مع سقوط الاتحاد السوفياتي في عهد الرئيس الاميركي جورج بوش الأب كتب فرانسيس فوكوياما"نهاية التاريخ"مؤكداً انتهاء الصراع بين الايديولوجيات السياسية بانتصار الديموقراطية الليبرالية الغربية انتصاراً نهائياً حاسماً. والآن، بعدما قاد"المحافظون الجدد"في ادارة جورج بوش الابن خلال ولايته الاولى استراتيجية الحروب الاستباقية، او الوقائية، التي تعتمد اكثر ما تعتمد على قراءة النيات المستترة، خصوصاً للبلدان والشعوب التي توجد فيها، حسب اعتقادهم، مصالح حيوية للولايات المتحدة واسرائيل او مخاطر حقيقية او وهمية تهددهما، وبعدما خططوا للحرب على العراق ونفذوها وما زالوا يرتكبون هناك ابشع الجرائم، وبعدما ساندوا، وما زالوا يساندون، سياسات رئيس الوزراء الاسرائيلي، صديقهم وحليفهم ارييل شارون وتوجوا ذلك برسالة الضمانات التي وجهها بوش اليه قبل اشهر، ينبغي ان نتساءل في بداية ولاية بوش الرئاسية الثانية إن كان هو و"المحافظون الجدد"في ادارته قد انتصروا، وان نسأل: اذا كان هؤلاء قد انتصروا، فبمن ألحقوا الهزيمة؟ إن خروج المعتدلين القلائل من إدارة بوش الجديدة، من امثال كولن باول ونائبه في وزارة الخارجية ريتشارد ارميتاج، لا يبشر بخير لمن يؤمنون باستخدام السبل الديبلوماسية لحل الأزمات الدولية وليس باللجوء الى القوة العسكرية وتجاهل قرارات الاممالمتحدة. ولكن السوء في سياسات ادارة بوش لا ينبع من خلوها الآن من اي معتدلين بقدر ما يصدر عن امتلائها اصلاً بالمغامرين اليمينيين المتطرفين الموجودين في اهم الوزارات والدوائر وعن وجود رئيس في البيت الابيض يلقى دعم غلاة المسيحيين المتحالفين مع اسرائيل. ومع ان من الصعب التكهن بطبيعة اداء كوندوليزا رايس في منصبها الجديد وزيرةً للخارجية وهي لم تتسلمه رسمياً بعد، فإننا نعرف عنها ما فيه الكفاية لاستنتاج انها ستكون متجانسة مع المحافظين الجدد ولن تخالف لهم رأياً او سياسة. وفي ما يتعلق تحديداً بالصراع العربي - الاسرائيلي والقضية الفلسطينية يعرف عن رايس التزامها سياسة الرئيس بوش المتماهية مع مطالب شارون وسياساته وان تعيينها في منصبها الجديد قوبل بترحيب حار من وزير الخارجية الاسرائيلي سيلفان شالوم لأن"صداقتها الحميمة لاسرائيل اجتازت الامتحان". وربما كان"الامتحان"الذي اشار اليه شالوم متمثلاً في ان رايس قد لبّت جميع طلبات دوف فايسغلاس، مستشار شارون ومساعده الاول، الى درجة ان فايسغلاس تجرأ ان يعلن في صحيفة"هآرتس"قبل اسابيع ان خطة شارون للانفصال من جانب واحد عن الفلسطينيين، أي الانسحاب من قطاع غزة انسحاباً غير كامل ومن اربع مستوطنات يهودية صغيرة معزولة في شمال الضفة الغربية مقبولة لدى الاميركيين والهدف منها انهاء عملية السلام، أي منع قيام دولة فلسطينية بالمعنى المنصوص عليه في خريطة الطريق. قد يظن"المحافظون الجدد"وحلفاؤهم الاسرائيليون انهم انتصروا في العراق وفي فلسطين، وهم ربما حققوا نصراً اولياً. لكن هؤلاء لن يستطيعوا التشدق بنصر نهائي فقد باتوا مكشوفين كخطر على السلم العالمي، وصاروا لطخة عار على سمعة الولاياتالمتحدة. ولا يأخذ عاقل على محمل الجد حديث بوش ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير المتورط معه في العراق عن عزمه على ترسيخ الديموقراطية في العراق وتشجيعها في فلسطين، فهذان بلدان تحت الاحتلال الاميركي والاسرائيلي، والقصد الحقيقي لقوتي الاحتلال هو ان تنصبا، اذا استطاعتا، سلطتين راضختين لمشيئة الاحتلال تنفذان السياسات المطلوبة اميركياً واسرائيلياً.