في هذا اليوم الباريسي الممطر والرمادي اللون والنكهة جاءت عروض ازياء صيف 2004 لشابين لبنانيين، لتعكس شعاعاً صيفياً في سماء عاصمة النور وفي النفوس المكتئبة على حد سواء. ايلي صعب وزهير مراد اسمان تألقا في سلسلة عروض الHaute couture لموسم الصيف المقبل في عاصمة الموضة. مراد اختار قاعة في دهاليز متحف اللوفر، فكانت فساتينه لوحات فنية شفافة وبراقة، وتمنت ال"موناليزا" القابعة في الطوابق العليا خلع خمارها الاسود واستبداله بالدانتيل الفوشيا والاخضر الذي لبسته عارضاته. اما ايلي صعب الذي بات في غنى عن التعريف فاختار، على رغم ارتفاع اليورو وصموده امام الدولار، قاعات بورصة باريس، التي عجت بالمدعويين ممن يمكنهم ويمكنهن اقتناء اثوابه. بل بات حضور عروض ايلي صعب حدثاً اجتماعياً عربياً - فرنسياً، يجلس فيه الكاتب باتريك سيل الى يمين نازك رفيق الحريري ويشاركها من حين الى آخر الرأي في هذا الثوب او ذاك. ايلي صعب فهم المرأة فهم ايلي صعب المرأة، شرقية كانت ام غربية. للأولى قدم الازدواجية في العرض اذ ان كل فستان يعرض مرتين بتصميمين مختلفين: الفتحة على اليمين للأول وعلى اليسار للثاني لأن زبونة ايلي ستطلب منه "الموديل نفسه ولكن بتغيير بسيط" فتكون نتيجته الفستان الثاني! للمرأة الغربية قدم "جاكيت" من البروكار على فستان الموسلين، فلا امان للطقس هنا حتى في الصيف! مرأة ايلي صعب للصيف المقبل كالفراشة، الوانها زاهية تتناثر قطع الموسلين من على اكتفاها وخصرها، وأحياناً تصبح امرأة حورية تلفها امتار الموسلين المطرز وتسترغي الاورغانزا على جسدها حتى تجرها ذيلاً وراءها. وأحياناً اخرى يختصر ثوب السهرة ليعيدنا الى الميني جوب وسبعينات القرن الفائت! زهير مراد اختار قصة هوليوود عنواناً لعروضه، افتتح مجموعة تصاميمه بسلسلة من الفساتين باللون الاسود مصنوعة من الTULLE المزخرف. بحث عن شرقيته في قصة هوليوود من خلال السروال الذي تحول الى بنطال لاصق حتى الركبة يغطيه فستان من ألف ليلة وليلة. لكل فستان حكاية عند مراد. كل تصميم ينم عن صعود شاب خجول الشخصية جريء في فساتينه كهذا الحزام الجلدي الذي وضع ليحيط بخاصرة من الموسلين الشفاف! ايلي وزهير تفوقا مما لا شك فيه على ما نشهده حالياً في عالم الHaute couture بأسمائه الايطالية والفرنسية. عكسا بصدق وشاعرية رومانسية المرأة الشرقية وتفانيها في التألق والتجمل. مسك الختام في العرضين كان ثوب الزفاف، واذا كانت العروض التقليدية تقدم ثوباً واحداً في ختام العرض فإن الشرق يتطلب اكثر من ثوب. مراد اختار احجار الكريستال لترصيع الTulle والدانتيل، وصعب اختار البروكار العاجي وزخرفه بخيوط الذهب. وفي الوقت الذي تسعى فيه فرنسا الى خلع غطاء الرأس عن المرأة، اختار المصممان الشرقيان التذكير بالأصول التقليدية المسيحية - الرومانية، ووضعا لعروسيهما غطاء من الدانتيل الفرنسي، احتراماً لدخولهما الكنيسة قبل عقد القران. امام هذه اللوحات الخلابة في يوم واحد يسأل المرء ما اذا كان ايلي صعب ما زال في حاجة الى دعم الصحافة العربية وقد خصصت له مجلة باري ماتش العام الماضي صفحتين داخليتين في الوقت الذي يصعب فيه على رؤساء الدول العربية تصدّر صفحة الغلاف؟ الجواب نعم، لأن المرأة الغربية، والاوروبية تحديداً، تحلم فقط عندما تحضر هذه العروض، اما المرأة الشرقية العربية فتحقق حلمها وتتحول الى حورية او عارضة ازياء في امسيات الشرق الدافئة، وهذا ما يفسر وجود وفد خليجي كبير من النساء المرموقات "لأننا نعد لمناسبة مهمة" حضرن خصيصاً لمشاهدة العرض. الى جانب حشد من اللبنانيات والشاميات الجميلات، على رأسهن نازك الحريري التي شجعت المصممين بحضورها العرضين. واذا كانت قد وقفت دون الآخرين مصفقة لايلي صعب الذي رد بتوزيع القبلات الهوائية على المدعويين، فان زهير مراد لن ينتظر طويلاً حتى تقف القاعة كلها تشجيعاً لهذا المصمم الخجول البارع.