ربما لم يتذوق الرئيس الباكستاني برويز مشرف طعم الرئاسة ولذتها منذ توليه منصبها. إذ كان، منذ تسنمه هذا المنصب وحتى اليوم، إما في عين العاصفة المحلية أو الاقليمية أو الدولية، أو في جهها كلها معاً. فهو إما على صراع مع المعارضة القوية، أو تحت ضغوط هندية قوية بذريعة دعم المقاتلين الكشميريين، أو في مواجهة ضغوط أميركية لتصعيد الحرب على "طالبان" في أفغانستان. وأخيراً تحت ضغط بركان القبائل البشتونية والبلوشية والاستحقاق الديموقراطي الذي وعد به بالتخلي عن بزته العسكرية. شرذم مشرف المعارضة الباكستانية الليبرالية عبر إضعافها وإبعاد زعمائها بطريقة أو بأخرى عن البلاد، كما حصل مع رئيسي الوزراء السابقين نواز شريف وبي نظير بوتو، مما أدى الى انشقاقات كبيرة في حزبيهما اللذين كانا عماد السياسة والديموقراطية الباكستانية، وهو ما مهد الطريق أمام الأحزاب الإسلامية للصعود السريع في ظل توحيد صفوفها. كما ان موقفه من الحرب في أفغانستان انعكس على المناطق الحدودية الأفغانية مثل بلوشستان وبيشاور حيث انتقمت هذه المناطق من إسقاط القوات الأميركية حكومة "طالبان" البشتونية بتصويتها لمصلحة الأحزاب الإسلامية المعادية للخط الأميركي في الانتخابات الباكستانية، وهو ما وفر لها حكم هذين الاقليمين من أصل أربعة أقاليم باكستانية. المعارضة الإسلامية حذرت من حالة فوضى تعصف بالبلاد إذا نكث مشرف بوعد خلع البزة العسكرية، فيما هددت المعارضة الليبرالية بتظاهرات وحذرت من عواقب إمساك الرئيس بمنصبي رئاسة الدولة وقيادة الجيش، وهو ما يتنافى مع الدستور. ولعل مما يزيد من مخاطر هذا الاحتفاظ التغييرات العسكرية الواسعة التي أقرها مشرف أخيراً والتي طاولت أرفع المناصب، وهو الأمر الذي لا يمكن التنبؤ بتداعياته على تضاريس الجيش الباكستاني. ويرى مراقبون أن تخلي الرئيس عن منصب قيادة الجيش دونه محاذير عدة. ويذكّر هؤلاء بما حصل مع الرئيس أيوب خان حين تخلى عن قيادة الجيش لمصلحة نائبه يحيي خان. كما أن بقاء مشرف في قيادة الجيش يوفر دعماً كبيراً للولايات المتحدة في حربها على الإرهاب بخاصة ان المسؤولين الأميركيين لا يخفون بأن مصير هذه الحرب في المنطقة مرهون ببقاء مشرف في قيادة الجيش كونه الشخص الموثوق لدى القيادة الأميركية. وقد عبّر عن ذلك أنطوني زيني حين كان قائداً للقوات المركزية الأميركية بقوله "إن مشرف هو أملنا الوحيد في باكستان". ويكاد يتفق المحللون السياسيون على أن استقبال الرئيس جورج بوش للرئيس الباكستاني أكثر من مرة طوال السنوات الماضية يشكل أكبر صفعة للديموقراطية في باكستان. إذ إن القوى الديموقراطية في هذا البلد كانت دائماً ترى في واشنطن عنصر ضغط على الجنرالات للعودة إلى ثكناتهم، كما ترى في الجيش منقذاً للديموقراطية في حال سعى أحد السياسيين الى الاستفراد بالحكم. وهذان الطريقان اليوم مسدودان. ولعل مما يساعد مشرف على تثبيت مواقعه الأموال الضخمة التي تضخها الولاياتالمتحدة في الاقتصاد الباكستاني. اذ تقدر قيمة المساعدات السنوية الأميركية للجيش ببليون دولار سنوياً، وتدفع واشنطن 700 مليون دولار في مقابل استخدام القواعد العسكرية الباكستانية، اضافة الى تسهيلات بقروض مالية من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي تقدر ب1.7 بليون دولار سنوياً. إلا أن مشرف يواجه مصاعب عدة منها أنه فتح النار على نفسه عندما قرر محاربة القبائل في منطقة بلوشستان وبيشاور ليضرب سمعة الجيش الذي كان دائماً خطاً أحمر للباكستانيين جميعاً، إذ إن هذا الجيش يعيش اليوم حالة من حرب العصابات والاستنزاف مع القبائل البلوشية والبشتونية. كما أن التنازلات التي قدمها الرئيس الباكستاني طوال فترة حكمه في التخلي عن المقاومة الكشميرية وحظر الجماعات الإسلامية المسلحة في كشمير وملاحقة عناصرها لم تشفع له لدى الهند التي ما تزال تتهم اسلام آباد بدعم المقاتلين الكشميريين في عمليات التسلل عبر خط المراقبة الذي يفصل بين شطري كشمير، ووفر الضغط الدولي والأميركي تحديداً على مشرف لوجود عناصر "القاعدة" في مناطقه فرصة ذهبية للهند لممارسة المزيد من الضغوط على مشرف لإضعاف المقاومة الكشميرية. وشكل تراجع الحكومة الباكستانية عن دعم حركة "طالبان" الأفغانية ضربة قوية للأمن القومي الباكستاني الذي كان يحظى بعمق أفغاني استراتيجي في ظل افتقاد باكستان للعمق الاستراتيجي العرضي، إذ أن عرضها لا يتعدى 500 كيلومتر فقط وهو ما يشكل ضعفاً عسكرياً حقيقياً في حال نشوب أي مواجهة عسكرية مع الهند.