خطت تركيا، في بداية هذا العام، خطوة جديدة في سعيها الدؤوب للانضمام الى الاتحاد الأوروبي، بتوقيعها على البروتوكول الاختياري الرقم 13 المضاف الى الاتفاقية الأوروبية لحقوق الانسان. وسبق لتركيا أن صادقت هذه المرة وبتاريخ 12/11/2003، ومن دون تحفظات، على البروتوكول الرقم 6 المضاف الى هذه الاتفاقية والذي يلغي عقوبة الإعدام، وأصبح البروتوكول نافذاً اعتباراً من 1/12/2003. ويمثل الفرق بين البروتوكولين: ان البروتوكول الرقم 6 الذي ألغت مادته الأولى عقوبة الإعدام، وحظرت الحكم على أحد بالإعدام أو تنفيذه، أجازت مادته الثانية أن تنص تشريعات الدول الأطراف في هذا البروتوكول على عقوبة الإعدام "في ما يخص التصرفات المقترفة في وقت الحرب أو خطر وقوع الحرب". وجاء البروتوكول الرقم 13 ليؤكد، من جهة، على إلغاء عقوبة الإعدام ويمنع تنفيذها في حق أي كان، وليحظر، من جهة ثانية، الإعدام في كل الظروف، أي حتى في أوقات الحرب وهو أبعد ما توصل اليه المجتمع الدولي في محاربته عقوبة الإعدام. ويرى المراقبون في الخطوة التركية الجديدة محاولة جادة لطي ملف حقوق الانسان الذي كان يسبب مصدر قلق ومخاوف الحكومات التركية المتعاقبة من تأخير انضمام هذه الدولة الى الاتحاد الأوروبي. لم يعد ملف حقوق الانسان هو العائق الرئيسي لقبول تركيا في الاتحاد الأوروبي، وهي من الدول المرشحة للعضوية الى جانب كل من بلغاريا ورومانيا، بل ان العوامل السياسية، من ناحية، والتساؤلات المطروحة حول هوية تركيا، من ناحية ثانية، هي التي تقف حائلاً دون انضمامها الى هذه المنظمة التي سيزداد عدد أعضائها بحلول الشهر الخامس من هذا العام ليصبح 25 دولة أوروبية. فمن الأسباب السياسية التي لا تزال مطروحة على بساط البحث المشكلة القبرصية وتقسيم هذه الجزيرة ووجود القوات التركية في الجزء الشمالي منها منذ العام 1974، ولكن يبدو أن هذه المشكلة في طريقها الى الحل عبر قبول الخطة التي اقترحها الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان والمتمثلة بتوحيد الجزيرة في إطار فيديرالي يجمع بين دولتين قبرصية يونانية من طرف، وتركية من طرف آخر. وقد سبق ذلك الاعلان عن تشكيل حكومة ائتلاف في القسم الشمالي من قبرص بعد قرابة شهر من إعلان نتائج الانتخابات التشريعية التي جرت في أواخر العام الفائت وأظهرت تساوي توزيع المقاعد الانتخابية بين المعارضين لتوحيد الجزيرة وأنصار وحدتها. ومما لا شك فيه بأن الضغوط التي مارستها أطراف عدة، خصوصاً من طرف الاتحاد الأوروبي، الذي سبق أن هدد بضم جنوب الجزيرة القبرصية الذي يسيطر عليه القبارصة اليونانيون الى عضوية الاتحاد اذا لم يتم التوصل لحل لمشكلة تقسيم الجزيرة، قد لعبت دوراً كبيراً في التوصل الى هذا الاتفاق. ويأتي التساؤل عن هوية الدولة التركية كدولة أوروبية أم لا، ليطرح اشكالاً جديداً في موضوع انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، فقد سبق للمستشار الألماني السابق هيلموت كول أن صرح عام 1997 بأن تركيا دولة اسلامية غير اوروبية ولا يمكنها أن تدخل النادي الأوروبي، كما أضاف انها ليست في القارة الأوروبية بل انها في عداد دول الشرق الأوسط، وهو ما ردده لاحقاً الرئيس الفرنسي السابق فاليري جيسكار ديستان في معرض حديثه عن الموقع الجغرافي لتركيا. ولكن، يجب ان نذكر هنا بأن تركيا انضمت الى منظمة مجلس أوروبا في العام 1950، أي بعد عام من تأسيسها، وهي المنظمة التي تضم 45 دولة اوروبية، وعليه فلا أحد يناقش اليوم حقيقة كونها دولة أوروبية. والقول بأن تركيا دولة اسلامية لأنها من بين الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الاسلامي لا يعني أن للدين الاسلامي دوره الأساسي في سياسات تركيا الداخلية والخارجية، وهو ما يحاول المعارضون لانضمامها الى الاتحاد الأوروبي ان يبرزوه ويضعوه في المقام الأول. فالعضوية في منظمة المؤتمر الإسلامي لا تحدد، في رأينا، هوية الدولة العضو أو انتمائها الديني، لأننا نعرف جميعاً أن المنظمة تضم دولاً تصرح دساتير بعضها بأنها دول علمانية مثل: تركيا والسنغال، وتؤكد دساتير أخرى على أن الدولة العضو دولة اسلامية مثل: إيران وموريتانيا. ستحدد الاعتبارات السياسية، في آخر المطاف، والأهداف المتوخاة من توسيع دائرة الانضمام الى الاتحاد الأوروبي، قضية قبول تركيا في هذا الاتحاد. ولعل في اعتماد دستور الاتحاد الأوروبي في فترة الرئاسة الايرلندية التي ستمتد حتى منتصف هذا العام، وهو ما أخفق قادة الاتحاد في تحقيقه أثناء اجتماعاتهم الأخيرة التي جرت في أواخر العام الفائت تحت الرئاسة الايطالية، ما يساعد على تهيئة الظروف المناسبة لتتمتع تركيا بهذه العضوية بعدما طال انتظارها. * كاتب سوري مقيم في فرنسا.