تواجه الرئيس جورج بوش ومنافسه في الانتخابات الرئاسية الاميركية المرشح الديموقراطي جون كيري خلال المناظرة التي جرت بينهما فجر أمس حول مسائل عدة تخص الداخل الاميركي، منها الضرائب والبيئة والاجهاض. لكن الملف العراقي سيطر على المواجهة الثانية بين الرجلين اللذين أبديا عدوانية واضحة تجاه بعضهما بعضاً، اذ اتهم كيري بوش بالخداع، فرد الأخير متهماً منافسه بعدم الثبات على رأي. ورأى معظم المحللين ان أياً منهما لم يخرج بفوز واضح. دافع الرئيس جورج بوش بقوة عن قراره مهاجمة العراق في مواجهة منافسه الديموقراطي في الانتخابات الرئاسية جون كيري الذي اتهم الرئيس ب"الخداع" خلال المناظرة التلفزيونية الثانية بينهما التي شهدت اجواء مشدودة. وأمام عشرات ملايين المشاهدين اكد بوش مجدداً ان "العالم اصبح في حال افضل"، لأن الرئيس صدام حسين "الذي كان يشكل خطراً استثنائياً لم يعد في السلطة". ورد كيري بقوله ان هذا غير صحيح، معتبراً ان "العالم اكثر خطورة لأن الرئيس لم يتخذ القرارات الصحيحة" باجتياحه العراق. وأضاف ان "العالم سيكون اقل خطورة لو ان المئتي بليون دولار التي استخدمت في العراق انفقت في افغانستان" وفي مواجهة تنظيم "القاعدة"، معتبرا انه لو حدث ذلك "لكان اسامة بن لادن في السجن او مقتولا في الوقت الراهن". ومن دون مفاجآت تواجه المرشحان الى البيت الابيض حول العراق اولاً خلال المناظرة التي خاضاها وقوفاً امام 140 ناخباً في جامعة واشنطن في سانت لويس ميسوري، وسط. واعتمد المرشحان لهجة هجومية ولا سيما بوش الذي كان احياناً عدوانياً بعدما اضطر الى اتخاذ موقف دفاعي خلال المناظرة الاولى في 30 ايلول سبتمبر الماضي. وكانت المناظرة الاولى خدمت شعبية كيري الذي تمكن من اللحاق ببوش في استطلاعات الرأي كما اظهر آخر استطلاع وضعهما في مرتبة متساوية بحصول كل منهما على 45 في المئة من الاصوات. وقال المرشح الديموقراطي ان "الرئيس لم يعثر على اسلحة دمار شامل في العراق فشن حملة خداع مكثفة" في اشارة الى تقرير نشرته وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية هذا الاسبوع يظهر ان العراق لم يكن يشكل تهديداً عسكرياً قبل آذار مارس 2003. وأضاف: "هذا الرئيس تسرع بخوض الحرب وصدَّ حلفاءنا. العراق اخطر الآن مما كان عليه، شأنه في ذلك شأن كوريا الشمالية مع اسلحة نووية". ورد بوش الذي بدا عليه الغضب: "قل لتوني بلير رئيس الوزراء البريطاني اننا خضنا الحرب بمفردنا. قل لسيلفيو برلوسكوني رئيس الحكومة الايطالية اننا خضنا الحرب بمفردنا. قل للرئيس البولندي الكسندر كفاشنيفسكي اننا خضناها بمفردنا ... هناك 30 بلداً معنا في العراق". ورد كيري بهدوء: "السيد الرئيس: ثمة دول تنسحب من التحالف ولا تنضم اي دولة اليه". وتابع: "لو شاركت ولاية ميسوري في الحرب لكانت القوة الثالثة في التحالف بعد الولاياتالمتحدة وبريطانيا". وتحدث عن الكلفة البشرية والمالية التي تتحملها الولاياتالمتحدة خصوصاً. وقال الرئيس الاميركي انه لم يرتكب اي خطأ اساسي منذ توليه الرئاسة. لكنه اقر ببعض الاخطاء الطفيفة في شأن تعيينات. وبالنسبة الى الحرب في العراق قال بوش: "الجواب هو قطعاً لا". وقال كيري: "اظن ان الرئيس ارتكب خطأ كبيراً جداً. خطأ كارثياً لأنه لم ينجح في