رحل في لندن قبل فترة الممثل البريطاني ألان بايتس بعد معركة قصيرة مع مرض سرطان الكبد عن تسعة وستين عاماً. ربما لا يعرف كثر من المهتمين بفن السينما هذا الممثل الوسيم الذي لا يشبه أحداً من زملائه الإنكليز بشعره البني وشفتيه الممتلئتين ونظراته الهادئة وحركاته المحسوبة، لكن كثراً منهم سيتذكرونه لدى الإشارة إلى واحد من كلاسيكيات السينما العالمية هو فيلم "زوربا اليوناني" الذي أخرجه عام 1964 اليوناني مايكل كوكويانيس عن رواية بالاسم نفسه للروائي نيكوس كازنتزاكيس والذي رشح بفضله الممثل الراحل أنطوني كوين لنيل جائزة الأوسكار عن دور زوربا الذي أداه ببراعة لافتة. أما بايتس فأدى دور كاتب إنكليزي يبحث عن متعة الحياة بعد أن ورث جزيرة يونانية، ولكن زوربا الفوضوي يورطه على الدوام في مشاريع خاسرة، ولا يجد أمامه بعد تأكيد الخسارة سوى أن يرقص معه رقصته الشهيرة على أنغام السنطوري في القطعة الموسيقية الرائعة التي وضعها للفيلم الموسيقي الكبير ميكيس ثيوروداكيس والتي حملت اسم الفيلم والرواية. وعلى رغم أن دور بايتس في الفيلم المذكور هو الذي فتح له أبواب الشهرة العالمية فإن الممثل الإنكليزي قام بأدوار في نحو خمسين فيلماً على مدى نصف قرن تمثل مجمل حياته المهنية، وهي أدوار راوحت بين أدوار ثانوية مثل دوره في فيلم "زوربا اليوناني" وأدوار البطولة المطلقة كما في فيلم "الوسيط" الذي أخرجه عام 1971 جوزيف لوزي الآتي من هوليوود هرباً من مطاردة لجان الماكارثية، ولعبت فيه دور البطولة جولي كريستي، بين أدوار في أفلام شعبية إنكليزية مثل فيلم "الالتماعة الملكية" عام 1975، وأدوار في أفلام تحولت إلى بعض كلاسيكيات الأعمال السينمائية العالمية مثل دوره في فيلم "نساء عاشقات" الذي حققه كين راسل عام 1969 عن رواية دي إتش لورنس الشهيرة بالاسم نفسه. وفي هذا الفيلم تقاسم بايتس البطولة مع أوليفر ريد وغليندا جاكسون وقام فيه بمشهد شهير تصارع فيه الممثلان بايتس وريد وهما عاريان. ممثلون لا نجوم ينتمي بايتس إلى ذلك النوع من الممثلين الذين يقضون حياتهم ممثلين عظماء ولكنهم لا يتحولون إلى نجوم لامعة في سماء الفن، شأنه في ذلك شأن الممثل الإنكليزي الكبير بول سكوفيلد الذي حاز جائزة الأوسكار عام 1966 عن دوره في فيلم "رجل لكل الفصول"، والراحل أليك غينيس أوسكار أفضل دور ثانوي في "جسر على نهر كواي" لديفيد لين عام 1959، وريتشارد أتنبورو وألبرت فيني وغيرهم ممن عرفوا بأنهم من كبار ممثلي الشاشة ولكنهم لم يكونوا يوماً من نجومها الكبار. إنه من ذلك النوع من الممثلين الذين تؤكد عظمتهم تلك المسافة التي تفصل بين الممثل والنجم. بهذه المقاييس لم يكن بايتس نجماً بل كان ممثلاً عظيماً منذ الدور الكبير الأول الذي أداه على أحد مسارح لندن عام 1956 في مسرحية "أنظر خلفك بغضب" لجون أوزبورن، التي تعتبر اليوم من كلاسيكيات المسرح البريطاني والعالمي على حد سواء، فقد مثلت تلك المسرحية انعطافة خطيرة في فن المسرح بأكمله وأسست لمسرح جديد وجيل جديد من المسرحيين البريطانيين هو جيل الغضب الذي أخذ اسمه من مسرحية أوزبورن الشهيرة. وبهذا الجيل ارتبط اسم ألان بايتس الذي حقق شهرة كبيرة كممثل مسرحي. وهو على المسرح مثل بعض أبرز أعماله التي تتضمن مسرحيات لشكسبير وتشيخوف وهارولد بنتر وتوم ستوبارد وآخرين. والطريف أنه مثلما كانت انطلاقة بايتس المسرحية من خلال مسرحية "أنظر خلفك بغضب" لجون أوزبورن كانت انطلاقته السينمائية من خلال عمل سينمائي مأخوذ أيضاً عن مسرحية لجون أوزبورن هو فيلم "المهرج" الذي أخرجه لندساي أندرسون عام 1960 عن مسرحية بالاسم نفسه ومثل دور البطولة فيه لورنس أوليفييه، في حين مثل بايتس فيه دور أحد أبنائه. ومنذ ذلك العام مثل بايتس في بعض أفضل الأفلام السينمائية ومنها ما يعتبر اليوم من كلاسيكيات السينما الإنكليزية والعالمية مثل "بعيداً عن الحشد المجنون" 1967 مع جولي كريستي الذي أخرجه جون شلزنغر عن رواية لتوماس هاردي، و"نساء عاشقات". وهو رشح لنيل جائزة الأوسكار لأفضل ممثل عن دوره في فيلم "المصلح" للمخرج جون فرانكنهايمر. وكان آخر الأدوار التي مثلها على الشاشة دوره في فيلم "غوسفورد بارك" 2001 من إخراج روبرت ألتمان والذي حظي بإطراء كبير من النقاد. أما على شاشة التلفزيون فما زال الجمهور الإنكليزي يتذكر دوره في مسلسل "عمدة كاستربريدج" في العمل المأخوذ عن رواية شهيرة بالاسم نفسه لتوماس هاردي.