لمناسبة عقد المؤتمر الصيفي للجمعية الفرنسية "نساء من اجل القضاء على التعذيب الجنسي للنساء" مطلع الأسبوع الحالي في مدينة مونبيلييه جنوبفرنسا، تم نشر سلسلة إحصائات عما يسمى ظاهرة الختان في إفريقيا وبعض البلدان العربية. وبحسب هذه الجمعية تتعرض مليونا امرأة أو طفلة "للختان" كل سنة عبر العالم، ويقدر عدد "المختنات" ب130 مليون امرأة، تعيش غالبيتهن في بلدان افريقية. سرية تامة وكشفت التحريات التي قامت بها الجمعية في فرنسا عن تسجيل 30 ألف امرأة كانت ضحية للختان سواء داخل فرنسا أم في بلدانهن الأصلية. وبحسب الدكتور فيليبي نوروكال المكلف بتجميع المعلومات عن الظاهرة، فإن ما بين 10 آلاف و20 ألف امرأة يعشن على التراب الفرنسي يمكن أن يتم تصنيفهن في عداد المهددات بالختان. ويلاحظ أن نوروكال وزملاءه في جمعية "نساء من اجل القضاء على التعذيب الجنسي للنساء" يعاتبون العرب على استعمال كلمة ختان النساء لوصف الظاهرة، ويقولون ان التعذيب الجنسي هو أفضل وصف لها. وتجرى هذه العمليات الإجرامية بحسب تعبير الدكتورة كايتا اينتوغ في سرية تامة، وتضيف ان ختان البنات في إفريقيا وبعض الدول العربية يتم في سن مبكرة أي قبل بلوغ الطفلة سن الثالثة عموماً، أما في فرنسا فقد تعرضت الغالبية من الفتيات إلى "المقصلة" وهن في زحمة التحضير للزواج. وفسرت انيتوغ تأخير سن الختان بتخوف الوالدين من اكتشاف جرائمهم من خلال الكشوفات والفحوص الصحية التي يستفيد منها الأطفال سواء في دور رعاية الأمومة والطفولة المنتشرة في كل بلدية أم من خلال أعضاء السلك الطبي العامل في المؤسسات التربوية. تقول هند التي وصلت من مصر إلى فرنسا قبل 15 عاماً، انها لم تكن تعرف أي شيء عما تعرضت له، وقالت ان والدتها كانت تردد دائماً ان الفتاة يجب ان يتم ختانها والا فان جسدها سيبقى نجساً، وأنها لا تصلح لا للزواج ولا للإنجاب. وسردت هند معاناتها بخاصة خلال الدورة الشهرية وأثناء الولادة، وأضافت أنها كانت تخاف إلى درجة الموت كلما اقترب زوجها منها من اجل مجامعتهما، وأنها لم تشعر بأي لذة جنسية ولو مرة في حياتها. وأضافت هند ان ابنتها البكر تعرضت هي الأخرى للختان في سن التاسعة وذلك خلال العطلة المدرسية الصيفية التي تعودت على قضائها في مصر. لكن إيمان وهو اسم ابنتها البكر عندما بلغت الجامعة وقفت في وجه إرادة والديها ومنعتها من إدخال البقية من أخواتها إلى مقصلة الختان، وهددتها بالتبليغ عنها. مشكلة الوعي وبحسب احد المهتمين فإن كلفة الختان تبلغ 1000 دولار في السنوات الأخيرة، ويأتي من يقومون بهذه العملية من البلدان الأفريقية وهم من الشخصيات المحترمة في بلدانهم الأصلية وخصوصاً في القبائل التي يتحدرون منها. وعلى رغم عدم وجود أي أدلة إلا ان الجمعية نشرت تقريرا تضمن اتهامات صريحة لبعض الأطباء الفرنسيين الذين يمارسون هذه الجرائم في مصحاتهم الخاصة في مقابل الحصول على مبلغ مالي كبير، وتم التنديد بقانون الصمت الذي يلف هذه الظاهرة سواء عند الضحايا أم الشهود، وتمت الإشارة إلى ضرورة تطوير حملات التوعية في أحياء المهاجرين العرب والأفارقة، واستعمال المساجد لهذا الغرض بخاصة ان بعض المتاجرين بهذه التقاليد يستعملون الدين لتبرير جريمتهم. وبينما تشهد الظاهرة تراجعاً نسبياً في الدول الأفريقية بعد صدور قوانين بمنعها، إلا أنها ما زالت تنتظرها "أيام جميلة" في فرنسا بحسب ايزابيل جيلات فآي الباحثة في علم الاجتماع ورئيسة جمعية "التوازنات البشرية"، التي ترى ان مستوى الوعي لدى بعض المهاجرات هو الذي يطرح مشكلات كبيرة، اذ ان المرأة المهاجرة تحاول ان تحافظ على بعض التقاليد أكثر من النساء في البلدان الأصلية. ولاحظت محدثتنا أنها تنبهت الى نمو حركة قوية ضد ختان النساء في البلدان الأفريقية والعربية المعنية، في حين ما زالت بعض المهاجرات يقدسن هذه الجريمة، على رغم ان القانون الفرنسي يعاقب عليها بالسجن حتى 20 سنة، ولا يسلم من العقوبة الشهود أيضاً. كما ان فرنسا هي البلد الوحيد في أوروبا الذي صدرت فيه أحكام بالسجن ضد متورطين في هذه الجرائم، ومست تلك العقوبات الوالدين ومختصين في ختان البنات، وبلغ عدد المحاكمات، التي بدأت عام 1979 نحو 32 قضية. ويشن أطباء فرنسيون كبار حملة ضد ختان النساء، لكن هناك شخصية متميزة عنهم جميعهم، وهو الطبيب بيار فولداس الذي يقوم بإجراء عمليات جراحية للنساء اللواتي تعرضن لهذه الجريمة. واعترف انه تعرض لتهديدات كثيرة، وانه عالج حتى الآن نحو 160 امرأة في عيادته جنوب غربي باريس.