تعرّض الجنرال برويز مشرف الى محاولتي اغتيال خلال عشرة أيام، بعد استفزازه قوى اجتماعية وسياسية كبيرة. وعلى خلفية اعلاناته واجراءاته في شأن محاربة الإرهاب، دعا أيمن الظواهري الرجل الثاني في تنظيم القاعدة الى قتله، وسعيه الى حل قضية كشمير عبر تقديم تنازلات سياسية للهند. حدد الجنرال مشرف - بعد هجمات 11/9/2001 في واشنطن ونيويورك والعدوان الأميركي على أفغانستان - أولويات حكومته في الآتي: 1 - تأمين البلاد ودرء الأخطار الخارجية. 2 - الاقتصاد الباكستاني، ومحاولة النهوض به. 3 - حماية ترسانة باكستان النووية والصاروخية. ووضع - استجابة لقرار مجلس الأمن الرقم 1373 الذي يُلزم الدول الامتناع عن تقديم أي شكل من أشكال الدعم لأي جماعات أو أفراد يشاركون في أعمال توصف بالإرهابية، والامتناع عن تقديم ملاذ آمن للارهابيين، والتعاون مع الدول الأخرى في اتخاذ اجراءات ضد من يقومون بتمويل أو تخطيط أو دعم عمليات ارهابية - بلاده: الأجواء، المطارات، القواعد العسكرية الأميركية، وأقام تنسيقاً أمنياً واسعاً معها ساهم بالقبض على عدد من قادة تنظيم القاعدة، كما وضع خطة عاجلة لمعالجة الأوضاع الداخلية القائمة على تخليص المجتمع الباكستاني من الكراهية الطائفية والإرهاب، وإيجاد تفاهم متبادل بين الطوائف الإسلامية، وتخليص المجتمع من بذور التطرف، وفرض هيمنة الدولة على كل المنظمات الباكستانية التي لها وجود في الباكستان التنظيمات الكشميرية، وإخراج البلاد من قبضة الاستقطابات الدينية عبر تكييف مفهوم "الجهاد"، للنأي به عن تداول الحركات الإسلامية المتطرفة بإبراز مفهوم "الجهاد الأصغر" و"الجهاد الأكبر"، والتركيز على حاجة البلاد الى "الجهاد الأكبر" ضد سلبيات المجتمع الجهل، الفقر، الجوع... الخ، وحصر حق اعلان "الجهاد" المسلح بالدولة، ما يعني منع المجاهدين الباكستانيين من المشاركة في صراعات اسلامية خارج البلاد، ووضع استراتيجية جديدة للمدارس الدينية في البلاد تشمل وضع مفاهيم جديدة تؤدي الى ادماج تلك المدارس في المجتمع، وإعادة النظر في تجاوزات المساجد والمدارس الدينية، وإبعاد الطلاب غير الباكستانيين الى بلادهم. لم تغب قضية كشمير عن اجراءات الجنرال مشرف، بل قام بحظر عدد من الحركات الكشميرية في باكستان، واعتقل عدداً من قادتها وجمّد أرصدة حركتي جيش محمد وعسكر طيبة. قادت عودة العمليات العسكرية الكشميرية ضد القوات والمصالح الهندية داخل جامو وكشمير: الهجوم على البرلمان الاقليمي 1/10/2001 والهجوم على قاعدة عسكرية هندية في جامو أيار/ مايو 2002، وداخل الهند: الهجوم على البرلمان الهندي 13/12/2001 الى تحرك الآلة الإعلامية والديبلوماسية والعسكرية الهندية ضد الباكستان باعتبارها مركزاً "للجماعات الاسلامية المتطرفة" و"الإرهاب المتسلل عبر الحدود" وأعلنت حال استنفار وحشد عسكري كبير أدخل الوضع بين البلدين حالة "حافة الهاوية". وهذا وضع الجنرال مشرف بين فكي كماشة: التهديد العسكري الهندي والضغط الشعبي الباكستاني. فالذهاب الى حرب تقليدية يعني الاستسلام لهزيمة تهز صورته، والانزلاق الى حرب نووية ستقود الى دمار كبير لدى الهند من 100 الى 150 رأساً نووياً و20 قنبلة يمكن القاؤها من الطائرات و100 صاروخ بالستي قادرة على حمل رؤوس غير تقليدية، بينما تملك باكستان من 25 الى 50 رأساً نووياً و20 قنبلة يمكن القاؤها من الطائرات و110 صواريخ بالستية قادرة على حمل رؤوس غير تقليدية. فالتنازل أمام التهديد الهندي سيقضي على صدقيته، خصوصاً انه برر انقلابه على رئيس الوزراء السابق نواز شريف باتهام الأخير، بعد معارك كاركيل وراس باتاليك عام 1999، بالتهاون في حماية مصالح باكستان في كشمير التي اعتبرها