نشرت في بغداد أخيراً وثيقة تحمل توقيع المدير العام السابق لأكثر من مؤسسة ثقافية عراقية الشاعر فاروق سلوم، وفيها تقرير يعرض "خدمات امنية" يقدمها سلوم الذي يوصف بانه "شاعر اعياد ميلاد صدام" كان عريف حفل آخر 5 مرات احتفل فيها صدام بعيد ميلاده. وفي الوثيقة التي نشرتها صحيفة الحزب الشيوعي العراقي "طريق الشعب" تقرير موجه من الشاعر المقرب من الرئيس السابق، الى وزير الثقافة السابق حامد يوسف حمادي عن مجلة ادبية عراقية مناهضة هي "المسلة" ويشير اليها سلوم بانها تصدر عن "اتحاد الأدباء الخونة" في اشارة الى "الإتحاد العام للكتاب والصحافيين العراقيين" الذي اسسته مجموعة من المثقفين العراقيين في المنفى. الوثيقة كان اكتشفها احد قراء المجلة داخل العراق، وهو الكاتب سعدون هليل، ضمن ملفات وزارة الثقافة ووثائقها السرية، ربما لن تكون الوحيدة او الاخيرة، بل لعل الايام سوف تزيح الستار عن الكثير من امثالها. "المسلة" التي ترأس تحريرها كاتب السطور اثناء اقامته في عمّان، نجحت على ما يبدو في اثارة حفيظة السلطة في ذلك الوقت، ليس عبر ما تؤكده الوثيقة الفضيحة، بل ما كانت تمثله التهديدات بالقتل، من موظفي الاستخبارات الصدامية الذين كانوا يتجولون في الاردن وطاولت كتابها ومحرريها: القاص علي السوداني، الشاعر عبدالخالق كيطان والناقد والأكاديمي د.حسن ناظم وغيرهم. المجلة حققت اصداء طيبة داخل العراق فيكفي مثلاً ما يرويه اصدقاؤها الآن، فالشاعر محمد الحمراني يتلقى التهديد هو الاخر من احد مساعدي عدي وهو رحيم مزيد الذي كان يراقب، حركات وسكنات المثقفين المرتبطين نفسياً ب"المسلة" قائلاً للحمراني بنبرة تهديد انه يعلم تماماً بمسألة تداول المجلة بين بعض مثقفي محافظة العمارة جنوب حيث يقيم الحمراني وان أعداداً منها موجودة على مكتب وزير الثقافة. الشاعر والناقد محمد غازي الأخرس يقول عن "المسلة" وتقرير الشاعر سلوم: "مسألة الرقابة المفرطة ووضع كتاب تحت التهديد لم تكن غريبة، فقد كان للمجلة ذراع "اخطبوطية" التفت على ثقافة السلطة، حد انها نجحت في استقطاب ادباء كثيرين للكتابة فيها تحت اسماء مستعارة لعل ابرزهم الشاعرين حسين علي يونس وكاظم محمد داخل والفنان المسرحي مقداد عبدالرضا والقاص صلاح زنكنة الذين كتبوا تحت اسماء "حسين علي حسين، آيار كاظم، سامر البغدادي وصلاح حسين، والمفارقة، في هذا الصدد، انني على رغم عملي في "المسلة" لأكثر من سنتين، الا ان أحداً لم يخبرني علناً بهذا الأمر انما اعتمدت على حدسي النقدي مميزاً اسلوب صديقي الشاعر حسين علي يونس. فضلاً عن ان رئيس التحرير كان كلفني أكثر من مرة بايصال مبالغ نقدية الى بضعة اصدقاء يحتفظ الاتحاد المناهض بعلاقات وطيدة معهم، وكانت المبالغ تصل الى اصحابها من طريق صديقنا الشاعر احمد الشيخ علي الذي اخذ على عاتقه، آنذاك، ترويج المجلة من خلال مكتب استنساخ تصوير متواضع كان يديره في منطقة باب المعظم". ويضيف الأخرس عن "المسلة" التي اسست عام 1999، قائلاً: "فاقت حدود التصور، لا بالنسبة لنا فحسب، انما بالنسبة للسلطة ايضاً، اذ ما ان يصدر احد الاعداد حتى يسارع المثقفون في الداخل الى اعادة نسخه وتداوله بطريقة بدت فيها المجلة وكأنها تطبع في العراق. شخصياً، فإن المجلة اضافت لي الكثير منذ ان بدأت العمل فيها نهاية عام 2000 مصححاً ومحرراً. وإذ استذكر الآن تلك المرحلة الخصبة فأود توجيه التحية الى الاصدقاء الذين غامروا وربطوا مصائرهم بخط المجلة أمثال علي السوداني وعبدالخالق كيطان ود. حسن ناظم وغيرهم. وحول تقرير المعلومات الذي كتبه سلوم يشير "الوثيقة التجسسية المقيتة لا تعني سوى شيء واحد: "المسلة" كانت مزعجة للطغاة، و"المسلة" كانت موضوع تلصص حقير، وهي كانت، فضلاً عن هذا كله، وسيلة كسب "لقمة عيش" للكثير من المخبرين، لن يكون آخرهم فاروق سلوم". الشاعر والصحافي كاظم غيلان الذي كان من مثقفي "الداخل" المواظبين على قراءة المجلة والحصول عليها عبر طرق "التفافية" يقول: "مذكرة فاروق سلوم التي يتهجم فيها على مجلة "المسلة" وينعتها بأنها مجلة اتحاد الخونة من الادباء والصحافيين الذين اختاروا طريق الغدر، ثم يستمر بنعتها بأنها طائفية، فضيحة ولكنها ليست فضيحة المطبوع بل فضيحة الكاتب الذي يتنصل عن مصير شعبه وينتمي لكل ما لا يليق بهذا الشعب وتقاليده. لماذا هذا العداء ل"المسلة" هذه المجلة التي احتوت جراحنا الشجاعة واصواتنا المخنوقة... لماذا كل هذا التجني؟ كنت في زمن سابق أحبك.. فلماذا تحرمني اليوم من هذه المحبة وانا بحاجة الى ان أحب اي عراقي... لكن لا يمكن لي ان احترم الغادرين ممن لا يحترمون جراحنا. متى كانت مهمة "المثقف" ان يكتب تقريراً... ومتى كان التقرير صديقاً للنص الابداعي؟ أما حان الوقت لان نضمد الجرح بالذي يليق به من ضماد عراقي نستله من الهور أو الجبل العراقي؟ انه ليس مجرد سؤال... بقدر ما هو صرخة في روحي آن لي أن اطلقها وعليك السلام يا كاتب هذا التقرير... يا من كنت شاعراً يعد بالكثير، ولكن قتله الكرسي والوصولية وانهياه". وكانت الوثيقة تحمل السطور التالية: "السيد وزير الثقافة المحترم نهديكم التحية م - مجلة المسلة اقتنيت هذا العدد من مجلة "المسلة" التي يصدرها اتحاد الخونة من الادباء والصحافيين الذين اختاروا طريق الغدر والخيانة. أنا واثق انكم ستلاحظون العقل الطائفي الذي يسيطر على بنية الخطاب في الشعر والدراسات وكل الميادين التي تتناولها المجلة، فضلاً عن الخط المفرط في العداء، آملاً اطلاعكم وتوجيهكم، مع التقدير. فاروق سلوم"