بناء ائتلاف حقيقي ولم يمنح مفتشي الاسلحة الوقت الكافي لإنجاز عملهم ولم يختر الحرب كخيار اخير". وشدد على ان بوش "اقحم البلاد في حرب من دون ان تكون له خطة لكسب السلام". واعتبر بوش ان قوانين مكافحة الارهاب باتريوت آكت التي لا تزال بعد ثلاث سنوات على اقرارها تثير الجدل لحدها من هامش الحريات في البلاد، "ضرورية" لأمن الولاياتالمتحدة. وفضلاً عن العراق تواجه المرشحان حول المسائل الرئيسة في السياسة الداخلية، ولا سيما كلفة الصحة المرتفعة لعدد متزايد من الاميركيين والضرائب والبيئة. وعلى رغم تفاقم العجز في الموازنة، قال كيري انه لا ينوي زيادة الضرائب، فرد بوش بقوله ان "هذا الكلام لا يتمتع بالصدقية". وأضاف ان المرشح الديموقراطي "اما سينتهك الوعود الجميلة التي يقطعها عليكم او انه سيزيد الضرائب. ونظراً الى ماضيه، اظن انه سيلجأ الى رفع الضرائب" متهماً اياه بأنه لم يصوت يوماً ضد زيادة الإنفاق الفيدرالي. وشدد كيري على ان رئاسة بوش حولت الفائض في الموازنة المسجل في عهد الرئيس السابق بيل كلينتون الى عجز هائل. فقال بوش ان "البورصة كانت في مرحلة تراجع قبل ستة اشهر من وصولي الى الحكم". وكانت السوق تشهد اكبر حركة تصحيحية في تاريخها ... ما كان ينبئ بمرحلة انكماش، ومرحلة الانكماش هذه كانت الاقصر في تاريخ بلادنا" ناسباً هذا الخروج السريع من الازمة الى سياسة الضرائب التي اعتمدها. وفي مجال البيئة دافع بوش عن سجله بقوله ان "نوعية الهواء افضل منذ اصبحت رئيساً ونوعية المياه تحسنت ايضاً". ورد المرشح الديموقراطي عليه: "لا اظن ان الرئيس يعيش في العالم الحقيقي عندما يتكلم عن البيئة"، مؤكداً انه على صعيد البيئة، فإن "هذه الحكومة هي الاسوأ في تاريخنا المعاصر". وكان بوش اعلن في آذار 2001 نيته عدم المصادقة على بروتوكول كيوتو في واحد من اول قرارات ادارته. وعلى صعيد الإجهاض، هاجم الرئيس الاميركي منافسه الديموقراطي مشدداً على انه يؤيد شخصياً "ثقافة الحياة". وقال: "لن ننفق ابداً اموال المكلفين على عمليات اجهاض"، مشيراً الى ان خصمه صوّت ضد قانون عرضه الرئيس الاميركي بمنع الاجهاض في مراحل متقدمة من الحمل. وأقر بأن هذا الموضوع "يقسم اميركا". لكنه رأى ان هذا الامر يشكل "ممارسات وحشية". وأظهر استطلاع للرأي سريع نشرت نتائجه بعد دقائق من انتهاء المناظرة ان 44 في المئة من الاشخاص الذين شملهم الاستطلاع اعتبروا ان كيري تفوق على بوش في مقابل 41 في المئة لبوش، في حين رأى 13 في المئة ان المرشحين تعادلا. اما الصحف فشددت على الطابع "العدواني" لمواقف المرشحين في المناظرة معتبرة ان اياً منهما لم يتمكن من تحقيق تقدم حاسم على الآخر. واعتبرت صحيفة "واشنطن بوست" ان الرئيس الاميركي كان "قاطعاً اكثر" من دون ان يمنحه ذلك تقدماً على كيري. فيما عبرت "نيويورك تايمز" عن خيبة املها امام ردود المرشحين معتبرة انه كان "يصعب احياناً متابعة الحجج التي يتقدمان بها". لكنها اضافت ان "كيري اظهر في الحد الادنى ان لديه مقاماً موازياً لمقام الرئيس، وبوش كان يأمل في تعويض ما خسره في مناظرة الاسبوع الماضي فلم ينجح في ذلك". ويتواجه بوش وكيري في مناظرة اخيرة في 13 الشهر الجاري قبل الانتخابات المقررة في الثاني من تشرين الثاني نوفمبر المقبل.