اتسع الجدل في العراق في شأن الإبقاء على موعد الانتخابات المقررة أواخر كانون الثاني يناير المقبل أو تأجيله بسبب استمرار تردي الأوضاع الامنية، وتسابق القوات الاميركية والعراقية الوقت لتوفير الأمن في المناطقة المضطربة واقتربت امس من "مثلث الموت" جنوببغداد. وفي هذا الوقت احتدم الخلاف بين العراق والأمم المتحدة في شأن تمويل التحقيق في ادعاءات الفساد في برنامج "النفط للغذاء" الذي رعته المنظمة الدولية في عهد الرئيس المخلوع صدام حسين. واكد أمس رئيس المفوضية العليا للانتخابات عبدالحسين الهنداوي ان اقتراح تأجيل الانتخابات يجب ان يحظى بالإجماع الوطني الذي يتمثل بالمجلس الوطني الموقت والحكومة الموقتة وهيئة الرئاسة بالاضافة الى الاممالمتحدة. وكان "الحزب الاسلامي العراقي"، وهو الحزب الرئيسي الذي يمثل السنة العرب، كرّر امس انه يريد المشاركة في العملية السياسية لكنه دعا الى تأجيل الانتخابات مع استمرار العنف في المنطقة السنية وسط البلاد. ودعا الحزب، وسبعة أحزاب أخرى في بيان مشترك أمس الى تأجيل الانتخابات الى أن تسوى الخلافات مع الشيعة والاكراد وينتهي العمل بقانون الطوارئ. وأكدت هذه الاحزاب مشاركتها في العملية السياسية وإيمانها بالعملية الانتخابية، لكنها دعت الى تأجيل الانتخابات الى أن تلبى مطالبها. ولفت الهنداوي الى ان المفوضية لا تملك الصلاحيات التي يمكن ان تلبي مطالبة الاكراد بتأجيل انتخابات المجلس المحلي في كركوك الى حين تطبيق الفقرة 58 من قانون ادارة الدولة الموقت المتعلق بتطبيع الاوضاع في المدينة وإعادة المهجرين الأكراد اليها، وان المفوضية ملتزمة تنفيذ قانون الانتخابات. وأكد ان العملية الانتخابية ستتم بمن يقترع، مستبعداً ان تصل المقاطعة الى مستوى يؤثر على صدقية الانتخابات وسلامتها. واوضح ان المفوضية تتعامل مع كل الاطراف المقاطعة باحترام كبير، واكد انها فتحت مراكز لتسجيل الناخبين في الموصل، باشر القسم الأكبر منها عمله أمس رغم الظروف الصعبة. في هذه الاثناء، أعلن الجيش الاميركي ان قوة اميركية وبريطانية وعراقية اقتربت من "مثلث الموت" الذي يشمل مدن اللطيفية والمحمودية واليوسفية والاسكندرية والحصوة والمسيب. وقال ناطق عسكري ان الأيام المقبلة ستشهد عدداً من الهجمات المركزة جداً لاعتقال المسلحين في هذه المنطقة أو قتلهم. وكانت قوة عسكرية تضم نحو خمسة آلاف جندي اميركي وبريطاني وعراقي بدأت الثلثاء هجوماً واسعاً على معاقل جنوببغداد في اطار الاجراءات المتخذة للقضاء على تجمعات المسلحين قبل الانتخابات. خلاف مع أنان وفي نيويورك، احتدم الخلاف بين الحكومة العراقية وبين الامين العام للامم المتحدة كوفي أنان بخصوص تكاليف التحقيق في ادعاءات الفساد في برنامج "النفط للغذاء" الذي ادارته المنظمة الدولية في عهد الرئيس المخلوع صدام حسين وقرر انان اقتطاعها من العائدات النفطية العراقية. ورفضت البعثة العراقية في نيويورك رد الامين العام على رسالة احتجاج أرسلتها اليه واعتباره اقتطاع مبلغ 30 مليون دولار من حساب ادارة البرنامج "قانونياً"، وردت في رسالة الى رئيس مجلس الامن للشهر الجاري السفير الاميركي جون دانفورث عارضت فيها قرار انان. ونقلت مصادر عن الموقف الاميركي "مخاوفه" من ان يؤدي اصرار العراق على عدم تمويل التحقيق من الحساب المعلق الى رفض الدول الاعضاء في الاممالمتحدة الموافقة على المساهمة في تمويله. وقال السفير العراقي المناوب الدكتور فيصل الاسترابادي: "يجب ان يكون التمويل من الاممالمتحدة، ولا يجوز ان يكون من أموال الشعب العراقي للتحقيق في ما اذا كانت الاممالمتحدة فاسدة". وحصلت "الحياة" على نسخة من الرسالة التي بعث بها السفير العراقي سمير الصميدعي الى اعضاء مجلس الامن، وقال فيها: "فيما ندعم بشدة عمل لجنة التحقيق المستقلة ونتعهد التعاون لتسهيل مهمتها، أود ان ابلغكم اعتراض حكومتي الشديد على استخدام الاموال من حساب 2.2 في المئة لتغطية تكاليف اللجنة". وطالب الصميدعي بأن "ينقل" ما تبقى في الحساب "وهو ملك العراق" الى "صندوق تنمية العراق في أسرع وقت"، وعارض موقف انان القائل انه استمد استنتاجه من قرارات مجلس الامن، كما احتج على صمت اعضاء المجلس على اعتزام الامين العام استخدام الاموال العراقية في الحساب المعلق، وقال: "يجب ان لا ينظر الى صمت مجلس الامن على انه موافقة ضمنية على موقف انان". وشدد المندوب العراقي على ان حكومته "تعتقد بأن استخدام هذه الاموال ليس له اساس او قاعدة قانونية، فالقرار 986 يسمح باقتطاع 2.2 في المئة فقط لتغطية التكاليف الادارية للبرنامج، لكنه لا ينص اطلاقا على استخدام هذه الاموال العراقية للتحقيق في ادعاءات الفساد وغيرها". واضاف الصميدعي: "يجب عدم جعل الشعب العراقي ضحية مرتين من خلال مطالبته بدفع تكاليف التحقيق بعد نهب أمواله، اذا ثبتت الادعاءات". وفي مدريد، قال الرئيس المصري الزائر حسني مبارك انه "عندما يصبح هناك جيش عراقي ويصبح الوضع في العراق مستقرا، يمكن تحديد موعد لانسحاب القوة المتعددة الجنسية من هذا البلد"، مؤكدا انه لم يصب بخيبة امل لان مؤتمر شرم الشيخ للدول المجاورة للعراق لم يحدد موعدا لانسحاب القوات الاجنبية.