوأ انواع ستيريوتايب لليهود مما يوجد في النشرات اللاسامية عبر التاريخ الحديث". عبر هذا التاريخ لا توجد مبالغة مثل اتهام لانتوس لأميركيين في وزارة اميركية يحاولون خدمة مصالح بلادهم بالموافقة على اي شيء لا سامي، بدل ان يخدموا اسرائيل كما يريد هو. المأساة في مثل هذه المواقف المتطرفة، ليست مجرد ان الفلسطينيين يدفعون ثمنها، فالإسرائيليون يدفعون ايضاً، وهناك حكومة شبه نازية في اسرائيل تعتقد بأنها تستطيع فرض حل عسكري لمجرد ان امثال لانتوس يضمنون لها دعم اميركا، مالياً وعسكرياً، وبالفيتو في مجلس الأمن. ولانتوس هذا من الناجين من المحرقة النازية، ويفترض ان يكون اكثر انسانية، إلا انه في تطرفه لا يفعل سوى زيادة اللاسامية كرد فعل مرفوض اطلاقاً عندي. كيف ينجو الكونغرس بجريمة منع السلام عن الفلسطينيين والإسرائيليين؟ هو ينجو لأن المتطرفين ليسوا داخله فقط، فعصابة المحافظين الجدد في الإدارة وحولها تجعل التطرف مقبولاً من دون ان ترى كيف تدفع اسرائيل ثمنه وهم يسعون الى خراب الشرق الأوسط كله معتقدين انهم بذلك يحمون امن اسرائيل. كنت أقرأ اخبار الكونغرس الإسرائيلي عندما وقعت على مثال جيد عن عصابة المحافظين الجدد، فقد قرأت مقالاً كتبه مارتن بيريتز، رئيس تحرير "نيو ريببلك" المتطرفة بدورها في "لوس انجليس تايمز" الراقية، يهاجم فيه المرشح الديموقراطي جون كيري لأنه لا يؤيد اسرائيل بما يكفي. ربما كان تأييد اسرائيل "بما يكفي" امثال بيريتز هو ان يقتل شبان اميركيون في العراق في حرب غير ضرورية وغير مبررة، خطط لها المحافظون الجدد لحماية امن اسرائيل. وربما كان "بما يكفي" اذ اصبحت الولاياتالمتحدة اكثر بلد مكروه في العالم بسبب سياسات المحافظين الجدد غير المنتخبين، بعد ان كانت اكثر الدول الغربية شعبية بين العرب والمسلمين وغيرهم. أتحدى اي انسان ان يجد، ولو مرة واحدة، ان كيري صوّت في مجلس الشيوخ على امتداد نحو عقدين ضد اي مصلحة اسرائيلية، مع ذلك فأمثال بيريتز لا يكتفون بتأييد اسرائيل تأييداً مطلقاً، وإنما يريدون دعماً للاحتلال، يعني قتل الإسرائيليين مع الفلسطينيين في خدمة اجندة متطرفة. طبعاً غالبية اليهود الأميركيين كالإسرائيليين، معتدلة تريد السلام وأمثال بيريتز يظلون فيها اقلية، وستظهر نتائج انتخابات الرئاسة الأسبوع المقبل ان غالبية اليهود الأميركيين صوتوا مرة اخرى مع المرشح الديموقراطي، وليس مع بيريتز. شخصياً لا يهمني ان يفوز جورج بوش، او جون كيري، فهما عربياً وإسلامياً مثل شهاب الدين وأخيه، ولكن يزعجني كطالب سلام ان اقرأ اخباراً من نوع "بوش وكيري يرقصان على نغمة آرييل شارون"، كما كتب سايمون تيسديل في "الغارديان" الأسبوع الماضي، فهي رقصة موت من مظاهرها الأخرى ازدياد اللاسامية حول العالم.