الجنرال احدى أهداف حكومته. فكشمير، كما قال، هي "الدماء في العروق". والاستجابة للضغط الشعبي ستضعه في مواجهة مباشرة مع الولاياتالمتحدة. لذا لجأ الى التشدد مع الهند والى توسيع التعاون الأمني والاستخباراتي مع الولاياتالمتحدة في ملاحقة قادة حركة طالبان وتنظيم القاعدة بعد أن تجدد نشاطهما العسكري، بخاصة في شرق البلاد قرب الحدود مع الباكستان، وزاد حجم القوات الباكستانية الى الحدود وقام بحملات تمشيط للحدود بحثاً عن أعضاء الحركة والتنظيم، لاحتواء الضغط الأميركي، خفف الضغط الأميركي عليه، ودعا الى وحدة وطنية لمواجهة الخطر الهندي لم تستجب الأحزاب الاسلامية - الاسلام مصدر شرعية النظام لأن الدولة قائمة على أساس ديني - لدعوته للاجتماع به بسبب تشككها فيه، على ضوء دروس افغانستان، وبسلامة توجهه ازاء قضية كشمير، بينما لا تزال الأحزاب الوطنية والعلمانية تقاطعه لاعتبارات سياسية داخلية: العودة الى الديموقراطية، المشكلات الاقتصادية. ولما لم تتوقف الحركات الإسلامية عن دعم حركة طالبان وتنظيم القاعدة وضع ثلاثة من قادتها تحت الاقامة الجبرية، وأقال عدداً من قادة الجيش والاستخبارات الذين تربطهم علاقات طيبة بحركة طالبان والحركات الاسلامية الباكستانية. قاد كل ذلك الى خسارة الجنرال مشرف جزءاً مهماً من شعبيته، ليس بين الحركات الاسلامية وحسب ولكن بين الحركات والأحزاب الوطنية والعلمانية التي استاءت من الاستفتاء الذي أجراه وتحول فيه من رئيس انتقالي تنفيذي الى رئيس للبلاد، ما يعني تأجيل العودة الى الديموقراطية، والاحتفاظ بمنصب القائد العام للجيش والقوات المسلحة. زادت الانتخابات البرلمانية الأخيرة من مأزق الجنرال مشرف، حيث أسفرت عن توازن جديد في الخريطة السياسية بحصول الحركات الاسلامية على 25 في المئة من مقاعد البرلمان المركزي 45 مقعداً وعلى كل مقاعد برلمان ولاية سرحد الاقليم الشمالي الغربي وعاصمتها بيشاور - منطقة القبائل التي تنتمي في غالبيتها الى قبائل البشتون الأفغانية، 15 في المئة من سكان باكستان، والتي تتعاطف مع حركة طالبان وتنظيم القاعدة - ونصف مقاعد برلمان ولاية بلوشستان، بعدما كانت حصتها في البرلمان السابق لا تتجاوز 5 في المئة من المقاعد، وتشكيلها تحالفاً باسم مجلس العمل الموحد يعارض سياسة الجنرال مشرف. وهذا عقّد تحرك السلطة المركزية في الولايات الحدودية، التي لا تزال تحت ضغط عوامل سياسية اقليمية ودولية كبيرة تجعلها غير قادرة على التراجع عن التعاون مع الولاياتالمتحدة ضد الارهاب، خوفاً من اعطاء واشنطن الضوء الأخضر للهند واسرائيل لضرب أسلحة باكستان النووية. اعتقد الجنرال مشرف انه عزز وضعه السياسي بتشكيل مجلس الأمن الوطني ذي الغالبية العسكرية - على غرار النموذج التركي - حيث أبقى تحديد السياسات بيده والبلاد تحت سيطرته، وبالتعديلات الدستورية 29 تعديلاً التي وضعت مراقبة الحكومة واقالتها والبرلمان وحله بين صلاحياته، فتحرك في ملف كشمير وألمح الى امكان التخلي عن شرط تطبيق قرارات الأممالمتحدة في شأنها قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة حول اجراء استفتاء لتقرير مصير كشمير، فأثار على نفسه الأحزاب الوطنية والاسلامية والشعب وأجهز على بقية صدقيته. لكنه عاد وسحب تصريحه السابق وسعى الى ترميم صدقيته فأعلن انه سيتخلى عن منصبه في الجيش في العام المقبل، وأقر ضرورة اجازة البرلمان للتعديلات الدستورية التي اتخذها من دون العودة الى البرلمان. سيبقى الجنرال مشرف في المأزق حتى يجد مخرجاً من ورطة التعاون مع الولاياتالمتحدة في مكافحة "الإرهاب"، وحل قضية كشمير "طبقاً لآمال الشعب الكشميري" كما قال عند تسلمه السلطة. * كاتب سوري.