أباً، زعيماً، رئيساً، قائداً، رمزاً... كل هذه الصفات تختصر شهيد فلسطين ياسر عرفات. عرفناه منذ صغرنا مناضلاً ورمزاً لقضية أولاها حياته. فكان العنوان الأبرز لهذه القضية. فعندما تتحدث عن كفاح الشعب الفلسطيني وشهداء وأسرى ومعتقلي الشعب الفلسطيني، عندما تتحدث عن كفاح ونضال وشجاعة الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال، عندما تتحدث عن الشتات الفلسطيني وحقهم في العودة، عندما تتحدث عن الوحدة العربية والإسلامية، عندما تذكر الأقصى وكنيسة المهد... تجد ياسر عرفات عنواناً لها. لم يكن أبو عمار رئيساً أو زعيماً، ينعم بالسلطة والقصور الفخمة، بل كان رئيساً متواضعاً يقطن في خنادق مقاومة المحتل منذ أن تولى قيادة منظمة التحرير الفلسطينية الى ان فرض عليه شارون حصاراً داخل مقاطعته في رام الله، في ظل صمت مريب. والأبرز، في هذا الخصوص، ان ياسر عرفات الذي كانت تحاصره الدبابات الصهيونية في غرفة واحدة، وتحرمه من المياه والكهرباء، هو رئيس شعب الجبارين، كما يصفه، عرضة لحصار آخر أقوى وأشد من حصار الدبابات، هو حصار الصمت، على ما يجري للشعب الفلسطيني ورئيسه على يد المحتل الصهيوني. لكن أبو عمار لم يستسلم للحصار المفروض عليه منذ اللحظة الأولى، حتى استطاع أن يحول حصاره الى حصار لمحاصريه. وعندما أراد أن يفك الحصار لم يستجدِ أحداً، لا من قادة العدو ولا من وساطة للسلطان الأميركي لفك حصاره. وكان يعلم أبو عمار، في أيامه الأخيرة، ومع اشتداد المرض عليه انه في وضع صحي خطير لا شفاء منه، لكنه أراد، بسفره الى فرنسا للعلاج، أن يوجه رسالة الى الصهاينة والى كل من شارك في الحصار عليه، انه هو من يحاصر ولا يُحاصر، وهو من يفك حصاره. تودعك الأمة العربية، تودعك الأمة الإسلامية وكل أحرار العالم، اليوم أحسسنا في وداعك اننا نودع جمال عبدالناصر مرة ثانية. لكننا كلنا أمل بأن تستكمل مسيرة النضال والمقاومة نحو تحرير فلسطين. وسنبقى على العهد وعلى قولك المأثور "سيأتي يوم يرفع فيه شبل من أشبالنا وزهرة من زهراتنا علم فلسطين فوق أسوار القدس ومآذن القدس وكنائس القدس". وداعاً أيها الشهيد، وإنّا لله وإنّا اليه راجعون. عباس المعلم [email protected]