لا ينظر حيدر رشيد المعتقل الأردني السابق لدى اسرائيل بكثير من التفاؤل الى تحقيق تقدم حقيقي في المفاوضات الأردنية - الاسرائيلية المتعلقة بالإفراج عن السجناء الأمنيين، ويقول ل"الحياة" ان "المسألة محسومة بالنسبة الى اسرائيل، فهي لن تطلق إلا محكومين في قضايا جنائية، أو آخرين أنهوا عملياً فترات محكوميتهم". أمضى حيدر 38 عاماً وهو أردني من أصل فلسطيني سبع سنوات في سجن نفحة في منطقة رفح بعدما دانته محكمة إسرائيلية عام 1996 ب"القيام بأعمال إرهابية"، وكان من بين 10 سجناء أطلقتهم اسرائيل في تشرين الثاني نوفمبر الماضي، وخرج من السجن قبل أربعة شهور من انتهاء مدة محكوميته. ويقبع في السجون الاسرائيلية 71 أردنياً، بينهم 28 دينوا بارتكاب "جرائم إرهابية" أو الانتماء الى حركات المقاومة الفلسطينية، ويُنظر الى هؤلاء بصفتهم "مجرمين تلطخت أيديهم بدماء إسرائيليين" ما يجعل الإفراج عنهم "شبه مستحيل" بحسب حيدر الذي يشير الى أن "المعاملة السيئة والترحيل الدائم لهم بين السجون مؤشرات على أن اسرائيل ستظل تماطل في قضيتهم الى أن تنتهي محكوميتهم أو يفارقوا الحياة". وفي ظل غياب الاتصالات الرسمية في شأن السجناء الأردنيين قبل عام 1994 عندما أبرمت عمان وتل أبيب معاهدة السلام بينهما، شكلت عائلات هؤلاء "لجنة أهالي الأسرى والمفقودين الأردنيين في اسرائيل" التي تولت متابعة شؤونهم والضغط على الحكومة الأردنية للإفراج عنهم. ويرأس اللجنة المحامي صالح العجلوني وهو شقيق المحكوم بالسجن المؤبد ثلاث مرات سلطان العجلوني الذي تسلل عبر الحدود الأردنية عام 1990، وقتل جندياً إسرائيلياً، وجرح آخر. سلطان العجلوني أحد أربعة سجناء أردنيين ترفض تل أبيب الإفراج عنهم، وأدى هذا الرفض الأسبوع الماضي الى إلغاء زيارة رسمية كانت مقررة لوزير الخارجية الإسرائيلي سيلفان شالوم الى عمان. أما الثلاثة الآخرون فهم أمين الصانع وخالد أبو غليون وسالم أبو غليون، وهؤلاء كانوا عناصر في الشرطة الخاصة الأردنية، وتلقوا تدريباً على استخدام السلاح باحتراف، ثم عبروا وادي عربة في جنوبالأردن باتجاه الضفة الغربية عام 1991، وخاضوا معركة شرسة مع ثكنة عسكرية، أسفرت عن مصرع خمسة جنود، وحُكم عليهم بالسجن المؤبد أيضاً. المحكومون الأربعة تحديداً مثار خلاف عميق بين الأردن وإسرائيل المتمسكة بعدم إطلاقهم. ويقول المحامي العجلوني ل"الحياة" أن "هؤلاء قاموا بأعمال عسكرية عندما كان البلدان في حال حرب، ولا يجوز استثناؤهم من أي اتفاق للإفراج عن المعتقلين" إذ أنهم "أسرى، وليسوا مجرد سجناء عاديين، ويجب أن يُعاملوا بموجب ذلك، ويُفرج عنهم". ويشير العجلوني الى أن "اسرائيل عندما تبدي استعدادا لإطلاق أردنيين، فهي تعني المعتقلين جنائياً، وهم 43 شخصاً دخلوا إليها بقصد العمل أو السياحة، وارتكبوا جرائم مدنية". أما الأسرى والسجناء الأمنيّون فهم خارج أي اتفاق، ما عدا من يُنهي منهم