يعد الكاتب المغربي أحمد بوزفور أحد أعمدة القصة المغربية والعربية الحديثة بامتياز. فبعد أن أصدر مجموعته القصصية الأولى «النظر في الوجه العزيز» عام 1983 التي احتفى بها كبار النقاد المغاربة وفي مقدمهم الناقد محمد برادة، وهو يسعى جاهداً من مجموعة قصصية إلى أخرى، لتقديم كتابة قصصية جديدة لا تشبه سابقاتها، لا من حيث الشكل ولا حتى من حيث الموضوعات أو القضايا المعالجة. هكذا توالت مجموعاته القصصية ببطء ولكن بعمق، لتشكل محطات رئيسة في مسار القصة المغربية الحديثة، ولتترك أثراً واضحاً في الكتابات القصصية التي جاءت بعدها في شكل أو آخر. وكان لاختيار عناوين قصصه ومجموعاتها، التي غالباً ما تلجأ إلى التراث لتستقي منه مكوناتها، هي الأخرى صدى كبير لدى النقد، بحيث كتبت الكثير من المقالات عن هذه القصص وعن عناوينها المختارة بدقة، مثل عنوان مجموعته الأولى «النظر في الوجه العزيز» المستوحى من عبارة مسكوكة كانت تختم بها الرسائل العائلية في المغرب، أو عنوان مجموعته الثانية «الغابر الظاهر» أو عنوان مجموعته الثالثة «صياد النعام»، وهما عنوانان مستقيان من الأمثال الشعبية المغربية الذائعة الصيت، وقد جمعها بعد ذلك في كتاب سماه «ديوان السندباد» أصدره عام 1995 عن منشورات الرابطة. وأتت من ثم مجموعته التي فضل تسميتها باسم طائر أسطوري هو «ققنس»، وهذا الطائر كلما شعر بدنو أجله يزداد إبداعاً في غنائه وإجادة له. ثم أخيراً مجموعته القصصية «قالت نملة» التي فضل عدم نشرها مستقلة في كتاب، وضمها الى الطبعة الجديدة من «ديوان السندباد». هذه الطبعة الجديدة التي صدرت حديثاً عن «مجموعة البحث في القصة القصيرة» في المغرب، احتوت على كل المجموعات القصصية التي كتبها أحمد بوزفور حتى الآن، وهي خمس. وقد بدت كأنها تشكل كتاب أعماله القصصية الكاملة، خصوصاً أن الكاتب بوزفور يحرص كثيراً في الكتابة القصصية التي ينجزها بتأن شديد، على ألا يترك القصة التي يكتبها إلا بعد أن يطمئن إلى انتهائها بين يديه. وهو ما يجعل منه مقلاًّ في الإنتاج مقارنة مع كتاب جيله من القاصين الآخرين. ولكن مع ذلك، فإن القارئ المغربي أو العربي ينتظر منه مزيداً من الأعمال الأخرى. ولعل صدور هذه الأعمال القصصية التي كتبها بوزفور خلال مساره الأدبي في كتاب «جامع مانع»، كما يقول الفلاسفة، أشبه بحدث ثقافي، في الوسط الثقافي المغربي والعربي معاً، فهو سيوفر للقراء المغاربة والعرب متعة قراءة أدب قصصي رفيع وسيضع الباحثين في مجال القصة القصيرة أمام أعمال ابداعية أثرت في مجرى الأدب المغربي المعاصر وفتحت أمامه، مع غيرها من الأعمال الأدبية المغربية والعربية القوية طبعاً، أبواباً ونوافذ جديدة يرى من خلالها عوالم تتميز بالجدة والأصالة معاً.