حين كان المغاربة يتابعون باهتمام ضجة رفض صنع الله إبراهيم جائزة مؤتمر الرواية في القاهرة في تشرين الثاني نوفمبر الماضي لم يكن أحد منهم يظن أن أشهراً قليلةً فقط تفصله عن سيناريو مشابه. قصة مغربية هذه المرة، محلية مئة في المئة، قصيرة طبعاً، ومحبوكة بصدق وصرامة وإتقان. ولم يكن مبدعها سوى الأديب المغربي المخلص لنوع القصة القصيرة أحمد بوزفور الذي أُعلن قبل أيام فقط عن فوزه بجائزة المغرب للكتاب في فرع الإبداع الأدبي عن إصداره القصصي الأخير "ققنس"، مناصفة مع الشاعرة وفاء العمراني عن ديوانها الجديد "هيّأتُ لك". أما الحدث فهو رفض الجائزة التي تقدمها وزارة الثقافة، والتي تعتبر أهم جائزة أدبية رسمية في المغرب. صحيح أن رفض هذه الجائزة للمرة الأولى في تاريخ المغرب الثقافي يبقى مفاجأة في حد ذاته، لكن أن يصدر هذا الرفض عن الأديب أحمد بوزفور، هذا المنعزل منذ السبعينات داخل محرابه القصصي بعيداً من شعارات الأحزاب وصخب المناضلين ومزايدات السياسيين ومناوراتهم، جعل المفاجأة أقوى. فبوزفور الحريص منذ بداياته الأولى على تحاشي غبار السياسة ونقع الإيديولوجيا التي وصمت نصوص مجايليه من أدباء السبعينات بلوثة التقريرية والمباشرة، بوزفور الذي آمن دائماً بأولوية الرؤية الفنية على الرؤية الإيديولوجية، بوزفور هذا "البورجوازي الصغير" كما لقبه نقاد السبعينات المتجهمون في فترة كان الوضع المغربي ساخناً، وكانت الكتابة عن الحب والهموم الصغيرة جريمة، بوزفور فاجأ الجميع ببيان قصير مثل قصصه صاغه بلغة السياسي وروح المبدع وألقى من خلاله أكثر من حجر في بركة الثقافة المغربية: "كنت أتمنى أن أفرح بجائزة تعطيني إياها حكومة بلدي: حكومة تستطيع أن تضرب بيد من حديد على أيدي المفسدين ولصوص المال العام... حكومة تريد وتستطيع أن تقنع شبان هذا البلد بإمكان الحياة فيه، بدل دفعهم إلى الانتحار غرقاً في مياه البوغاز... حكومة تريد وتستطيع أن تزيد من حجم القراء بطبع سلاسل شعبية من كتب المعرفة وتوزيعها بثمن رمزي، وبدعم الكتاب والمؤلفين بدل دور النشر... وتريد وتستطيع أن تضمن أو توفِّر التغطية الصحية للكتاب المغاربة حتى يُعالجوا من دون حطٍّ من كرامتهم كلما سقط أحدهم مريضاً. إنني أخجل - يواصل بوزفور - إذا أخذت هذه الجائزة من أختي الكاتبة مليكة مستظرف التي تموت تحت أنظارنا جميعاً، ونحن ساكتون ننتظر أن تموت نهائياً لنرثيها. وأخجل من أستاذي الشاعر الكبير محمد الحلوي الذي قطعت الحكومة عنه معاشه المدني. وأخجل من نفسي أنا المريض الذي أكابر وأنتظر أن يشتد ألمي لأقدم ملتمسات الرحمة وطلب العلاج. وأخجل في الأخير أن أقبض جائزة على كتاب طبعتُ منه ألف نسخة، لم أوزع منها في أسواق شعب من ثلاثين مليوناً إلا خمسمئة نسخة، وهي لا تزال معروضة لم تنفد بعد على رغم مرور أكثر من عامين. لذلك كله، أعتذر عن عدم استطاعتي قبول جائزة وزارة الثقافة". في "الزرافة المشتعلة" الإصدار ما قبل الأخير لأحمد بوزفور، اختار الأديب المغربي أن يقدم نفسه للقراء قائلاً: "لستُ عالم اجتماع، ولستُ فناناً عبقرياً يبهر القراء ويعرف كل شيء. لستُ عملاقاً. أنا كاتب قصير. أعني كاتب قصة قصيرة". قبل أن يضيف: "لو كان العالم يقف على رأسه لعدلتُه، لكنه يقف على رأسي أنا، ورأسك أنت أيضاً، فتحرّك. رؤوس الناس على أجساد الحيوانات، ورؤوس الحيوانات على أجساد الناس، فتحسّسْ رأسك. تحسّس رأسك".