فترة محكوميته. عائلات الأسرى تلحّ على الحكومة الأردنية لبذل جهود إضافية لاطلاقهم، وفي موازاة ذلك تطالب المعارضة بوقف التطبيع مع اسرائيل، والعفو عن الجندي أحمد الدقامسة الذي يمضي عقوبة المؤبد لإدانته بقتل 7 تلميذات إسرائيليات في شمال المملكة عام 1997. وتقول "أم عبد الرحمن" زوجة الأسير سالم أبو غليون و"أم بهاء" زوجة الأسير عبدالباسط دلاشة المتهم بتهريب أسلحة عبر الحدود الأردنية الى فصائل فلسطينية في الضفة الغربية ل"الحياة" أن "الحكومة مطالبة بالإصرار على إطلاق الأسرى والمعتقلين مهما كلّف الثمن، وعليها أن تختبر صدق علاقتها مع اسرائيل" في هذا المضمار، وتعتبران أن "السلام بين البلدين لا معنى له في ظل بقاء مواطنين أردنيين في السجون الاسرائيلية". أما عائلة أكرم عبد الكريم زهرة 36 عاماً والمحكوم بالسجن المؤبد لإدانته بتفجير مستوطنة يهودية عام 2001 فلا تعرف شيئاً عن مصيره منذ شهور طويلة، ويؤكد شقيقه علاء ل"الحياة" أنه كان "يحمل الرقم 14 في قائمة من 20 سجيناً وعدت اسرائيل بإطلاقهم العام الماضي... وما زلنا ننتظر". ويضيف أن "المشكلة أن زوجته وولديه لم يتلقوا منذ أربعة شهور الرسائل التي كان ينقلها إليهم الصليب الأحمر من سجنه في عسقلان". وهذه أيضاً حال عائلة أحلام التميمي التي شاركت في عملية قُتل فيها 15 إسرائيلياً في 2001، وعائلتي عبدالله أبو جابر المتهم بتفجير حافلة في تل أبيب وعبدالله البرغوثي الذي تتهمه اسرائيل بالتخطيط لتفجيرات، ولم يقدم للمحاكمة منذ ثلاث سنوات. وتواجه اللجنة الدولية للصليب الأحمر، بحسب مسؤولين فيها، "صعوبة بالغة في الاتصال بالأسرى والمعتقلين الأردنيين، خصوصاً الأمنيين منهم، بسبب لجوء السلطات الاسرائيلية الى نقلهم باستمرار من سجن الى آخر" فهم "يُنقلون دائماً" بين سجون رئيسية في رفح وعسقلان وبئر السبع والنقب وغور بيسان، وأخرى قريبة من تل أبيب، مثل سجني "تللموند" و"هداريم". ويلفت العجلوني الى أن "معظم الأسرى ال28 لم ينفذوا عمليات أدت الى مقتل مدنيين، كما تزعم اسرائيل التي تصرّ على معاملتهم على هذا النحو من أجل ابتزاز الأردن سياسياً" مع أن عمان جمّدت مطالبتها السابقة بمعرفة مصير 18 مفقوداً في اسرائيل منذ عام 1967، علماً أن "عائلات بعضهم تلقت تأكيدات بأنهم على قيد الحياة، مثل علي بني هاني" الذي تطوع في صفوف الثورة الفلسطينية عام 1969. والواقع أن قضية الأسرى والمعتقلين الأردنيين كانت مدار بحث دائم بين عمان وتل أبيب في السنوات التي سبقت اندلاع الانتفاضة الفلسطينية عام 2000، لكن تدهور العلاقات بين البلدين بعد ذلك، وسحب السفير الأردني من اسرائيل، وضعف الاتصالات بينهما أدى الى تجميد البحث في هذا الملف الذي تسعى الحكومة الأردنية الى تسجيل نجاح حقيقي فيه من أجل إسكات صوت المعارضة، ولا سيما الاسلامية التي تلح على إلغاء معاهدة السلام مع اسرائيل، وطرد سفيرها من عمان.