أكتب ظهر الثلثاء بتوقيت لندن، أي السابعة صباحاً بتوقيت الساحل الشرقي للولايات المتحدة، والرابعة صباحاً بتوقيت الساحل الغربي، ولا أعرف هل يختار الأميركيون جورج بوش لولاية ثانية، أو يفضلون عليه جون كيري. وأقول مرة أخرى أن لا فارق بين الاثنين، عربياً واسلامياً فهما حاولا خلال حملة الانتخابات ان يركزا على ما يميز أحدهما عن الآخر، إلا انني وجدتهما في موضوع الشرق الأوسط منحازين الى اسرائيل بالكامل، وكل حديث غير ذلك خرافة انتخابية. إذا كان من فارق يرجح أحدهما على الآخر فهو ان جون كيري يعرف أكثر من جورج بوش عن الشرق الأوسط، وكل قضية أخرى. وليس هذا صعباً، فجورج بوش الذي تخرج من كلية التجارة في جامعة هارفارد، وجلس في مجالس ادارة شركات كيري، لم يستفد من الدراسة أو "البزنس" ولم يفد أحداً، فهو بقي في شبه غيبوبة، بين خمر وغيره، حتى سنة 1985 عندما كان عمره 39 عاماً، وأحرج والديه في حفلة عامة واستعان الأب، وكان نائباً للرئيس ريغان، بالمبشر بيلي غراهام، فأخذ هذا الابن الى دروس دين، ووجد الابن ما يريد فأصبح مسيحياً متجدداً، وانتقل من العبث الى التطرف الديني. يظل جورج بوش أفضل من التبشيريين المتطرفين حوله، وأسجل له انه اول رئيس أميركي ذكر كلمة "مسجد" في الخطاب الذي ألقاه في حفلة تنصيبه في 20/1/2001، وانه باستثناء عبارة "حرب صليبية" المستعملة كثيراً بالانكليزية، وفي غير معناها الأصلي، كان دائماً ايجابياً في حديثه عن الدين الإسلامي والمسلمين، ويفرق بين الارهابيين والغالبية المسالمة. مع ذلك جورج بوش يجهل التفاصيل، ويبني سياسته على الايمان لأن الحقائق توجد شكوكاً وتربكه. وإذا كان من شيء يجمع بين الكتب الصادرة عن ناس عملوا معه عن كثب فهو انه لا يعرف، ولا يريد ان يعرف، وربما انه لا يستطيع وهو بالتالي يفتقر الى "الفضول الفكري" اللازم لمن يحكم أميركا والعالم معها. ونجد هذا القاسم المشترك في كتب من نوع "ضد كل الأعداء: داخل حرب أميركا على الارهاب" من تأليف ريتشارد كلارك، و"سياسة الصدق: داخل الأكاذيب التي أدت الى الحرب وفضح هوية زوجتي في سي آي ايه" من تأليف جوزف ولسون، وهو ديبلوماسي معارض للحرب كشفت هوية زوجته وعملها انتقاماً منه، و"ثمن الولاء: جورج بوش، البيت الأبيض، تعليم بول اونيل"، من تأليف رون سسكايند. هذا الجهل يجعل الرئيس بوش معجباً وحيداً بين قادة العالم بمجرم الحرب آرييل شارون على رغم انه لم يره قبل الرئاسة سوى مرة واحدة ولفترة قصيرة، ثم يجعله يقول صراحة في أول اجتماع لمجلس الأمن القومي انه يريد الابتعاد عن قضية الشرق الأوسط لصعوبة الحل، ما يعني عملياً اعطاء شارون ضوءاً أخضر للقتل والتدمير. وهو ما فعل، ومع العلم ان كل ادارة أميركية، منذ أيام ريتشارد نيكسون، منغمسة في الموضوع. هناك قصة تكاد تكون طريفة عن جهل جورج بوش، لولا انه في البيت الأبيض، ففي اجتماع مع أعضاء من مجلسي الكونغرس من الحزبين اقترح النائب توم لانتوس، وهو ديموقراطي من كاليفورنيا، ان من الأفضل لتنفيذ "خريطة الطريق" ان تقود قوات سويدية قوة حفظ سلام صغيرة، مع عدم ثقة الاسرائيليين والفلسطينيين بدول أخرى. ورد جورج بوش امام الجميع "السويد ليس لها جيش"، وحاول لانتوس أن يبقى مهذباً، وقال ان الرئيس ربما كان خلط بين السويد وسويسرا، مع ان لهذه الأخيرة قوة داخلية كبيرة حسنة التسليح، الا ان الرئيس أصر على انه لا يوجد جيش في السويد، ورأى الرئيس لانتوس بعد أسابيع، فانتحى به جانباً وقال انه يوجد فعلاً جيش في السويد. عندما تجمع "جبلة" الرئيس بين الجهل والتطرف الديني تصبح قاتلة، ومن نوع لا يختلف كثيراً عن تطرف أسامة بن لادن وأيمن الظواهري والزرقاوي. لكن أكرر مرة أخرى ان الرئيس أفضل من اتباعه، وقد قرأت كلاماً كثيراً مكرراً عنهم، فهم يعتبرونه رسول الله الى أميركا والعالم في رئاسة أساسها الإيمان لا الحقائق. جون كيري اذكى من منافسه بالتأكيد، الا ان مشكلة العربي أو المسلم معه انه مؤيد لإسرائيل بالكامل، وانه متذبذب والى درجة ان يتذكر انه كاثوليكي وانه مؤمن، فيلعب ورقة الإيمان في حملته الانتخابية. وسمعته يقول وهو يلقي عظة الأحد في كنيسة معمدانية في أوهايو: "نعمة الله أوصلتني الى حيث أنا الآن، ونعمة الله تقودني الى بر السلامة". بل انه استعار كلمات من التوراة وهو يتهم جورج بوش بالتقصير في موضوع دارفور، فقال ان الكلمات من دون أفعال لا معنى لها، وكان كيري قال في المناظرة التلفزيونية الثالثة مع جورج بوش "الحقيقة ان ايماني يؤثر في كل ما أفعل". الإيمان مطلوب لذاته، وكلنا مؤمن، إلا ان ايمان جورج بوش والاستعاضة به عن المعلومات والحقائق والمصالح في صنع السياسة أمر مخيف، يزيد مع مزايدة المرشح الديموقراطي على منافسه الجمهوري في حقل الإيمان. لا أعرف من سيختار الأميركيون مع انقضاء هذا اليوم رئيساً، غير انني أعرف انه لن يكون قدرة من مستوى بيل كيلنتون، أو السناتور جوزف بايدن. مع ذلك، الأميركيون سيختارون رئيساً لهم ولنا، وسنتعامل مع الرئيس العائد أو الجديد شئنا أم أبينا. وإذا عاد جورج بوش فالأمل ان يكون تعلم في ولايته الأولى ما يجعل ولايته الثانية أفضل، لأن المشكلة في الولاياتالمتحدة وكل بلد ان الرئيس يتعلم وهو يعمل، لأنه لا توجد مدرسة تخرج حكاماً. واذا اختار الأميركيون جون كيري فالأمل ان يتصرف بالذكاء الذي يحتاج اليه المنصب وباستقلالية عن جماعات المصالح التي انبثقت رئاسة بوش منها، وعن اللوبي اليهودي وكل لوبي ليخدم مصالح بلاده، قبل أي مصلحة أخرى، وهو لو فعل فلن نختلف معه يوماً، فثمة مصالح مشتركة كثيرة بين العرب والولاياتالمتحدة رعايتها تفيد الجانبين.