لم تمنع ثلوج مونتريال ورياح أوتاوا وجليد أونتاريو مئات الآلاف من الأميركيين من التوافد الى السفارات الكندية سعياً وراء "تأشيرة" أو "لجوء سياسي" بعدما خذلتهم صناديق الاقتراع التي حقق فيها اليمين الأميركي المحافظ نصراً ثلاثياً في مجلسي النواب والشيوخ وفي البيت الأبيض وتكرست معه "أربع سنوات أخرى" للرئيس جورج بوش. وحين لم تنفع جرعات ال"بروزاك" ضد الاحباط، و"ضمّات" الأصدقاء وجلسات المواساة، توجهت الأعين نحو الحدود الشمالية. وشهد موقع دائرة الهجرة الكندي الالكتروني زيادة في عدد زائريه بنسبة ستة أضعاف بعد فوز الرئيس بوش. وعرف الموقع الالكتروني ذروة الإقبال عليه، مع دخول 115 ألف زائر، في مقابل 20 ألفاً قبل الانتخابات. وسجل موقع "غوغل" للبحث الالكتروني أكثر من 8000 موقع تهتم بموضوع "الانتقال الى كندا " بوش" وبينها مواقع "دردشة" لليبراليين مكتئبين بعد الانتخابات. وشاعت مواقع أخرى مثل: www.sorryeverybody.com والتي يعتذر من خلالها مئات الآلاف من الأميركيين الى العالم عن نتائج الانتخابات. وأكدت المديرة الاعلامية لوزارة الهجرة الكندية ماريا لادينارد أن "جرس الهاتف لم يتوقف في مكاتب الوزارة في أوتاوا هذا الأسبوع"، كما أوضحت لادينارد ل"الحياة" أن الوزارة اضطرت الى تعميم تصريح يذكر بقوانين التوطين والذي يفرض "على الأميركيين وغيرهم امضاء على الأقل عام في كندا قبل الحصول على الجنسية". ويفترض على الأميركيين واي طالب هجرة آخر الى كندا، دفع ما مجموعه 1475 دولاراً كندياً لتكاليف الطلب. ويختصر موقع "تزوج أميركياً" الالكتروني الكندي هذه الفترة إذ شهد اقبالاً كثيفاً أيضاً. وأشارت لادينارد الى "منفعة متبادلة من هذه الخطوة" اذ تعاني بعض المقاطعات الكندية الباردة من نقص سكاني، أبرزها أوتاوا التي تسعى لاستقطاب 220 ألف مهاجر. ويقول جيف، الأميركي الديموقراطي من ولاية كنساس، إنه "حسم قراره بالهجرة بعد هزيمة الأربعاء". وتحدث عن "احساس بالارهاق والاحباط لوجوده في ولاية حمراء" في ظل "انقلاب تاريخي جعل من الديموقراطيين والليبراليين أقلية اليوم". ويعيش في كندا مليون أميركي، صوت غالبيتهم للمرشح الديموقراطي جون كيري هذه الدورة. وأشار استطلاع اجرته جامعة ماريلاند الى أن 21 مليون شاب وشابة تحت عمر الثلاثين صوتوا في هذه الانتخابات، في مقابل 4.6 مليون في العام 2000 أي ما نسبته 51 في المئة في مقابل 42.3 في المئة في الدورة السابقة. ونجح الديموقراطيون في استقطاب 54 في المئة من هذا التصويت، في مقابل 44 في المئة للجمهوريين. وعكس استطلاع لمحطة "سي بي أس" الاخبارية أجري غداة إعلان نتيجة الانتخابات نية 60 في المئة من الشباب الذين صوتوا لكيري الهجرة الى كندا. واستدعت خطوة الهجرة تصريحاً من رئيس الوزراء الكندي بول مارتن الذي رحب بالمتوافدين مع التأكيد "أن كندا وطن المهاجرين ونحن مستعدون لاستقبال مهاجرين من اي مكان انما من دون أي امتيازات لدول الجوار". الهجرة الى الشمال وتاريخياً، تضاعف النزوح شمالاً خلال حرب فييتنام وبعد فوز ريتشارد نيكسون التاريخي عن الحزب الجمهوري في 1968، وهروباً من استحداث قانون التجنيد الإجباري في الكونغرس. ووصل الرقم في حينه الى 23 ألف مهاجر بعدما كان 5000 قبل الحرب سنوياً. وأغضب الرئيس جيمي كارتر اليمين المحافظ باصداره عفواً عن الهاربين من الخدمة الى كندا بعد أربع سنوات. وأشار استطلاع مركز "اننبرغ" حول السياسة العامة، أن 33 في المئة من الطلاب اليوم يعتقدون ان بوش سيطالب الكونغرس ذا الأكثرية الجمهورية بتطبيق ذلك القانون. وعلى رغم نفي بوش نيته في هذا السياق، يبدو أن الانتكاسات المتتالية في الحرب على العراق والحاجة الى مزيد من الجنود قد تستدعي اللجوء الىه. وتحتل كندا الصدارة في وجهة سفر الاميركيين، فخمسة وعشرون في المئة من الديموقراطيين "الغاضبين من النتائج" بحسب استطلاع مركز "غالوب"، يعتزمون الآن ترك البلاد. وتأتي نيو زيلاندا في المرتبة الثانية وأستراليا في المرتبة الثالثة. وأكدت لادينارد صعوبة التكهنات الآن، انما توقعت زيادة في الاقبال من الحدود الجنوبية في السنوات المقبلة. وتبدو مسائل الزواج المثلي والوجه السلمي لكندا اضافة الى التصاقها بالولايات المتحدة جغرافياً من ابرز الدوافع للهجرة، اضافة الى تأمين الحكومة رعاية صحية متكافئة واحتضان كندا مراكز أكاديمية بارزة. وتصاعدت اخيراً أصوات من داخل الحزب الديموقراطي لمنع الشريحة الشبابية من ترك البلاد والعمل على اعادة تنشيطها. ونظم الاعلامي الليبرالي آل فرانكن، والمرشح السابق عن الحزب هوارد دين اضافة الى المخرج السينمائي مايكل مور، ندوات شبابية بعد الانتخابات، كما نظمت منظمات "روك ذا فوت" و"موف أون" جلسات احتساء شاي "لاعادة لم الشمل الليبرالي". غير أن الديموقراطيين يسعون الى تعديل وجهتهم في القضايا الاجتماعية، ورفض الزواج المثلي وبعض القيم الليبرالية وايقاظ "اليسار المتدين" تمهيداً لمنافسة الجمهوريين في ولايات الوسط والجنوب، على رغم أن ذلك قد يفقدهم اصوات الشباب الليبرالي. واستعمل الجمهوريون في الحملة الأخيرة مفردات "ليبرالي ماساشوستس" وصورة كيري المتعالي وخلفيته المعارضة للحرب لابعاد ناخبي ولايات الجنوب الذين يتماهون أكثر مع بوش المتحدر من تكساس، ولهجته وتعابيره البسيطة الأقرب منهم وقدرته على شن حروب. كما ساعدت ميول بوش الدينية ورفضه الإجهاض والبحوث العلمية، مقارنة بالخط "العلماني" لكيري ودعمه لحق المرأة بالاجهاض عند الضرورة وتشجيع الأبحاث العلمية، على اجتذاب أصوات الكاثوليك والانجيليين على حد سواء.